يفتقد أهالي قطاع غزة المحاصرون بين وضع اقتصادي بالغ الصعوبة وعدوان إسرائيلي متسارع استهدف بالأساس، إلى جانب البشر، بنيتهم التحتية، أي دور للشركات الوطنية الكبيرة ورجال الأعمال الذين استفادت مشاريعهم من بيئة غزة الاستهلاكية.
وساهم الحصار الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ ثمانية أعوام بزيادة المشكلة الاقتصادية في القطاع الذي يعاني سكانه من نسبة بطالة تجاوزت 40 في المئة، ويعيش نسبة 70 في المئة منه تحت خط الفقر، ويعتمد نحو مليون فلسطيني من سكان غزة على المساعدات الإغاثية.
ولم تشفع هذه المعطيات، إلى جانب العدوان الإسرائيلي، لغزة عند رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال الفلسطينيين والشركات الاستثمارية، الذين كانوا غائبين أصلاً قبل العدوان، لكنهم في العدوان حين تشتد الحاجة إليهم يختفون نهائياً.
أزمة لا مثيل لها
ويقول الخبير الاقتصادي عمر شعبان لـ"العربي الجديد"، إن "غزة تستحق التقدير لا نكران الجميل، وإنها لن تسمح لمن صادر حقوقها بأن يخدعها مرة أخرى".
ويضيف شعبان "الأوضاع الأمنية التي تمر بها الأراضي الفلسطينية غطت على المأساة التي يعيشها قطاع غزة من فقر وإغلاق وحصار، ومن الواضح أن الأزمة الاقتصادية التي يعيشها قطاع غزة هي الأسوأ ولم يسبق لها مثيل منذ الانتفاضة الأولى".
ويشير شعبان إلى أن النشاط الاقتصادي متوقف، الديون متراكمة للوسطاء وتجار الجملة على محال التجزئة، إمكانات المقتدرين على مساعدة الآخرين محدودة بسبب ارتفاع نسب عشرات آلاف العمال الذين تقطعت بهم السبل نتيجة توقف عملهم في السوق الإسرائيلية، وتوقف عجلة الاقتصاد في غزة بسبب الحصار والشلل الذي أصاب قطاع الإنشاءات.
وطالب شعبان بتشكيل صندوق شعبي يبادر إليه الأثرياء وأصحاب رؤوس الأموال والبنوك والشركات المحلية والوطنية، مبيناً أن تلك المؤسسات ربحت كثيرا من عملها في قطاع غزة وآن الأوان كي تعيد نسبة بسيطة من أرباحها للمجتمع كما تفعل الشركات الكبيرة.
ويوضح أن غزة احتضنت السلطة الفلسطينية في أيامها الأولى وضحت بأبنائها وأموالها كي تبني السلطة مؤسساتها ومناصبها، "نضال قطاع غزة الذي كان مصدراً لثراء المئات من الفاسدين والخارجين عن الصف الوطني، هل يجب على غزة أن تنتصر للأنظمة المترهلة والشخصيات الفاسدة والتنظيمات المرتزقة التي تعتاش على دمها منذ عقود؟".
لا دور لرؤوس الأموال
بدوره، يرى أستاذ علم الاقتصاد في الجامعة الإسلامية الدكتور محمد مقداد أن رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال تركوا قطاع غزة منذ زمن بحجة أن الحصار الإسرائيلي جعل إمكانية الاستثمار ضعيفة جداً وغير مجدية، وأن الأوضاع في القطاع طاردة للاستثمار.
ويضيف لـ"العربي الجديد": "لا يوجد في قطاع غزة استثمارات أجنبية، ويعتمد على مشاريع أبنائه بشكل كبير، وعدم استقرار الأمور منذ سبع سنوات دفع بالعديد من المستثمرين البارزين إلى ترك غزة، وفي هذه اللحظات الوضع صعب للغاية على الجميع، وإغلاق المعابر لا يتيح أي هروب جديد".
ويوضح مقداد أن الشركات الكبرى في قطاع غزة تتبع إلى رام الله، وساهم الانقسام في عدم وجود دور مؤثر لها في خدمة أبناء القطاع، لافتاً إلى أن توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية يمكنه إلى حد ما تغيير هذا المبدأ في حال استقرار الأمور، والاتجاه نحو التأثير الايجابي في القطاع.
ويرى أن دور الشركات الكبيرة ضعيف في قطاع غزة رغم تنفيذ بعض المشاريع، وأن القطاع الخاص في غزة ضعيف بفعل دوره المحدود، ومشاركته الخجولة في دفع الضرائب.