الطيران السوري.. حين تخلو الساحة للفساد

28 مارس 2016
ارتفاع وتيرة عمل الطيران السوري (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -
ضربت العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية "مؤسسة الطيران العربية السورية" بشدة، وقد أدى ذلك إلى تراجع عدد الطائرات المخصصة لنقل الركاب في ظل تعذر استيراد قطع التبديل وفقدان القدرة على الصيانة، يضاف ذلك إلى سلسلة أزمات تعصف بالشركة والعاملين بها، منذ زمن بعيد، جعلت منها شركة خاسرة خلال العقدين الماضيين. لكن المفاجأة، أن هذه المؤسسة تحولت إلى شركة رابحة في السنوات الماضية، على الرغم من الانهيار الاقتصادي والعقوبات الغربية المفروضة عليها.
تعود العقوبات الاقتصادية على "مؤسسة الطيران العربية السورية" إلى العام 2004 عندما فرضت الإدارة الأميركية عقوبات شملت حظراً شاملاً على بيع الطائرات وقطع التبديل التي تنتجها المصانع الأميركية أو تساهم في تكوينها بنسبة تزيد عن 10%. ويستخدم مسؤولو المؤسسة العقوبات الاقتصادية لتبرير تراجع الأداء وتحولها إلى شركة خاسرة. لكن الباحث الاقتصادي، منذر الناجي، يقول لـ"العربي الجديد": "تعود خسائر الشركة إلى ما قبل فرض العقوبات بسبب وجود الفساد المتفشي في المؤسسة من جهة، وارتفاع عدد الشركات الخاصة المنافسة".

تحديات كثيرة

مع اندلاع الثورة، تم فرض عقوبات اقتصادية غربية جديدة، وتدهور الوضع الاقتصادي بشكل خطير وهو ما أضاف سلسلة تحديات واجهت الشركة والعاملين فيها. تشير "مؤسسة الطيران العربية السورية" إلى أن أسطول المؤسسة يقتصر حالياً على 7 طائرات. لكن الخبير في مجال الطيران المدني، محسن الكرك، يعتقد أن "عدد الطائرات العاملة حالياً لا يتجاوز 5 طائرات، ويبدو ذلك واضحاً من الصعوبة البالغة التي تواجه السوريين في قطع التذاكر. كما أن تصريحات رسمية أكدت، في أكثر من مناسبة، وجود طائرة واحدة للنقل الداخلي". يؤكد ذلك أبو شادي (40 عاماً) والذي انتظر "شهراً كاملاً للحصول على مقعد في الطائرة المتوجهة إلى مدينة القامشلي من العاصمة دمشق"، ويضيف أبو شادي: "لم تكن مكاتب المؤسسة السورية للطيران على هذا القدر من الازدحام في أي يوم".
مع توقيف الشركات الأجنبية لرحلاتها من وإلى سورية، خلت الساحة لبعض الشركات الخاصة، ومنها "أجنحة الشام" التي يشير أكثر من تقرير إلى أنها تعود إلى رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد، ولمؤسسة الطيران السورية التي رفعت من أسعار التذاكر في ظل الطلب الكبير من السوريين لمغادرة البلاد، وتقلصت وجهاتها من أربعين دولة في العام 2011 إلى نحو عشر دول فقط. وفي العام 2015 سجلت الشركة أرباحاً تقدر بنحو 1.6 مليار ليرة سورية في حين كان هذا المبلغ يظهر في جدول الخسائر في العام 2011. هكذا تحولت الشركة من خاسرة إلى رابحة على الرغم من كل الصعوبات المتزايدة التي باتت تواجهها.
إلى ذلك، يقول الناجي "إن الفساد داخل مكاتب الشركة تفاقم في ظل الأوضاع الحالية، ولم يطرأ أي تغيير على عقلية وأسلوب الإدارة، ما يعني أن الشركة ستتكبد الخسائر بعد عودة المنافسة، وبكلمات أخرى، فإن استمرار الحرب في سورية هو ما يكفل بقاء مؤسسة الطيران العربية السورية كمؤسسة رابحة".
ومن أبرز حوادث الفساد التي ظهرت إلى العلن، كانت في العام 2010، وذلك عندما اشترت "مؤسسة الطيران العربية السورية" طائرتين لتدعيم أسطولها. "تعطل محرك إحدى الطائرتين بعد فترة قصيرة من شرائها، وبدلاً من صيانتها وإعادتها للعمل، تم استخدامها كقطع تبديل للطائرة الثانية" يقول الكرك. ويضيف: "فضلاً عن أن ذلك يوضح الفساد المزمن الذي يتحكم بعمل المؤسسة، والعقلية غير الاحترافية للإدارة، وفقدانها أدنى درجات المسؤولية".
تحول المؤسسة إلى شركة رابحة في السنوات الماضية، لم يعد بالفوائد على العاملين فيها، إذ بقيت أجورهم المتواضعة على حالها في ظل ارتفاع كبير ومتواصل في الأسعار. ومع تقديم العديد من العاملين استقالاتهم من أجل البحث عن عمل خارج البلاد، قررت إدارة المؤسسة رفض الموافقة على طلبات الاستقالة، بل حتى عدم الموافقة على الإجازات.
يقول الكرك: "إن رواتب الموظفين في الشركة متدنية جداً، إذ يتراوح راتب الطيار بين 20 ألف ليرة و40 ألف ليرة (50-100 دولار). ويحصل الطيار على حوافز إضافية، لكنه يتقاعد وفقاً لراتبه الأساسي. في ظل منع الاستقالات والإجازات، لم يبق للعاملين، وللطيارين سوى الهرب من المؤسسة.
يذكر أنه تسرب نحو 30% من الطيارين العاملين في مؤسسة الطيران في 2015. وعلى الرغم من أن عدد الطيارين هو 130 طياراً فقط، لم تتمكن المؤسسة الغارقة في الفساد والبيروقراطية من رفع أجور الطيارين للمحافظة عليهم


اقرأ أيضاً:طيران خاص يسيطر على الجو السوري
المساهمون