العبادي بين مطرقة إيران وسندان التحالف

25 مارس 2015
+ الخط -
بعد التقارب الذي تحقق بين السعودية والعراق، في اجتماع وزراء الخارجية في جدة، ضمن دول التحالف ضد الإرهاب، واستعداد السعودية لفتح سفارة لها في بغداد، يبدو أن تلك الخطوة لم تعجب ليس فقط داعش التي بادرت بالهجمة الإرهابية في بلدة الدالوة في الإحساء، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني في 2014، بالإضافة إلى العملية الإرهابية التي أدت إلى استشهاد قائد حرس الحدود في المنطقة الشمالية، العميد عودة عوض البلوي، وجنديين من حرس الحدود، نتيجة التسلل إلى مركز سويف الحدودي مع العراق، وكانت إيران وحلفاؤها في العراق أكثر امتعاضا من داعش من عودة تلك العلاقة.

هبت إيران، بكل حرسها الثوري ومستشاريها، لقتال داعش في العراق، ما يجعل السعودية عاجزة عن المشاركة في حربٍ، لا تسمح إيران لها بالمشاركة فيها، لم تكتف إيران بهذا الحد، بل أرغمت رئيس الوزراء، حيدر العبادي الذي أراد أن يصحح المسار، ويخفف من آثار تركة المالكي على العراق التي كانت سياساته الإقصائية سبباً في نشوء داعش، وسيطرته على الموصل، امتدح العبادي، في تصريح له، الجنرال قاسم سليماني بالاسم، في مؤتمر دافوس، فاجأ به الجميع، أوقف هذا التصريح فتحاً وشيكاً للسفارة السعودية ببغداد.

تخلط إيران الحرب على الإرهاب بالحرب على السنة، أي أنها تريد انتصارا طائفيا في العراق على الإرهاب، وعلى التحالف، وهي تهدف إلى تحويل وحدات الحشد الشعبي إلى حرس ثوري في العراق، لحماية أتباعها.

إعادة بناء الإمبراطورية الفارسية تراود الإيرانيين، منذ زمن الشاه، وهي فرصة للإيرانيين أن يحققوا حلمهم في زمن الفوضى، وبعد تقدمهم في حربهم ضد داعش في تكريت، أفصح خمسة من كبار القياديين في طهران، بعد أن صرحوا بأن بغداد أصبحت عاصمة الإمبراطورية الفارسية.

بالطبع، تلعب إيران بأوراق كثيرة، أهمها تصريح الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في إحدى المقابلات، بأن العراق وسورية وليبيا واليمن أصبح تقسيمها أمرا واقعا، وتأييد مصر في بقاء نظام الأسد لمواجهة المواقف التركية السائرة في دعم الإخوان المسلمين في مصر، وفي المنطقة، وهو يخدم المصالح الإيرانية، وإن كانت مصر تعلن أن دعمها الأسد هو من أجل إنهاء الاصطفاف السني الشيعي، وهو عكس ما تراه السعودية.

الجميع يستخدم قميص داعش، وهي فرصة لأن ينجو القتلة تحت شعار محاربة داعش والإرهاب الذي أفرغ من مضمونه، ومن معانيه، ما يسمح بوجود مزيج من القتلة والفاسدين الذين يحكمون منظمة بدر، بزعامة هادي العامري الذي أصبح زعيم الحشد الشعبي، بعد رفض المكونات السياسية في العراق تسليم الزعامة لنوري المالكي.

يرفض هادي العامري نزع سلاح منظمة بدر في البصرة، الخطة التي تتولاها الدولة، لتصبح البصرة نموذجا لبقية المحافظات، لأن ما لدى العشائر في البصرة من الأسلحة يفوق ما لدى الحكومة، وهذا الصراع تغذّيه أطراف محسوبة على الحكومة.

زعيم منظمة بدر محسوب على الحكومة، يرى نفسه أعلى من القانون، ويستفيد من وضع الحشد الحالي، أي أن هذه القوى ليست سلمية، بل وجوها سياسية مسلحة، سيكون لها أثر في التوازن السياسي، كما كان في عهد المالكي، وهو ما يرفضه العبادي.

ارتكبت الولايات المتحدة أخطاء استراتيجية في العالم، وفي المنطقة، تتكرر من فيتنام إلى أفغانستان، والآن، في العراق وسورية واليمن، أي تحولت المنطقة من الفوضى الخلاقة إلى الفوضى الخناقة، حتى أصبح مسرح الشرق الأوسط والخليجي مقاصة بين الولايات المتحدة وإيران.

سيصبح الشرق الأوسط فريسة للتدخل الأميركي العسكري، بحجة مواجهة داعش، خصوصا بعد تأجيل إغلاق قاعدتين أميركيتين في أفغانستان، حتى تتحول المنطقة إلى جحيم مشتعل، بل هناك أصوات في أميركا تحذر أوباما من تجاهل خطر مليشيات طهران، بغرض إبرام صفقة تاريخية.

تصاعدت النبرة الأميركية ضد الحشد الشعبي، بعد أن أوقفت الولايات المتحدة القصف الجوي، بحجة أن العراق لم يطلب منها التدخل بضربات جوية، حتى يضعف التدخل الإيراني، وبدأت أصوات السنة تطالب بعودة الضربات الجوية التي تم الاتفاق عليها، بعد توقف اقتحام تكريت، والتي جاءت على لسان قائد عمليات صلاح الدين، الفريق عبد الوهاب الساعدي، بينما الحشد الشعبي، برئاسة هادي العامري، يعتبر أن من يطلب التدخل الأميركي ضعيف.

تباين بين قادة المليشيات والجيش حول الحاجة إلى إسناد جوي أميركي، خصوصا بعد حرق منازل في صلاح الدين يقيد ضد المندسين في الحشد الشعبي، وفقد 25 شخصا من أبناء بلدة الدور، وإزالة صور صدام حسين فوق قبره، ورفع صورة الجنرال الإيراني، قاسم سليماني، في قرية العوجة جنوب تكريت، أي أن انتهاكات الحشد الشعبي، بولائه المزدوج الذي تأسس بفتوى من السيستاني، لمقاتلة داعش حيرت العراقيين فتساءلوا من العدو؟

توقف عملية تحرير تكريت يثير الإحباط في الموصل والأنبار، لأن سكان المنطقتين كانوا يتوقون لاتمامها ليأتي دورهما، جعل العبادي يعتزم توحيد قيادات الحشد الشعبي تحت إمرته، قاطعا الطريق أمام المالكي المدعوم إيرانيا.

أصبح العبادي بين مطرقة إيران وسندان التحالف الدولي، وبدأ العبادي يبحث عما هو أكبر من التنسيق، بل الإشراف المباشر على المؤسسة العسكرية، ويحتاج إلى ضامن وموازن، يعزز من خطوته تلك، خصوصا بعدما تحول الحشد الشعبي، بقيادة هادي العامري، إيرانيا، وبدأ ينفذ أجندة إيرانية، لا عراقية، واتهامه قائد عمليات صلاح الدين، عبد الوهاب الساعدي، عندما قال إن "بعض الضعفاء في الجيش يقولون نحتاج الأميركيين، أما نحن فنقول لا نحتاج إليهم".

avata
avata
عبد الحفيظ محبوب (السعودية)
عبد الحفيظ محبوب (السعودية)