الطيران بين جيلين

06 مارس 2015
أقف على درابزين الشرفة (Getty)
+ الخط -
أجلس على بلاط الشرفة البارد في بيت جدّي. متى جلست على هذا البلاط آخر مرّة؟ تبدو المرّة الأخيرة كأنّها حصلت في زمنٍ آخر بعيد. أقف على درابزين الشرفة. يقف عمي ورائي، يمسكني من بطني، ويغني لي. أضحك، وأحاول الإفلات من يديه. أكره يدي عمي. أتغامز أنا وأقربائي في ما بعد، ونخطط. سننتظر أن ينام عمي ونقطع يديه. هكذا لن يمسكنا على الدرابزين وسنطير.

أجلس الآن على البلاط. لا يدان تمسكان بطني، ولا أقترب من الدرابزين. لا أطير. متى أدركت حقاً أنني لا أطير؟

كنت أغافل يدي عمي أحياناً. أتسلق الدرابزين، وأفلت يدي. تمر بضع دقائق، وتحضر جدتي خائفة. تؤنبني، وتطلب مني النزول. أضحك وأفكر، "لمَ تخاف جدتي؟" أتذكّر الخوفَ مضحكاً. لا يضحكني الخوف الآن، وأجدني أتبادل الأدوار مع جدتي من دون اتفاق مسبق.

أراقب الأطفال وأسبقهم إلى الشرفة. أُنزلهم عن الدرابزين واحداً واحداً. يجدونني خائفة عليهم، ويضحكون. الأطفال جميعهم يضحكون على الخوف. تصلني همساتهم وأسمع أصغرهم يقول: "يا رب يموتوا إيديها، حتى نطير نحنا". الأطفال جميعهم يكرهون الأيدي، ولا يؤمنون بموت واحد. يشرح لي قريبي أنّ اليدين تموتان أولاً، وتليها باقي الأعضاء. يؤكد ابن الرابعة أنّ العينين لا تموتان أبداً، وأوافقه الرأي.

جدتي تضحك عليّ الآن، كلما رأتني أمنع الأطفال عن الطيران. تقول "تركيهن". هل تثق جدتي الآن بقدرة الأطفال على الطيران؟ لا أظن ذلك. أعتقد أنّها فقط جدّدت علاقتها القديمة مع الخوف. في الطفولة، نضحك على الخوف، وفي عمر جدتي نصبح أكبر من الخوف نفسه، ونضحك عليه أيضاً. وما بين الطفولة وعمر جدتي، نتآخى وإياه حتى نصبح واحداً.

لا أعرف لمَ أتذكر الآن الممثل الأميركي روبين وليامز تحديداً؟ لم أتفاجأ عندما سمعت خبر انتحار وليامز. تخيلته يقصد مكاناً شاهقاً، يرمي نفسه، ويبتسم. يعبّ الهواء كله، ويحضن الكون للمرة الأخيرة وهو في طريقه نزولاً. يعود طفلاً ويطير. تفاجأت عندما علمت أنّه شنق نفسه بحزام. كيف لم يفكر صاحب شعار Carpe diem بالطيران حقاً؟

اقرأ أيضاً: جدتي أقوى من "سوبرمان"
دلالات
المساهمون