العائدون بسبب السكّر لا الدم

05 نوفمبر 2016
+ الخط -
تاريخياً، يسخر المصريون ممن يرفض ما يحتاج إليه، يقولون "أقرع ونزهي"، فلماذا تمتلئ ساحة المعارضة المصرية بكل هذا الكم من النُزهاء؟ لا يكاد يمر شهر من دون معركة افتراضية، بسبب تحول أحد الأشخاص من تأييد النظام إلى معارضته، تأثراً بالأوضاع الاقتصادية. يصيح الغاضبون بوجوه العائدين: لا نريدكم، اخرجوا من صفنا، لم تفيقوا بسبب الدماء، والآن تفيقون بسبب السكّر والأرز؟ قد يحاول بعضهم طرح رؤية أهدأ، فيؤكد استعداده لقبول العائد لو اعتذر علناً، بينما قد يحاول آخر إضفاء صيغةٍ أكثر عقلانية، فيقول إن هذا العائد سيهرب لحظة المواجهة مع أول كيس سكّر تلوح به السلطة له.
الحقيقة أن كل هذه العبارات تنتمي إلى عالم عاطفي لا سياسي، عالم ما وصفته سابقاً بـ "التطهرية السياسية" التي تتعامل بالعواطف والشعارات، لا الواقع والسياسات.
قد يمكن تفهم هذه الانتقائية، لو كانت المعارضة، بمختلف أطيافها، تملك بالفعل ما يكفي من القواعد، تملك ملايين الأشخاص للمشاركة في المظاهرات أو الانتخابات، وحيث أن الوضع ليس كذلك، فإن كل شخص إضافي هو هتاف محتمل في مظاهرة، أو صوت محتمل في صندوق. هل لدى الرافضين بالفعل ما يكفي من المتظاهرين أو الناخبين؟
تزايد "التطهرية السياسية"، بطبيعتها، على نفسها. لذلك، ينتهي الأمر بطرد كل العائدين باستثناء نموذج الثائر الحق، حسب التيار السياسي، لدى "الإخوان المسلمين" مواصفات تبدأ بالاعتراف بذكر كلمة "انقلاب" السحرية، أولاً وقبل كل شيء، ثم ذكر كلمات (شرعية - مرسي - رابعة). على الجانب الآخر، يشترط الراديكاليون الثوريون تاريخاً ناصعاً من المواقف الحادة ضد "الإخوان" والعسكر، أو اعتذاراً ذليلاً.
لكن، في الواقع، متى كانت الدوافع الفكرية والأخلاقية للمواطن تمثل فارقاً في أثره السياسي؟ لا أحد سيقف على باب الميدان، حاملاً جهاز كشف منسوب الثورية، ولا أحد سيلغي الأصوات التي أدلى بها ناخبون، ليسوا بالقدر الكافي من الثورية.
على المعارضة أن تميز بين فئات المواطنين من حيث المسؤولية السياسية، وما تريده منهم كفاعلين سياسيين، واختلاف السياقات السياسية.
أولاً، لا يمكن، بأي حال، المساواة بين مسؤول ومواطن عادي، ومن الغريب أن يُطالب من لم تتحمل قياداتهم مسؤوليتها السياسية عوام المواطنين بأن يفعلوا ذلك.
ثانياً، يجب التمييز بين مواصفات المواطن الذي سيشكل قاعدة شعبية عامة، ذرات بحر المظاهرات أو الأصوات التي لا تُرى، والمواطن الذي سيكون عضواً فاعلاً في التنظيم السياسي. في الحالة الأولى، لا منطق للانتقائية، بينما في الثانية تصبح واجبة.
حالياً أداة المعارضة الرئيسية هي توجيه النداء الشعبي العام إلى الدعوة للمشاركة بالمظاهرات أو الانتخابات. بأي منطقٍ يمكن أن يظن أحد أن استخدام خطاب سياسي معادٍ للناس يمكن أن يؤدي إلى أي نتيجة إيجابية؟ لا أحد سيستجيب لمن يُظهر الشماتة فيه، أو يسبه، أو يعايره. هذا الأسلوب يُسبب العِناد والتمترس خلف المواقف السابقة. هل من يستخدم هذا الأسلوب واعٍ أصلاً إلى أن كلامه "خطاب سياسي"؟ ولنتذكّر أن ملايين كاسحة من المصريين اتخذت بالفعل مواقف نراها خاطئة، بأي منطقٍ يقرّر فصيل سياسياً استبعاد الملايين جذرياً؟
ثالثاً، السياق السياسي الحالي هو لحظة تشكيل جبهة رفض، لا جبهة حكم، لحظة الضغط لتغيير الوضع القائم والعودة إلى فتح المجال السياسي. وهذا لن يتم من دون أوسع جبهة نخبوية وشعبية ممكنة. أما بعد فتح المجال، سننتقل إلى لحظة البناء، وهي بطبيعتها انتقائية وخلافية. لا يهم أن تكون جبهة الرفض متجانسة، بل يكفي أن يكون هدفها الأساسي متجانساً. ولا يعني هذا، بالضرورة، التعاون بين أطرافها. ولكن، يكفي أن يُركز كلٌ في مساره فقط إلى حين. هذا ما حدث بالفعل في ثورة يناير، والتي اتسع ميدانها ليشمل الجميع، ممن صاروا بعدها ألد الأعداء.
أياً كانت أسباب العائدين، فأي حسابٍ للمكاسب والخسائر السياسية لن يؤدي أبداً إلى طردهم.