العائلة الحاكمة... من المؤسسين فالأبناء إلى الأحفاد

24 يناير 2015
طريقة تعيين الأمير مقرن شكّلت سابقة(فايز نور الدين/فرانس برس)
+ الخط -
بعد سقوط الدولة السعودية الأولى، والتي دامت قرابة سبعين عاماً، على يد قائد قوات الحملة المصرية، إبراهيم باشا، قامت الدولة السعودية الثانية في الرياض، بعدما هُدمت الدرعية، عاصمة الدولة الأولى، على أثر الحملة المصرية.

وقامت الدولة الثانية على يد تركي بن عبد الله بن محمد آل سعود، الجدّ الثاني للملك عبد العزيز آل سعود المؤسس، في وسط حروب داخلية مع المناطق والقبائل المتمرّدة لإعادة بسط النفوذ، وتجاذبات وصراع الأخوة وأبناء الأخوة والعمومة على الحكم، انتهت به قتيلاً على يد ابن أخته مشاري بن عبد الرحمن بن حسن بن مشاري آل سعود، فتولى السلطة بعدها ابنه فيصل بن تركي، الجد الأول للملك عبد العزيز، بعدما ثأر لمقتل والده، وقتل ابن خالته.

لم يكن حكم فيصل بن تركي مستتباً. سقط لمرّة واحدة، قبل أن ينهض من جديد. حصل ذلك حين قرر محمد علي باشا، إرسال قوات لمحاربته بقيادة إسماعيل بك، بمساعدة خالد بن سعود الكبير، أخ آخر حكام الدولة السعودية الأولى، عبد الله بن سعود الكبير. قُتل خالد بعدها على يد عبد الله بن ثنيان بن إبراهيم آل سعود، بعدما حكم لنحو عامين، عاد بعدها فيصل بن تركي مجدّداً إلى الحكم حتى وفاته. خلفه في الحكم ابنه عبد الله، الذي دخل، بدوره، في صراع على الحكم مع أخيه سعود، حسمه الأخير وجلس على العرش، فيما هرب أخوه عبد الله.

بعد وفاة سعود، بايع الأهالي أخاه الإمام عبد الرحمن بن فيصل، والد الملك عبد العزيز بن سعود. وفي أوج صراع الأخوة، ومحاولات الثأر من أبناء العمومة، وتنافس الإمارات المحاذية على بسط النفوذ، تنازل عبد الرحمن بن فيصل لأخيه عبد الله، الذي كان قد أزاحه أخوه سعود سابقاً، في محاولة لإنهاء سنوات طويلة من الصراع على الحكم، وتثبيت الأسرة. غير أنّ إمارة بن رشيد في حائل، شمال المملكة، لم تُمهل إمارة بن سعود الثانية طويلًا حتى هاجمتها مرّتين، أسقطت في المرّة الأولى سعود بن فيصل، وفي المرّة الثانية أخاه عبد الرحمن بن فيصل، لتُنهي بذلك عهد الدولة السعودية الثانية، التي عانت كثيراً من الصراعات والتجاذبات فيما بين الأخوة وأحفادهم في معركة حريملاء.

ثلاثة محفزات لديمومة الصراع

ظلّت المعاناة من الصراعات التي وقعت أثناء الدولة السعودية الثانية، هاجساً يطارد الأسرة الملكية السعودية حتى الوقت الحاضر. بعدما يقارب السبعين عاماً على نشأة الدولة السعودية الحالية، بقيت محفزات الصراع مستمرة، وهي تقع في ثلاثة: الأولى ترتبط بالخط الأفقي في الخلافة على العرش، بسبب طول أمده بين الأخوة، وهو يستنفد من أعمار الآخرين الذين يطمحون للحكم، مما يجعلهم يتوجسون من استفراد الأكبر بالقوة والنفوذ، التي تساهم بدورها في أن يؤول العرش من بعده إلى ابنه. والمسألة الثانية ترتبط بالخط الرأسي، الذي لم يُحسم حتى هذا الوقت. وتبدو معه الحكاية الملكية في السعودية صراعا بين الأخوة في الخط الأفقي، في محاولة كل منهم للبحث عن فرصة لحسم الخط الرأسي في ما بعده لابنه. وإن نجح بعضهم فيها قديماً وانتصروا على آخرين، فإن الابن الذي يؤول إليه العرش قد يفشل لاحقاً أمام أخيه. يحدث هذا في ظل فقدان محددات الخط الرأسي تحت الحكم الملكي المطلق، وهذا هو العامل الثالث والرئيسي الذي يحفّز على ديمومة الصراع ويبقيه من دون ضوابط.

صراع الأحفاد

لم يحصل في تاريخ السعودية الثالثة أن تشكّلت أجنحة متنافسة على السلطة بشكل واضح سوى مرّتين؛ الأولى كانت أثناء الصراع بين سعود وفيصل قبل خمسة عقود، والتي انتهت بإزاحة سعود عن العرش. وجاء على ذكر الكثير من تفاصيلها، الكاتب والمؤلف الروسي المعروف فاسيلييف، في كتابه "تاريخ العربية السعودية". والثانية، تظهر علاماتها في الوقت الراهن، وتبدو شبه واضحة ما بين الأحفاد: متعب بن عبد الله ومحمد بن نايف، وذلك جراء استنفاد الخط الأفقي الكثير من أبناء الملك عبد العزيز. وفي الوقت الذي كان يتصارع فيه الأخوان سعود وفيصل على السلطة إبّان الدولة الثانية، ويجتذب كل منهما المزيد من الأخوة، فإنه في العهد الحالي من الحكم، توفي الكثير من الأخوة، الذين قد عزّزوا لأبنائهم تبوّؤ مواقعهم بعدهم، فيما لم يحصل آخرون عليها، لينقسم المشهد السياسي بين أبناء الأبناء في موازاة العمومة.

ثلاثة مراكز للقوة

هكذا، تبدو الخارطة السياسية السعودية في الوقت الحالي واضحة المعالم، وذلك أنّ أهم الوزارات السيادية، وخصوصاً العسكرية منها، والتي لطالما كانت مفتاحاً رئيسياً ومهماً في الوصول إلى العرش، تتوزّع في ثلاثة مراكز: الأولى وزارة الداخلية، والتي أشبه ما تكون بالدولة داخل الدولة. تهيمن على جميع إمارات المناطق الثلاث عشرة، بحيث تعود هذه الإمارات إلى الوزارة لتخليص شؤونها الإدارية، بالإضافة إلى شؤون الأحوال الداخلية. وتتبع لها القوات المسلحة للأمن العام وقوات الأمن الخاصة والطوارئ الخاصة وقوات المجاهدين وأمن المنشآت وحرس الحدود. الثانية هي وزارة الدفاع، والتي تتبع لها القوات المسلحة السعودية بكافة قطاعاتها الجوية والبرية والبحرية. أما الثالثة فهي وزارة الحرس الوطني، التي تشكلَت بناء على القبائل التي شاركت مع الملك عبد العزيز في حروب التأسيس، تطورت في ما بعد لتصبح وزارة عسكرية مهمة تأتي في تعريفها على أنها بمساندة كل من القطاعين السابقين.

الأمير نايف وابنه محمد

وعمل الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد السابق، من خلال توليه وزارة الداخلية، في أطول فترة من تاريخ هذه الوزارة، ما بين عامي 1975 وحتى وفاته العام 2012، على إعادة تشكيل وهيكلة الوزارة إلى أن أصبحت تُدين بالولاء التام للأمير شخصياً، بشكل استحال معه تعيين الأمير أحمد بن عبد العزيز آل سعود، الذي كان نائباً لنايف، على رأس الوزارة، بما أنّ النفوذ والقوة وكامل السيطرة كانت بيد الأمير نايف، التي نقلها بدوره، في أواخر سنواته، إلى ابنه الأمير محمد. الأمر الذي سهل على الابن والأمير الصاعد الجديد إزاحة عمه، بعد خمسة أشهر فقط من تعيينه.

اشتهرت وزارة الداخلية، طيلة عهد الأمير نايف، بدعم التيار المحافظ. وهو ما عبّر عنه الأمير بشكل واضح، كتصريحه الشهير بخصوص أنّ المواطن السعودي لا يمكن أن يقبل بعمل أخته المرأة في أوساط الرجال، بالإضافة إلى دفاعه المتواصل عن جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، "الباقية طالما الدولة موجودة" على حد تعبيره، ومهاجمته الوسائل الإعلامية المحلية التي تنتقد أداء الجهاز، وكل دعوات الإصلاح والدمقرطة، كتصريحه حول أفضلية التعيين على الانتخاب.

كان من شأن هذا الخط السياسي الذي اتبعه، أن يبني رواية عن الأمير ووزارته، تتحدث عنه كاسم يحافظ على أركان الدولة التي تعرف من نفسها كدولة المسلمين، التي تحكم "بالكتاب والسنة"، لدرجة أنه أشتهر بلقب أمير السنَة.

وتبقى علامة فارقة من حكم الأمير نايف هي نجاحه في مواجهة العمليات المسلحة لتنظيم "القاعدة" داخل المملكة. ونشأ في عهده "مركز المناصحة"، كجهاز يعمل على مواجهة دعاية السلفية الجهادية، وإعطاء الفرصة لـ "المغرّر بهم"، كما درجت تسميتهم. وعزّزت هذه الإنجازات من حضور نايف في الشأن العام كرجل قوي يحافظ على الأمن والاستقرار، وأهّلته كي يصبح من بين أقرانه الأكبر عمراً منه، نائباً ثانيا ووليا للعهد.

وعلى النهج نفسه سار ابنه محمد، كما يظهر ذلك في تصريحاته بعد شهر من تعيينه على الوزارة، بأن "المملكة اتخذت السنة النبوية مقرونة بكتاب الله منهجاً وأساساً لشؤون الحياة والحكم". كما أشرف بشكل مباشر على ملف التنظيمات الإرهابية.

تعبيد طريق متعب إلى العرش

أثار تعيين الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود وليا لولي العهد ثم انتقاله التلقائي إلى منصب ولي العهد، انتباه المراقب السعودي لعدّة أسباب. أولاً، إنّ الأمير، الذي يأخذ موقعه في الخط الملكي نحو العرش، لم يأت من خلال نافذة القوة الأمنية والعسكرية كما درج الأمر. والأمر الثاني يتعلق بطريقة تعيينه، التي شكّلت سابقة في التاريخ السياسي السعودي؛ فقد عُيّن ولياً لولي العهد بمرسوم ملكي "محصن"، في إشارة إلى عدم إمكانية إزاحته مستقبلًا.

الأمر الثاني الذي أثار الاستغراب كان تحويل رئاسة الحرس الوطني إلى وزارة وعلى رأسها ابن الملك، الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، مما يجعله في موازاة وزيري الداخلية والدفاع. وهكذا اتضحت الرواية أكثر: إن الديوان الملكي يعمل على إعادة رسم خطوط التنافس نحو الحكم والسلطة بشكل مختلف ومغاير.

شكّلت وسائل التواصل الاجتماعي مساحة افتراضية عكست الصراع الحالي للأحفاد، لعلّ أبرز ما فيها الهجوم على رئيس الديوان الملكي السابق، خالد التويجري، الذي بات أكثر علانيةً وحديّة من قبل الأحفاد. إلى حدّ أن الأمير خالد بن طلال بن عبد العزيز آل سعود، وصفه بالمرشد الأعلى. فيما كتب الأمير سعود بن سيف النصر بن سعود بن عبد العزيز آل سعود، بيانًا اتهم فيه التويجي إياه بالفساد، وأنه "يحول أجهزة الدولة لخدمة أهدافه الشخصية وتوجهاته".

ويفسر المراقبون الأمرين الملكيين اللذين تم بهما تعيين الأمير مقرن بن عبد العزيز، ولياً لولي العهد قبل فترة، وترقية الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز، وزيراً للحرس الوطني، على الشكل التالي: هم يرون أنّ دخول الأمير مقرن، من دون رصيدٍ مؤهل للعرش، بهذه الطريقة، جاء بناء على عامل وحيد، وهو في كونه من الخط الأفقي فقط، ويمكن كسب دعمه، من خلال هذا التعيين، للأمير متعب، الذي يحصل بدوره على رصيدٍ سياسي. هكذا يحصل الأخير على قوةٍ مكافئة في الخط الرأسي بين أقرانه، تضمن ترشحه لمنصب النائب الثاني، وهو الطريق نحو العرش، ليفتح بذلك أفقا من خلال أعمامه.

طموح الأمير محمد بن سلمان

يأتي ذلك في الوقت الذي لا يبدو فيه الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، في أفضل ظروفه الصحية. فقد غادر المملكة ثلاث مرات، اثنتان منها على التوالي أخيرًا، في إجازة خاصة للعلاج، فضلاً عن أنّ عمره لا يسعفه.

في هذه الحال، تشتد الأبصار نحو ابن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وطموحه في وزارة الدفاع التي تولاها بدءاً من يوم أمس. يقول الباحث سيمون هندرسون، في معهد "واشنطن لسياسة الشرق الأدنى": "في الواقع أتى الأمير محمد بن سلمان، على حين غرّة، إذا جاز التعبير. كما أنه ليس واحداً من (مسؤولي) وزارة الدفاع رسميّاً، غير أنّه يستخدم دوره كحارس لوالده من أجل السيطرة على صناعة القرار في جيش المملكة وقواتها الجوية والبحرية، وإحباط ما أصبح الآن قائمة طويلة من نواب وزراء الدفاع السابقين". تبدو هكذا الفرص أمام الأمير الطموح محمد بن سلمان، كبيرة، وتبقى محدودة بسقف والده، وهو الذي لا يحوز على أدوار شخصية مهمة مع صغر سنَه في مقابل أقرانه.

إن سفر الأميرين محمد بن نايف، ومتعب بن عبد الله، المتكرر خلال الأوقات الماضية، إلى الولايات المتحدة، ولقاءهما الإدارة الأميركية والرئيس باراك أوباما، من شأنه أن يثير العديد من التساؤلات، وخصوصاً أن هذه الزيارات سابقة في التاريخ السياسي السعودي.
المساهمون