لم تكتمل فرحة رب العائلة الغزي خالد أبو سبلة، بالعودة إلى منزله وترك مركز الإيواء الذي لجأ إليه بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إذ نجا وعائلته من آتون آلة القتل الإسرائيلية.
عقب أيام معدودة، من العودة للمنزل بدأت العائلة المكونة من 8 أشخاص تنظيف المنزل، الواقع في منطقة من أشد المناطق تضررا بسب قصف جيش الاحتلال الهستيري لها طوال فترة الحرب. بينما يعمل ولداه أكرم وناجي في تنظيف فناء المنزل، وتسوية الأرض التي امتلأت بالحفر من جراء عمل الجرافات الإسرائيلية، طلب ناجي من شقيقه مساعدته في رفع جسم غريب عثر عليه، يقول أبو سبلة، متابعا، والدموع تملأ وجهه، "لم يكن هذا الجسم يبدو كأنه قذيفة أو جسم متفجر، كان عبارة عن قطعة معدنية مليئة بالصدأ، وبمجرد محاولة أبنائي تحريكه، انفجر، واستشهد ناجي على الفور، وأصيب أكرم بجروح خطيرة، يعاني إثرها من إعاقات حتى اليوم".
خلفت الحروب الثلاثة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة منذ العام 2008 وحتى العام 2014 حوالي 1600 معاق، من بينهم 512 معاقا خلال العدوان الأخير، بعضهم فقدوا أطرافهم، وآخرون أصيبوا بحالة إعاقة متنوعة، وفق بيانات صادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية ومؤسسات حقوقية تعنى بالمعاقين في قطاع غزة.
اقرأ أيضا: إسرائيل تبتز مرضى في غزة: العمالة مقابل العلاج
حياة بلا أطراف
بعد أن فقد الشاب الغزي محمد دهليز "21 عاما"، كلتا قدميه وجزءا من كف يده، بفعل انفجار جسم من مخلفات الاحتلال، في منطقة غربي مدينة رفح، يسعى جاهدا إلى مواصلة حياته التي توقفت لحظة ارتطامه بجسم لم يره، كما يقول لمعد التحقيق، يتابع دهليز، "لم أر شيئا ولم أشاهد أي أجسام، فقط كنت أسير، وفجأة دوى انفجار وشعرت بألم شديد، وحين أفقت وجدت قدمي بترتا".
يؤكد دهليز، أن أطباءه أكدوا له أن جسما متفجرا، هو سبب إعاقته، ويلفت إلى أن الاحتلال يزرع أجساما خطرة في الأماكن التي كان يحتلها، بغية إيقاع الأذى والقتل بالمدنيين، فارتطام القدم بالجسم أو محاولة تحريكه، تصيب الشخص وربما تقتله، وهو ما حدث مع الشاب مصطفى المجايدة "24 عاما"، الذي يقضي رحلة علاج شاقة منذ عام كامل، بعد تركيب أطراف صناعية.
المجايدة سرد قصته قائلاً لمعد التحقيق: "كنت عائداً إلى منزلي القريب من شاطئ البحر غربي مدينة خان يونس، مررت بجانب جسم لم يكن صاروخا ولا حتى قذيفة، توجهت إليه لتفحصه بعيني، حينها سادني شعور بالاطمئنان، وظننته مجرد جسم عادي، ورغبت برفعه من منتصف الشارع، لإتاحة الفرصة لمرور المركبات والأطفال، وما إن لمسته حتى انفجر وبتر قدميّ".
اقرأ أيضا: الاحتلال والإهمال يتآمران على آثار غزة
استهداف المقاومة
تشن دولة الإحتلال حربا متعددة الأوجه ضد فصائل المقاومة في قطاع غزة، أبرز أشكالها الأسلحة المُشرّكة (الخادعة) كما يطلق عليها الغزيون، من قنابل وقذائف أو صواريخ وذخائر غير منفجرة، تحوي مواد يمكن أن تدخل في صناعة المتفجرات، كما يقول قائد ميداني في إحدى فصائل المقاومة في قطاع غزة، متابعا لـ"العربي الجديد": "بعد عدوان 2008/2009، استطعنا اغتنام عشرات الصواريخ التي أطلقها الطيران الإسرائيلي ولم تنفجر، وفككناها وأعدنا استخدام ما تحويه من مواد في تصنيع مواد قتالية، وهذا دفع الاحتلال لتصنيع القذائف المُشرّكة، بهدف الفتك بنا".
وأكد القائد الذي عرف نفسه بـ"أبو أحمد"، أنه في العدوانين الأخيرين، أطلقت الطائرات والدبابات قذائف وصواريخ تسقط على الأرض ولا تنفجر، والهدف أن تصل إلى أيدي المقاومة، لتظن أنها صيد ثمين، وتقوم بتفكيكها والحصول على ما بها من مواد يمكن الاستفادة منها في صنع متفجرات".
يؤكد أبو أحمد أن القنابل الخادعة كانت معدة للانفجار عند تحريكها أو محاولة تفكيكها، بطريقة ذكية، مبينا أن أحد الصواريخ وخلال محاولة تفكيكه انفجر وقتل عددا من الأشخاص، وهو ما دفع فصائل المقاومة إلى التحول في طريقة التعامل مع المقذوفات الإسرائيلية بكافة أشكالها، فأي مقذوف أطلق ولم ينفجر، يتم التخلص منه فوراً، ولا يعتبر غنيمة حرب.
ونوه "أبو أحمد"، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أنه وبالإضافة للأجسام المذكورة، فإن الاحتلال يحاول إيصال بعض أنواع المتفجرات لأيدي المقاومة، من خلال صفقات بيع مشبوهة ينفذها عملاء، بعضها تم اكتشافه والتخلص منه، وفي حالات نادرة انفجرت تلك المقذوفات في مقاومين وتسببت في قتلهم أو إصابتهم.
اقرأ أيضا: "العربي الجديد" تخترق عصابة صهيونية تستهدف الفلسطينيين
مهام خطرة
يكشف الملازم محمد مقداد، من دائرة هندسة المتفجرات في الشرطة الفلسطينية بقطاع غزة، إن تعاملهم مع مخلفات الحروب الناتجة عن قذائف جيش الاحتلال الإسرائيلي جعلهم يرون أشياء لا يمكن تخيلها، قائلا "عالم المتفجرات رغم خطورته المعروفة، إلا أنه في غزة يحمل خطورة مضاعفة عن باقي أنحاء العالم، إذ تتفنن إسرائيل في دس أنواع ذكية من القذائف والمواد المتفجرة للفلسطينيين، في معظمها أجسام مُشرّكة".
يوضح مقداد في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن عدوان صيف 2014، كان الأقسى في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إذ قذف جيش الاحتلال، 25 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة على مدار 51 يوما، بعضها مقذوفات خطيرة، لاسيما قذائف الدبابات وهي الأكثر خطورة.
وتابع مقداد، "في بداية الحرب كنا نحاول تفكيك القذائف والصواريخ، إلى أن حدثت الكارثة، وانفجر صاروخ كبير، فقتل ستة من طاقم هندسة المتفجرات في الشرطة، بينهم ضباط، وهذا جعلنا نتعامل مع الأمر بطريقة مختلفة، فعند العثور على الصواريخ والقذائف نتحفظ عليها في مكانها، في بعض الحالات يتم التخلص منها في نفس المكان بعد اتخاذ التدابير اللازمة، وفي حالات أخرى تحدث عملية نقل بطريقة معينة للجسم إلى محررة (مستوطنة) "عتسمونا"، التي أصبحت تعرف بأنها مقبرة المتفجرات، للتخلص منها".
مقداد أكد أنه وفي غضون أشهر قليلة بعد العدوان، ووسط غياب لمعظم المعدات، والوسائل، نفذت هندسة المتفجرات في غزة أكثر من 3300 مهمة، وتم إتلاف كميات كبيرة من القذائف والألغام والصواريخ الإسرائيلية، عن طريق تفجيرها والتخلص منها، موضحاً أن عملية الإتلاف والتفجير للقذائف تمت على عشر مراحل، بفوارق زمنية متفاوتة، وجميعها نفذت بحذر وفي منطقة نائية.
وبين أن الأكثر خطورة هي المقذوفات التي تلقيها الدبابات المتوغلة في مناطق سكنية، وهي في الغالب لا تأخذ شكل المتفجرات المعروفة، وتحوي مواد شديدة الانفجار مثل "T.N.T"ـ أو مواد أخطر مثل "C4 "، وصواعقها تعمل بالحركة، وهدفها قتل السكان المدنيين، وقد وقعت العديد من الحوادث بسببها، وقتل مدنيين أبرياء وأصيب آخرون، محذراً من أي جسم مشبوه يتم إيجاده، مطالباً المواطنين بعدم تحريكه، والاتصال على الجهات المعنية للتعامل معه.
ووفق قيادة هندسة المتفجرات في غزة، فقد تفنن الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على القطاع، واستخدم عدداً كبيراً من القذائف والصواريخ الموجهة براً وبحراً وجواً، ومن أبرزها قنابل (MK) بأنواعها شديدة الخطورة (82، 83، و84) التي يزن بعضها طناً، إلى جانب القنابل الذكية (GPU) أميركية الصنع، التي تطلق من طائرات أف 16 وأف 15، إضافة إلى قذائف وقود جوي الفراغية من نوع "كاربت"، المحتوية على مواد مسرطنة. كما استخدم الاحتلال سلاح "أفعى المدرعات" وهو عبارة عن براميل متفجرة تشبه الخراطيم، محشوة بمادة (C4 ) شديدة الانفجار، والتي وجد العديد منها لم ينفجر في أنحاء متفرقة من القطاع، ويشكل خطراً كبيراً جداً في حال الاقتراب منه أو المساس به.
اقرأ أيضا: أزمة اليسار العربي2..الجبهات الفلسطينية وقائع موت غير معلن
جرائم حرب
من جانبه قال الحقوقي الفلسطيني الدكتور إبراهيم معمر، رئيس مجلس إدارة الجمعية الوطنية للديمقراطية والقانون في قطاع غزة، والتي تعنى بحقوق الإنسان، إن تعمّد الاحتلال إطلاق أو ترك قذائف وأجسام خطرة، قد تنفجر لاحقاً، إذا ما تم تحريكها أو المشي فوقها، يعتبر جريمة حرب، وعملية قتل مقصودة لمدنيين أبرياء، يحاسب عليها القانون، كما أنها تتناقض مع ما جاء في البروتوكول الخامس الملحق باتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة، ويمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر.
ونصت المادة الخامسة من البروتوكول بأن "يتعهد كل طرف من الأطراف المتعاقدة السامية بتوفير المعلومات لقواعد البيانات ذات الصلة، المنشأة في إطار منظومة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام، ولاسيما المعلومات المتعلقة بمختلف وسائل وتكنولوجيات إزالة المتفجرات من مخلفات الحرب، أو قوائم أسماء الخبراء أو وكالات تقديم الخبرة أو مراكز الاتصال الوطنية، بشأن إزالة المتفجرات من مخلفات الحرب، والقيام على أساس طوعي، بتوفير المعلومات التقنية عن أنواع الذخائر المتفجرة ذات الصلة".
معمر أكد لـ"العربي الجديد"، أن جمعيته والعديد من مؤسسات حقوق الإنسان في قطاع غزة، وثقت جرائم مماثلة، لمدنيين ومزارعين قضوا أو أصيبوا جراء انفجار الأجسام المذكورة، خاصة بعد العدوان الأخير صيف 2014، وهو أمر مستمر، قائلا "إسرائيل تعمدت بعد انسحابها من المناطق الفلسطينية، خلق ما يشبه حقولا من الألغام والمتفجرات، لاستهداف المدنيين".
ويطالب معمر منظمات حقوق الإنسان ولجان الأمم المتحدة المتخصصة بالضغط على دولة الاحتلال، للإبلاغ رسميا عن مخلفات الاحتلال من متفجرات في أعقاب الحروب المتكررة على قطاع غزة، لتفادي وقوع خسائر في صفوف المدنيين، محملاً دولة الاحتلال كامل المسؤولية القانونية المترتبة عن خرق الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة وفق القانون الدولي الإنساني.
عقب أيام معدودة، من العودة للمنزل بدأت العائلة المكونة من 8 أشخاص تنظيف المنزل، الواقع في منطقة من أشد المناطق تضررا بسب قصف جيش الاحتلال الهستيري لها طوال فترة الحرب. بينما يعمل ولداه أكرم وناجي في تنظيف فناء المنزل، وتسوية الأرض التي امتلأت بالحفر من جراء عمل الجرافات الإسرائيلية، طلب ناجي من شقيقه مساعدته في رفع جسم غريب عثر عليه، يقول أبو سبلة، متابعا، والدموع تملأ وجهه، "لم يكن هذا الجسم يبدو كأنه قذيفة أو جسم متفجر، كان عبارة عن قطعة معدنية مليئة بالصدأ، وبمجرد محاولة أبنائي تحريكه، انفجر، واستشهد ناجي على الفور، وأصيب أكرم بجروح خطيرة، يعاني إثرها من إعاقات حتى اليوم".
خلفت الحروب الثلاثة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة منذ العام 2008 وحتى العام 2014 حوالي 1600 معاق، من بينهم 512 معاقا خلال العدوان الأخير، بعضهم فقدوا أطرافهم، وآخرون أصيبوا بحالة إعاقة متنوعة، وفق بيانات صادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية ومؤسسات حقوقية تعنى بالمعاقين في قطاع غزة.
اقرأ أيضا: إسرائيل تبتز مرضى في غزة: العمالة مقابل العلاج
حياة بلا أطراف
بعد أن فقد الشاب الغزي محمد دهليز "21 عاما"، كلتا قدميه وجزءا من كف يده، بفعل انفجار جسم من مخلفات الاحتلال، في منطقة غربي مدينة رفح، يسعى جاهدا إلى مواصلة حياته التي توقفت لحظة ارتطامه بجسم لم يره، كما يقول لمعد التحقيق، يتابع دهليز، "لم أر شيئا ولم أشاهد أي أجسام، فقط كنت أسير، وفجأة دوى انفجار وشعرت بألم شديد، وحين أفقت وجدت قدمي بترتا".
يؤكد دهليز، أن أطباءه أكدوا له أن جسما متفجرا، هو سبب إعاقته، ويلفت إلى أن الاحتلال يزرع أجساما خطرة في الأماكن التي كان يحتلها، بغية إيقاع الأذى والقتل بالمدنيين، فارتطام القدم بالجسم أو محاولة تحريكه، تصيب الشخص وربما تقتله، وهو ما حدث مع الشاب مصطفى المجايدة "24 عاما"، الذي يقضي رحلة علاج شاقة منذ عام كامل، بعد تركيب أطراف صناعية.
المجايدة سرد قصته قائلاً لمعد التحقيق: "كنت عائداً إلى منزلي القريب من شاطئ البحر غربي مدينة خان يونس، مررت بجانب جسم لم يكن صاروخا ولا حتى قذيفة، توجهت إليه لتفحصه بعيني، حينها سادني شعور بالاطمئنان، وظننته مجرد جسم عادي، ورغبت برفعه من منتصف الشارع، لإتاحة الفرصة لمرور المركبات والأطفال، وما إن لمسته حتى انفجر وبتر قدميّ".
اقرأ أيضا: الاحتلال والإهمال يتآمران على آثار غزة
استهداف المقاومة
تشن دولة الإحتلال حربا متعددة الأوجه ضد فصائل المقاومة في قطاع غزة، أبرز أشكالها الأسلحة المُشرّكة (الخادعة) كما يطلق عليها الغزيون، من قنابل وقذائف أو صواريخ وذخائر غير منفجرة، تحوي مواد يمكن أن تدخل في صناعة المتفجرات، كما يقول قائد ميداني في إحدى فصائل المقاومة في قطاع غزة، متابعا لـ"العربي الجديد": "بعد عدوان 2008/2009، استطعنا اغتنام عشرات الصواريخ التي أطلقها الطيران الإسرائيلي ولم تنفجر، وفككناها وأعدنا استخدام ما تحويه من مواد في تصنيع مواد قتالية، وهذا دفع الاحتلال لتصنيع القذائف المُشرّكة، بهدف الفتك بنا".
وأكد القائد الذي عرف نفسه بـ"أبو أحمد"، أنه في العدوانين الأخيرين، أطلقت الطائرات والدبابات قذائف وصواريخ تسقط على الأرض ولا تنفجر، والهدف أن تصل إلى أيدي المقاومة، لتظن أنها صيد ثمين، وتقوم بتفكيكها والحصول على ما بها من مواد يمكن الاستفادة منها في صنع متفجرات".
يؤكد أبو أحمد أن القنابل الخادعة كانت معدة للانفجار عند تحريكها أو محاولة تفكيكها، بطريقة ذكية، مبينا أن أحد الصواريخ وخلال محاولة تفكيكه انفجر وقتل عددا من الأشخاص، وهو ما دفع فصائل المقاومة إلى التحول في طريقة التعامل مع المقذوفات الإسرائيلية بكافة أشكالها، فأي مقذوف أطلق ولم ينفجر، يتم التخلص منه فوراً، ولا يعتبر غنيمة حرب.
ونوه "أبو أحمد"، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أنه وبالإضافة للأجسام المذكورة، فإن الاحتلال يحاول إيصال بعض أنواع المتفجرات لأيدي المقاومة، من خلال صفقات بيع مشبوهة ينفذها عملاء، بعضها تم اكتشافه والتخلص منه، وفي حالات نادرة انفجرت تلك المقذوفات في مقاومين وتسببت في قتلهم أو إصابتهم.
اقرأ أيضا: "العربي الجديد" تخترق عصابة صهيونية تستهدف الفلسطينيين
مهام خطرة
يكشف الملازم محمد مقداد، من دائرة هندسة المتفجرات في الشرطة الفلسطينية بقطاع غزة، إن تعاملهم مع مخلفات الحروب الناتجة عن قذائف جيش الاحتلال الإسرائيلي جعلهم يرون أشياء لا يمكن تخيلها، قائلا "عالم المتفجرات رغم خطورته المعروفة، إلا أنه في غزة يحمل خطورة مضاعفة عن باقي أنحاء العالم، إذ تتفنن إسرائيل في دس أنواع ذكية من القذائف والمواد المتفجرة للفلسطينيين، في معظمها أجسام مُشرّكة".
يوضح مقداد في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن عدوان صيف 2014، كان الأقسى في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إذ قذف جيش الاحتلال، 25 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة على مدار 51 يوما، بعضها مقذوفات خطيرة، لاسيما قذائف الدبابات وهي الأكثر خطورة.
وتابع مقداد، "في بداية الحرب كنا نحاول تفكيك القذائف والصواريخ، إلى أن حدثت الكارثة، وانفجر صاروخ كبير، فقتل ستة من طاقم هندسة المتفجرات في الشرطة، بينهم ضباط، وهذا جعلنا نتعامل مع الأمر بطريقة مختلفة، فعند العثور على الصواريخ والقذائف نتحفظ عليها في مكانها، في بعض الحالات يتم التخلص منها في نفس المكان بعد اتخاذ التدابير اللازمة، وفي حالات أخرى تحدث عملية نقل بطريقة معينة للجسم إلى محررة (مستوطنة) "عتسمونا"، التي أصبحت تعرف بأنها مقبرة المتفجرات، للتخلص منها".
مقداد أكد أنه وفي غضون أشهر قليلة بعد العدوان، ووسط غياب لمعظم المعدات، والوسائل، نفذت هندسة المتفجرات في غزة أكثر من 3300 مهمة، وتم إتلاف كميات كبيرة من القذائف والألغام والصواريخ الإسرائيلية، عن طريق تفجيرها والتخلص منها، موضحاً أن عملية الإتلاف والتفجير للقذائف تمت على عشر مراحل، بفوارق زمنية متفاوتة، وجميعها نفذت بحذر وفي منطقة نائية.
وبين أن الأكثر خطورة هي المقذوفات التي تلقيها الدبابات المتوغلة في مناطق سكنية، وهي في الغالب لا تأخذ شكل المتفجرات المعروفة، وتحوي مواد شديدة الانفجار مثل "T.N.T"ـ أو مواد أخطر مثل "C4 "، وصواعقها تعمل بالحركة، وهدفها قتل السكان المدنيين، وقد وقعت العديد من الحوادث بسببها، وقتل مدنيين أبرياء وأصيب آخرون، محذراً من أي جسم مشبوه يتم إيجاده، مطالباً المواطنين بعدم تحريكه، والاتصال على الجهات المعنية للتعامل معه.
ووفق قيادة هندسة المتفجرات في غزة، فقد تفنن الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على القطاع، واستخدم عدداً كبيراً من القذائف والصواريخ الموجهة براً وبحراً وجواً، ومن أبرزها قنابل (MK) بأنواعها شديدة الخطورة (82، 83، و84) التي يزن بعضها طناً، إلى جانب القنابل الذكية (GPU) أميركية الصنع، التي تطلق من طائرات أف 16 وأف 15، إضافة إلى قذائف وقود جوي الفراغية من نوع "كاربت"، المحتوية على مواد مسرطنة. كما استخدم الاحتلال سلاح "أفعى المدرعات" وهو عبارة عن براميل متفجرة تشبه الخراطيم، محشوة بمادة (C4 ) شديدة الانفجار، والتي وجد العديد منها لم ينفجر في أنحاء متفرقة من القطاع، ويشكل خطراً كبيراً جداً في حال الاقتراب منه أو المساس به.
اقرأ أيضا: أزمة اليسار العربي2..الجبهات الفلسطينية وقائع موت غير معلن
جرائم حرب
من جانبه قال الحقوقي الفلسطيني الدكتور إبراهيم معمر، رئيس مجلس إدارة الجمعية الوطنية للديمقراطية والقانون في قطاع غزة، والتي تعنى بحقوق الإنسان، إن تعمّد الاحتلال إطلاق أو ترك قذائف وأجسام خطرة، قد تنفجر لاحقاً، إذا ما تم تحريكها أو المشي فوقها، يعتبر جريمة حرب، وعملية قتل مقصودة لمدنيين أبرياء، يحاسب عليها القانون، كما أنها تتناقض مع ما جاء في البروتوكول الخامس الملحق باتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة، ويمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر.
ونصت المادة الخامسة من البروتوكول بأن "يتعهد كل طرف من الأطراف المتعاقدة السامية بتوفير المعلومات لقواعد البيانات ذات الصلة، المنشأة في إطار منظومة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام، ولاسيما المعلومات المتعلقة بمختلف وسائل وتكنولوجيات إزالة المتفجرات من مخلفات الحرب، أو قوائم أسماء الخبراء أو وكالات تقديم الخبرة أو مراكز الاتصال الوطنية، بشأن إزالة المتفجرات من مخلفات الحرب، والقيام على أساس طوعي، بتوفير المعلومات التقنية عن أنواع الذخائر المتفجرة ذات الصلة".
معمر أكد لـ"العربي الجديد"، أن جمعيته والعديد من مؤسسات حقوق الإنسان في قطاع غزة، وثقت جرائم مماثلة، لمدنيين ومزارعين قضوا أو أصيبوا جراء انفجار الأجسام المذكورة، خاصة بعد العدوان الأخير صيف 2014، وهو أمر مستمر، قائلا "إسرائيل تعمدت بعد انسحابها من المناطق الفلسطينية، خلق ما يشبه حقولا من الألغام والمتفجرات، لاستهداف المدنيين".
ويطالب معمر منظمات حقوق الإنسان ولجان الأمم المتحدة المتخصصة بالضغط على دولة الاحتلال، للإبلاغ رسميا عن مخلفات الاحتلال من متفجرات في أعقاب الحروب المتكررة على قطاع غزة، لتفادي وقوع خسائر في صفوف المدنيين، محملاً دولة الاحتلال كامل المسؤولية القانونية المترتبة عن خرق الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة وفق القانون الدولي الإنساني.