حتى لو كانت النساء هن ضحايا التحرش في العراق، فإنهن يخشين الفضيحة، ويعمدن إلى التستّر على ما يتعرضن إليه. المجتمع حاسم حيال هذه الظاهرة. يرفضها رفضاً تاماً، مع ذلك، فإنها تحدث كثيراً.
بحزن، تتذكر الطالبة في إحدى كليات جامعة بغداد يوم الرابع والعشرين من فبراير/شباط الماضي، الذي حاول فيه أحد أساتذتها التحرش بها. تقول: "القدر وحده أنقذني من الأسوأ". توضح لـ"العربي الجديد" أنه "في سنتي الدراسية الأولى، كان أحد الأساتذة يلاطفني كثيراً، ودائماً ما يشيد بمداخلاتي في الصف. اعتقدت حينها أنه هكذا تكون العلاقة بين الأستاذ وطلابه. مع الوقت، صار يدعوني إلى قاعة المحاضرات بعد انتهاء الصف بحجة الاطلاع على سير الدراسة. كان يعمد إلى الاقتراب مني حد الالتصاق أحياناً. شعرت بأن هناك مشكلة، وخفت أن تتأثر سمعتي في الكلية. خشيت أيضاً أن يصل الخبر إلى أهلي، بخاصة أن عدداً من أصدقائي يقطنون المنطقة عينها التي أعيش فيها. اخترت الهرب. غبت عن الجامعة مدة أسبوع بحجة المرض. عدت بعدها وصرت أكثر حذراً. لكن الأستاذ لم يتركني وشأني. صار يتعمد إحراجي في الصف من خلال طرح أسئلة صعبة حول المادة، أو منحي علامات سيئة على المسابقات. لم أنته من هذا الكابوس إلا حين تم نقله إلى كلية أخرى، علماً أنني لم أعرف السبب".
امرأة أخرى رفضت الكشف عن اسمها، وهي أم لطفلين، عانت أيضاً بسبب التحرش. تقول لـ"العربي الجديد": "بدأت القصة حين ذهبت إلى الطبيب لمعاينة الحروق التي أصبت بها في يدي اليسرى. استغلّ خوفي وبدأ يداعب يدي. لم يعد الأمر مجرد معاينة، بل تمادى أكثر وبدأ يلامس جسدي. في البداية، شعرت بالخوف قبل أن أستجمع قواي وأضربه. على الفور، وضع يديه على فمي خوفاً من أن أصرخ، قبل أن يعتذر موضحاً أنه كان يحاول امتصاص خوفي. وسرعان ما غادرت العيادة من دون أن أخبر أحداً خوفاً من الفضيحة".
في السياق، يوضح أستاذ علم النفس مبين فرج الوالي لـ"العربي الجديد" أن "التحرش ليس وليد اليوم، لكنه يختلف مع مرور السنوات. على سبيل المثال، يمكن القول إن التكنولوجيا الحديثة كانت بمثابة عامل مساعد دفعت الشباب إلى إشباع رغباتهم"، مبيناً أن "سبب تجاوب المرأة أحياناً ناتج عن أسباب عاطفية، إذ أنها تنجذب إلى الكلام الجميل. لكن بسبب عدم وجود معايير واضحة في المجتمع، والتعامل مع المرأة على أنها كائن ضعيف، يستسهل الشباب التحرش. يجب تسليط الضوء على أهمية التربية للجنسين. كذلك، نحتاج إلى توعية النساء وتمكينهن وتثقيفهن وإنصافهن، للتخلص من هذه الظاهرة".
أما أستاذ القانون بليغ ماجد الحكيم، فيوضح لـ"العربي الجديد" أنه "من الناحية القانونية، يعد التحرش والاغتصاب وهتك العرض من الأفعال المشينة التي نبذها المجتمع ورفضها. وبهدف الحفاظ على أمن وسلامة المجتمع، نص قانون العقوبات رقم 111 الصادر عام 1969 على عقوبات ضد من يرتكب جرائم مخلة بالأخلاق والآداب العامة. ويعاقب المتحرش بحسب قانون العقوبات المادة 400 بالسجن لمدة سنة".
من جهته، يرى مؤيد بلال (24 عاماً)، وهو طالب دراسات عليا في كلية الزراعة ــ جامعة بغداد، أن بعض الفتيات يعمدن إلى استغلال وجود هذه الظاهرة بهدف تحقيق بعض المآرب الشخصية، منها على سبيل المثال النجاح في الجامعة. في المقابل، يقول الناشط في مجال حقوق الإنسان ثامر فوائد لـ"العربي الجديد" إنه "عادة ما يكثر التحرش في الدوائر الرسمية أو الكليات أو أماكن الترفيه الصغيرة، وليس علناً، بسبب طبيعة المجتمع العراقي التي تتجذر فيه القيم العشائرية، وترفض هذه الأمور بشدة". يلفت في الوقت نفسه إلى أن "حالات التحرش في العراق تزداد، بخاصة بعدما أعلنت وزيرة المرأة في الحكومة السابقة ابتهال كاصد بداية العام 2014، أن الوزارة تتلقى كثيراً من الشكاوى من نساء تعرضن للتحرش الجنسي في الشارع أو في الدوائر الحكومية أو القطاع الخاص، بينهن ناشطات وإعلاميات".
يشير فوائد إلى أن ظاهرة التحرش تطال جميع النساء، وبدرجات متفاوتة. قد يقتصر الأمر على التفوّه بعبارات غير لائقة، وقد يصل الأمر إلى الاغتصاب والقتل، كما حصل في محافظة البصرة جنوباً ومحافظة أربيل شمالاً. فقد اغتصبت طفلتان، وهما بنين (4 سنوات) وعبير (5 سنوات) في محافظة البصرة أواخر عام 2012، ثم تم قتلهما ورميهما في الطريق وبطريقة بشعة. أما في أربيل، وتحديداً مطلع العام 2014، فقد أقدم ستة شبان على اغتصاب لاجئة سورية (16 عاماً). وفي ظل عدم وجود رادع، بخاصة أن الأجهزة الأمنية العراقية مشغولة حالياً بمحاربة الإرهاب، فضلاً عن غياب التوعية، يبدو أن هذه الظاهرة ستزداد.