لم تعد مساءات غزة تختلف عن صباحاتها. شهداء جدد ينضمون على مدار اليوم إلى قوافل ذهبت ضحية العدوان الإسرائيلي المستمر على القطاع المحاصر من كل الاتجاهات، والذي تتساقط على سكانه المليون وثمانمئة ألف، كل أنواع القذائف والصواريخ من البر والبحر والجو، والتي قدّرت شرطة هندسة المتفجرات في وزارة الداخلية الفلسطينية في غزة أنها توازي أكثر من 10 آلاف طن من المتفجرات.
وسقط، اليوم الخميس، نحو مائة شهيد غالبيتهم من مدينة خانيونس، مما أدى إلى ارتفاع أعداد الشهداء منذ بداية العدوان إلى 809، إلى جانب أكثر من 5240 جريحاً، العشرات منهم في حال الخطر الشديد.
واستشهد خمسة مواطنين في قصف بطائرة حربية على تجمع للمواطنين في منطقة معن في خانيونس جنوبي القطاع.
من جهتهم، أفاد شهود عيان ومصادر متعددة، بأن الاحتلال أفرج عن مجموعة من المدنيين اعتقلهم في خزاعة في المدينة ذاتها، وخلال عودتهم إلى مناطق سكناهم أطلق النار عليهم، مما أدى إلى استشهاد خمسة آخرين.
كذلك، استشهد الطفل الرضيع إبراهيم الشيخ عمر، الذي كان يتلقى علاجاً في مستشفى الشهيد محمد الدرّة في حيّ التفاح في مدينة غزة، في قصف إسرائيلي استهدف محيط المستشفى. وأدت الغارة الإسرائيلية أيضاً إلى إصابة 30 مواطناً، بينهم مرضى من المستشفى ذاته.
واستشهد في شرقي خانيونس، أربعة مواطنين في قصف على تجمع مدني قرب سوق السيارات، فيما أصيب عشرة مواطنين في قصف استهدف منزلاً لعائلة الرملاوي في مخيم جباليا للاجئين شمالي القطاع. واستشهد المسنّ جمعة السويركي، في قصف طائرة استطلاع لمدنيين في منازلهم قرب وادي غزة.
وفي قصف مدفعي عشوائي على منازل المواطنين في القرارة في خانيونس، استشهدت سناء الأسطل ونجلها محمد، فيما استشهد زكريا البطش، في مستشفى المدينة الطبيب، في العاصمة عمّان، متأثراً بجروحه الخطيرة، وذلك بعد يوم من وصوله من قطاع غزة لتلقى العلاج، حسب ما قال مصدر طبي.
وكانت القوات الإسرائيلية ارتكبت مجزرة جديدة بحق النازحين من المناطق الحدودية شمالي القطاع، جراء استهدافها مدرسة تابعة لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" في بلدة بيت حانون شمالي القطاع، وأسفرت عن استشهاد 16 مواطناً وإصابة 200 آخرين.
ورغم أن المدرسة ترفع على سطحها أعلام الأونروا والأمم المتحدة، وتقوم المنظمة الدولية بمتابعتها بشكل كامل ودقيق، إلا أنها استهدفت من دون سابق إنذار، مما أدى إلى استشهاد 16 فلسطينياً وجرح ما يزيد على مئتين، بينهم 26 على الأقل جراحهم خطرة للغاية".
وقال شهود عيان لـ"العربي الجديد" إن المواطنين كانوا يتجمعون في ساحة المدرسة، قبل أن تتساقط عليهم ست قذائف أطلقتها المدفعية الإسرائيلية بشكل مباشر. وأكدوا أن كل من في المدرسة مدنيون، وأن أحداً لم يكن يتوقع أن تصبح المدرسة هدفاً للجيش الإسرائيلي، ولا سيما أن الأونروا تسلّم الاحتلال إحداثيات المدارس التي تفتحها لإيواء النازحين.
لكن هذه التأكيدات لا مكان لها لدى الولايات المتحدة الأميركية. فبينما أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، عن "صدمته"، ودعا إلى "توقف الهجوم الإسرائيلي الآن"، لم توجه المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، جنيفر بساكي، أصابع الاتهام إلى إسرائيل.
وفيما أعربت "عن حزننا العميق وقلقنا حيال هذا الحادث المأساوي"، أضافت "نحض مجدداً جميع الأطراف على مضاعفة جهودهم لحماية المدنيين".
وفي محاولة لرمي المسؤولية على حركة "حماس"، نددت بساكي بتخزين الأسلحة داخل مبان تابعة للامم المتحدة، وقالت "نحض جميع الأطراف على احترام حياة المدنيين والتزام القانون الإنساني الدولي".
في الأثناء، أعلن نائب مدير شرطة هندسة المتفجرات في غزة، جهاد أبو مراد، أن أكثر من عشرة آلاف طن من المتفجرات، تم إسقاطها على القطاع منذ بدء العدوان. وأكد أنه تم رصد أكثر من ستة آلاف غارة مدفعية على القطاع بقذائف شديدة الانفجار، تُسبب دماراً كبيراً في المنازل والأراضي التي تسقط عليها.
وذكر أبو مراد، في بيان، أن قوات الاحتلال استخدمت في الآونة الأخيرة قذائف دخانية تؤثر على التنفس وتشكل خطورة على حياة المصابين بالربو وضيق التنفس، وتستخدمها قوات الاحتلال عند تغيير قواتها البرية المتوغلة في الأطراف الشرقية للقطاع.
وأوضح أن قوات الاحتلال استخدمت قنابل الفوسفور بشكل محدود في مناطق عدة من قطاع غزة، بهدف إشعال الحرائق في منازل المواطنين وإعطاء إشارة للمدفعية بتكثيف القصف على مناطق معينة. وكشف كذلك أن البحرية الإسرائيلية تستخدم قذائف 120 ملم وصواريخ بحر/ بر شديدة الانفجار والتي تطلقها على شواطئ غزة وبعض الأهداف المدنية على الشواطئ.
وقال إن قذائف الدبابات 120 ملم المتشظية والمسمارية تحتوي كل قذيفة منها على ثلاثة آلاف مسمار، تنتشر في كل الأنحاء بمجرد انفجارها ما يوقع عددا كبيرا من الإصابات في صفوف المواطنين.
وأشار إلى أن كل قذيفة من قذائف "الابام" تحتوي أربع حجرات، وكل حجرة تحتوي على إسطوانات "شفرات" للقطع والبتر.
في غضون ذلك، أحصت كتائب الشهيد عز الدين القسام، الذراع العسكرية لحركة "حماس" قتل مقاوميها ثمانية جنود إسرائيليين يوم الخميس، فضلاً عن إصابة العشرات خلال اشتباكات مباشرة مع القوات المتوغلة شمال وشرق القطاع.
كذلك أطلقت القسام 65 صاروخاً على الأراضي المحتلة، أحدها تجاه مدينة حيفا، واثنان تجاه تل أبيب، ومثلهما على مطار اللد (بن غوريون).
من جهتها، أطلقت سرايا القدس، الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي، 115 صاروخاً على المستوطنات المحاذية لقطاع غزة في عملية "كسر الحصار"، التي تأتي ضمن معركة البنيان المرصوص، التي أطلقتها للرد على العدوان.
وذكرت السرايا أن عملية كسر الحصار تضمنت قصف تل أبيب وأسدود وبئر السبع وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة بـ115 صاروخاً من أنواع مختلفة.