21 فبراير 2018
العثماني وتركة بنكيران
نزل زعيم حزب العدالة والتنمية المغربي، عبد الإله بنكيران، من كرسي رئاسة الحكومة، وصعد الرجل الثاني في الحزب نفسه، سعد الدين العثماني، بقرار من الملك محمد السادس، مكانه إلى رئاسة الحكومة، بعد أن أمضى الأول أكثر من خمسة أشهر يبحث عن ائتلاف حكومي مع أحزاب لم تكن تريد أن تسهل مهمته، ما دام النظام الانتخابي المغربي يمنع حصول أي حزب على الأغلبية المطلقة، ويجعل من الحكومات الائتلافية أسلوباً ناعماً لإضعاف الأحزاب الإصلاحية، وإبقاء جل خيوط القرار بيد القصر الذي يحاول أن يجاري ميول الشارع بأقل الأضرار.
يختلف العثماني عن بنكيران في الأسلوب والخطاب وطريقة العمل، ويعتقد كثيرون أنه سيكون أكثر قابلية للتنازل للدولة العميقة من زعيمه بنكيران، لكن العثماني، مع ذلك، سيواجه حقائق يصعب القفز عليها.
أمام رئيس الحكومة الجديد، سعد الدين العثماني، ثلاثة استحقاقات كبيرة ومصيرية، لا يمكن أن يتجاهلها، الأول إرث بنكيران وحجم حضوره في الساحة السياسية، فإذا كان للطبيب النفسي أسلوب خاص وطريقة مغايرة في الإدارة السياسية لإكراهات المرحلة، فهذا لا يعفيه من مهام ملء مقعد كبير، تركه بنكيران وراءه، بكل مزاياه وعيوبه. بنكيران وإن كان سياسياً محافظاً رفض، منذ اليوم الأول، الدخول في صراع مع القصر، ومع ذلك خط لنفسه مساراً مختلفاً في إدارة دفة الحكم، حيث ظل يتحدث بلغة الحقيقة مع الشعب، ولم يقبل حزب الدولة (الأصالة والمعاصرة) الذي تأسس لكي يعيد نشر نفوذ الدولة العميقة في الحقل الحزبي، ولكي يتخذ من محاربة الإسلاميين ذريعة لمحاربة الديمقراطية وزيادة الطلب على الحرية في المجتمع. بنكيران، وإن كان مشاركاً مع النظام في إدارة الحكم، فإنه لم يسلم لهذا النظام بكل خططه. ولهذا، بقي، إلى آخر لحظة، متمسكاً بحقه في تشكيل حكومة ائتلافية، يختار هو مكوناتها عنواناً على تطبيق روح الدستور الجديد، والوفاء لنتائج الاقتراع التي أعطت لحزب العدالة والتنمية الصدارة في الانتخابات. وفي النهاية، قدم بنكيران مصلحة البلد على مصلحة الحزب، ومصلحة الحزب على مصلحته الشخصية، وفضل أن يضحي بمنصب رئيس الحكومة، على أن يسمح لنفسه بخذلان الأصوات التي أعطته ثقتها في اقتراع السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
أمام خليفة بنكيران أيضاً استحقاق تنظيمي وسياسي مهم جداً، والمقصود مؤتمر "العدالة والتنمية" نهاية هذه السنة، وإذا أراد العثماني أن يجمع أمانة الحزب إلى رئاسة الحكومة، فعليه أن يقدم العربون على أنه لا يجري خلف المنصب بأي ثمن، ولا يسعى إلى أن يكون عجينةً طيعةً في يد السلطة، وأنه ملتزم باحترام الخيار الديمقراطي، ومقتضيات الدستور، ونتائج الاقتراع. لقد قوبل تنازله عن الخطوط الحمراء التي وضعها بنكيران باستهجان كبير، حيث رأى المتعاطفون مع الحزب تنازل العثماني على حقه في اختيار حكومة منسجمة، ولا وجود فيها لحزب الاتحاد الاشتراكي الذي كان جزءاً مما سمي البلوكاج (التعطيل) بدايةً لا تبشر بالخير.
أما الاستحقاق الثالث أمام العثماني فهو الحفاظ على وحدة الحزب، بعد الرجّة الكبيرة التي تعرّض لها عقب إطاحة رأس زعيمه عبد الإله بنكيران الذي لن يسدل الستار على مساره السياسي بسهولة، ولن يجلس في بيته ليكتب مذكّراته. بل سيظل حاضراً، مرجعاً سياسياً وأخلاقياً في الحزب وفي الساحة السياسية. الذي تابع أشغال المجلس الوطني للحزب، ورأى حجم التعاطف مع بنكيران، وحجم الدموع التي سالت، ودرجة الخوف على وحدة الحزب، لا بد أن يتوقع من الطبيب النفسي حساباتٍ دقيقة، ومشياً على البيض في دروبٍ معقدة مليئة بالمفاجآت.
كيف سيقتنع الناس بجدوى السياسة، إذا رأوا أمامهم حكومةً لا تحكم، ورئيساً وظيفته ترقيع جلباب حكومةٍ لا لون ولا طعم لها؟ كيف يستطيع رئيس الحكومة غداً أن يقنع المغاربة أن قطار الإصلاحات المتدرجة مازال يواصل المسير، وإن ماجرى في ليلة إقالة بنكيران من القصر ليس إقفالاً لقوس وفتح قوس آخر؟
يختلف العثماني عن بنكيران في الأسلوب والخطاب وطريقة العمل، ويعتقد كثيرون أنه سيكون أكثر قابلية للتنازل للدولة العميقة من زعيمه بنكيران، لكن العثماني، مع ذلك، سيواجه حقائق يصعب القفز عليها.
أمام رئيس الحكومة الجديد، سعد الدين العثماني، ثلاثة استحقاقات كبيرة ومصيرية، لا يمكن أن يتجاهلها، الأول إرث بنكيران وحجم حضوره في الساحة السياسية، فإذا كان للطبيب النفسي أسلوب خاص وطريقة مغايرة في الإدارة السياسية لإكراهات المرحلة، فهذا لا يعفيه من مهام ملء مقعد كبير، تركه بنكيران وراءه، بكل مزاياه وعيوبه. بنكيران وإن كان سياسياً محافظاً رفض، منذ اليوم الأول، الدخول في صراع مع القصر، ومع ذلك خط لنفسه مساراً مختلفاً في إدارة دفة الحكم، حيث ظل يتحدث بلغة الحقيقة مع الشعب، ولم يقبل حزب الدولة (الأصالة والمعاصرة) الذي تأسس لكي يعيد نشر نفوذ الدولة العميقة في الحقل الحزبي، ولكي يتخذ من محاربة الإسلاميين ذريعة لمحاربة الديمقراطية وزيادة الطلب على الحرية في المجتمع. بنكيران، وإن كان مشاركاً مع النظام في إدارة الحكم، فإنه لم يسلم لهذا النظام بكل خططه. ولهذا، بقي، إلى آخر لحظة، متمسكاً بحقه في تشكيل حكومة ائتلافية، يختار هو مكوناتها عنواناً على تطبيق روح الدستور الجديد، والوفاء لنتائج الاقتراع التي أعطت لحزب العدالة والتنمية الصدارة في الانتخابات. وفي النهاية، قدم بنكيران مصلحة البلد على مصلحة الحزب، ومصلحة الحزب على مصلحته الشخصية، وفضل أن يضحي بمنصب رئيس الحكومة، على أن يسمح لنفسه بخذلان الأصوات التي أعطته ثقتها في اقتراع السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
أمام خليفة بنكيران أيضاً استحقاق تنظيمي وسياسي مهم جداً، والمقصود مؤتمر "العدالة والتنمية" نهاية هذه السنة، وإذا أراد العثماني أن يجمع أمانة الحزب إلى رئاسة الحكومة، فعليه أن يقدم العربون على أنه لا يجري خلف المنصب بأي ثمن، ولا يسعى إلى أن يكون عجينةً طيعةً في يد السلطة، وأنه ملتزم باحترام الخيار الديمقراطي، ومقتضيات الدستور، ونتائج الاقتراع. لقد قوبل تنازله عن الخطوط الحمراء التي وضعها بنكيران باستهجان كبير، حيث رأى المتعاطفون مع الحزب تنازل العثماني على حقه في اختيار حكومة منسجمة، ولا وجود فيها لحزب الاتحاد الاشتراكي الذي كان جزءاً مما سمي البلوكاج (التعطيل) بدايةً لا تبشر بالخير.
أما الاستحقاق الثالث أمام العثماني فهو الحفاظ على وحدة الحزب، بعد الرجّة الكبيرة التي تعرّض لها عقب إطاحة رأس زعيمه عبد الإله بنكيران الذي لن يسدل الستار على مساره السياسي بسهولة، ولن يجلس في بيته ليكتب مذكّراته. بل سيظل حاضراً، مرجعاً سياسياً وأخلاقياً في الحزب وفي الساحة السياسية. الذي تابع أشغال المجلس الوطني للحزب، ورأى حجم التعاطف مع بنكيران، وحجم الدموع التي سالت، ودرجة الخوف على وحدة الحزب، لا بد أن يتوقع من الطبيب النفسي حساباتٍ دقيقة، ومشياً على البيض في دروبٍ معقدة مليئة بالمفاجآت.
كيف سيقتنع الناس بجدوى السياسة، إذا رأوا أمامهم حكومةً لا تحكم، ورئيساً وظيفته ترقيع جلباب حكومةٍ لا لون ولا طعم لها؟ كيف يستطيع رئيس الحكومة غداً أن يقنع المغاربة أن قطار الإصلاحات المتدرجة مازال يواصل المسير، وإن ماجرى في ليلة إقالة بنكيران من القصر ليس إقفالاً لقوس وفتح قوس آخر؟