العالم وتحديات 2015: رمال جيوسياسية متحركة

10 يناير 2015
سيواجه بوتين الغرب على كل الجبهات (فرانس برس)
+ الخط -

يلخّص كاتب الشؤون الخارجية في مجلة "تايم" الأميركية، إيان بريمر، في تقرير أعده لمجموعة "أوراسيا للاستشارات" أبرز الاتجاهات والتحديات الجيوسياسية التي اعتبرها الأكثر احتمالاً للتأثير على المشهد السياسي العالمي في عام 2015. ومع استعراض مخلفات العام المنصرم من أزمات أو بوادر أزمات في مختلف أنحاء العالم، يؤكد بريمر في تقريره أن العالم يطفو على سطح من الرمال الجيوسياسية المتحركة، التي قد تنقلب في أي لحظة، وتحت تأثير متغيرات متداخلة بحيث لا يمكن حصرها أو فصلها عن بعض. على مستوى أوروبا، يقول إيان بريمر إن الاقتصادات الأوروبية ليست سيئة في الوقت الراهن كما كانت في ذروة أزمة منطقة اليورو في عام 2012، ومع ذلك فإن الأوضاع السياسية في القارة تبدو أسوأ من السابق بكثير. ففي الدول الرئيسية مثل بريطانيا وألمانيا، تكتسب الأحزاب السياسية المناهضة للاتحاد الأوروبي شعبية متزايدة، بينما تتراجع قدرة الحكومات على الوفاء بإجراء إصلاحات ضرورية ولكن مؤلمة.

بالتوازي مع ذلك، يتصاعد التوتر بين الدول الأوروبية، إذ تشتكي الصغيرة منها من هيمنة متزايدة لألمانيا القوية "من دون رادع من قبل فرنسا الضعيفة أو بريطانيا الغائبة". ويقول بريمر إن كل هذا يحدث داخل أوروبا بينما تتعمق المخاوف الأمنية الأوروبية "بسبب سياسات روسيا العدوانية، وتصاعد خطر داعش وتزايد احتمالات انتقال هذا الخطر الى داخل المدن الأوروبية".

وفيما يخص روسيا، يرى بريمر أن العقوبات الاقتصادية وتراجع أسعار النفط وإن نجحت الى حد ما في امتصاص غضب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلا أنها لا تكفي لكبح جماح تصرفاته في أوكرانيا. ونتيجة لذلك، فإن الولايات المتحدة ستمضي، خلال العام الجاري، في تشديد العقوبات الأوروبية على موسكو، وفي المقابل، سوف يعمد بوتين إلى إظهار استعداده لمواجهة الغرب على مختلف الأصعدة والجبهات.

أما في ما يخص الولايات المتحدة الأميركية، فيرى بريمر أن شهية إدارة الرئيس، باراك أوباما، لا تزال مفتوحة لمد النفوذ الأميركي في جميع أنحاء العالم، ولهذا السبب سوف تستمر واشنطن في توظيف "سياسة الجزرة والعصا". ويعتبر بريمر أن الولايات المتحدة تستخدم الجزرة للوصول إلى أسواق رأس المال، بينما تلوح بعصا العقوبات وأدوات الدبلوماسية القسرية في دول أخرى. ويضيف الكاتب بريمر أن لهذه السياسة مزايا كبيرة، ولكنها تنطوي على خطر يتمثل في أن هذه الاستراتيجية سوف تضر بالشركات الأميركية الواقعة في مرمى النيران المتبادلة بين واشنطن والدول المستهدفة، وحتى أنها قد تعرض العلاقات الأميركية الأوروبية للخطر.

وبالانتقال الى الشرق الأوسط، يرى الكاتب بريمر أن إصابة تنظيم "داعش" بانتكاسات عسكرية في العراق وسورية لن يحدّ من انتشار تأثيرها الأيديولوجي في جميع أنحاء شمال أفريقيا والشرق الأوسط في عام 2015. ويشير إلى أن "داعش" سوف ينمو عضويّاً من خلال إنشاء وحدات جديدة في اليمن والأردن والسعودية، كما أنه سيلهم المنظمات الجهادية الأخرى مثل "أنصار بيت المقدس" في مصر والإسلاميين في ليبيا للانضمام الى صفوفه أو إعلان الولاء له. ويلفت الكاتب الى أن تمدد نفوذ هذه الجماعات المسلحة، يعني أن الخطر على دول مثل السعودية ودولة الإمارات ومصر وغيرها من دول الإقليم سيزداد وربما يصل الى دول خارج الشرق الأوسط.

كما يرى الكاتب أن التنافس بين إيران والسعودية سيكون المحرك الأساسي للصراع في الشرق الأوسط خلال العام الجاري. ويشدّد على أنه نظراً لعزوف واشنطن والقوى الخارجية الأخرى عن التدخل المباشر في المنطقة، وازدياد تعقيدات الأوضاع الداخلية في هذين البلدين، وارتفاع القلق حول المفاوضات الجارية بين طهران والغرب بشأن برنامج إيران النووي، فإنه يمكن التوقع بأن تلجأ طهران والرياض إلى استخدام وكلاء لتأجيج الاضطرابات في دول الشرق الأوسط خلال عام 2015. 

وعن تركيا، يرجح الكاتب أن يستخدم الرئيس، رجب طيب أردوغان، انخفاض أسعار النفط، والانتصارات الانتخابية التي حققها في عام 2014 لتهميش خصومه السياسيين وإعادة تشكيل النظام السياسي في البلاد لتشديد قبضته على السلطة. غير أن بريمر يستبعد أن ينجح أردوغان في تحقيق أغراضه نظراً لعوامل خارجة عن سيطرته من قبيل عدم الاستقرار قرب الحدود التركية السورية، وتنامي قوة "داعش"، وتدفق المزيد من اللاجئين من سورية والعراق، وما يرافق ذلك من مخاطر ومصاعب أمنية واقتصادية.