وبتجدد هذه الاشتباكات تكون هذه "الحرب" هي الرابعة من نوعها في أقل من عام بين الأكراد ومليشيات الحشد، وسط تراشق بالاتهامات بخصوص المتسبب في اندلاع الاشتباكات.
ووفقا للائحة الاتهام الكردية لمليشيا الحشد، فإن الأخيرة تقوم بعمليات تطهير طائفية للسنة، سواء كانوا أكرادا أم عربا أم تركمانا، وتعمل على طردهم من محالهم التجارية أو منازلهم في بعض الأحيان، كما تقيم حواجز تفتيش داخل عدد من أحياء المدينة، وتتعامل بطريقة مهينة وعنصرية مع سكان المدينة من طوائف مختلفة.
في المقابل، تتهم مليشيات الحشد، ومن خلفها أحزاب شيعية في بغداد، أبرزها حزب "الدعوة" بزعامة نوري المالكي، و"منظمة بدر"، المجلس الأعلى للقوات الكردية، ومن خلفه حكومة إقليم كردستان، بسعيه لضم المدينة إلى إقليم كردستان وتطهيره من باقي المكونات.
ويسجل في ملف المدينة غياب تام لدور الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، وسط صراع لا يقع ضحيته سوى المدنيين الذين عاشوا قرونا طويلة في المدينة بسلام، وباتت بينهم مصاهرة ورحم وعلاقات قوية.
يقول الحاج محمد أوغلو، عمره 53 عاما، وهو أحد سكان المدينة من القومية التركمانية، لـ"العربي الجديد"، إنه "في الوقت الذي كان فيه الطرفان يتراشقان قذائف الهاون، كنا نحضّر مراسم عقد قران ابن أخي على فتاة عربية"، مضيفا: "البعض يلمزنا بالقول إننا لسنا عراقيين، وإن جذورنا في هذه الأرض ضعيفة، بمزاعم أننا جئنا للعراق مع السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، لكن على العكس نحن ملح الأرض، ولدينا ما يؤكد أننا كنا هنا قبل الخلافة العثمانية، ويجب أن يراجع الآخرون التاريخ قبل سايكس بيكو، فقد كانت المنطقة أرضا واحدة ووطنا واحدا".
وتمثل مدينة الطوز، أو طوزخورماتو، وتعني باللغة الآشورية "ملح وتمر"، واحدة من المناطق السكانية المشتركة في العراق. وأُطلق عليها سابقاً اسم "سلة الفاكهة"، لضمّها قوميات كردية وتركمانية وعربية، بالإضافة إلى مسلمين سنة وشيعة ومسيحيين. وتشتهر بالتعايش الذي ساد لقرون طويلة من عمر المدينة،
وعقب الاحتلال الأميركي (2003)، وبفعل نظام المحاصصة الطائفية السياسية، والتي وضعها الأميركيون في البلاد، شُمِلَت المدينة والقرى التابعة لها، والتي تضمّ نحو 300 ألف نسمة تقريباً، في إطار المادة 140 من الدستور العراقي، وتقرّر تنظيم استفتاء شعبي فيها، كما حال كركوك وخانقين وسنجار، ما جعلها عرضة لحملات التغيير الديمغرافي القسرية والتحشيد الديني والسياسي والقومي، وادّعاء كل طائفة أحقيّتها التاريخية بالمدينة
وتضم المدينة نحو 20 حيا سكنيا، فضلا عن أربع بلدات تابعة لها، وتتميز كل بلدة من البلدات بزراعة نوع معين من الفواكه أو الخضار، ومنحها التعدد الديني والعرقي تنوعا في العادات والثقافات، وعرفت بأنها أكثر مدن العراق أعيادا ومناسبات بسبب مشاركة الطوائف لمناسبات الطوائف الأخرى الدينية أو الاجتماعية، إلا أن ذلك يكاد يكون مختفيا حاليا مع سنوات الاحتلال الأميركي وما جلبه من طائفية وتناحر حول المدينة، ما حوّلها إلى أشبه بكانتونات مغلقة، وفقا للدكتور سلام سعدي، الذي تحدث لـ"العربي الجديد" عبر الهاتف من المدينة.
وأسفرت المعارك عن مقتل وإصابة نحو 30 من القوات الكردية والمليشيات والمدنيين، بفعل سقوط قذائف الهاون.
ولم يدخل "داعش" المدينة كما باقي المدن التي أثيرت فيها المشاكل عقب احتلالها من قبل التنظيم ثم تحريرها.
وأرسلت حكومة أربيل تعزيزات عسكرية إلى المدينة، من بينها فوج مدرع، فيما أعلنت مليشيا العصائب وبدر عن إرسال قوات من بغداد إلى المدينة، لتعزيز قوة عناصرها هناك، فيما تقف حكومة العبادي متفرجة، إلا من دعوات التهدئة وضبط النفس بشكل أثار انتقادات واسعة لتلك الدعوات التي تعاملت مع الموضوع كأنه مشكلة في دولة مجاورة للعراق.
وحول ذلك يقول مختار في مدينة طوزخورماتو، ويدعى عبد الله عبد العزيز، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "المليشيات الطائفية هي من تختلق المشاكل، لذا تجد أغلب الناس يقفون اليوم مع البشمركة، مع خلو المدينة من طرف ثالث كالجيش أو الشرطة"، مضيفا أن البشمركة أكثر انضباطا وتتعامل وفق القانون، لكن المليشيات بدأت توزع الطائفية والحقد، وتتعامل بشكل لا يختلف عن تصرفاتها في مناطق أخرى من العراق، واصفا الحشد بأنه "الوجه الثاني لداعش".
وفيما تسعى أوساط سياسية عربية وكردية لوقف إطلاق النار، والحصول على هدنة طويلة كالتي استمرت بين الطرفين طيلة الأشهر الأربعة الماضية، يطرح السؤال: "إلى متى تبقى المدينة الممزقة تحت تنازع البشمركة والمليشيات؟ وأين هو الجيش الوطني العراقي من كل هذا الصراع؟".