في واحدة من جلسات السيدات، حكت إحداهن عن صديقة انفصلت عن زوجها بلا خلافات، وقالت إن علاقتهما أفضل من فترة زواجهما وأنهما يخرجان معا ومع أطفالهما، وأردفت إنه كان طلاقا ناجحا!
قالت أخرى: كيف يكون طلاقا ناجحا، الطلاق بحد ذاته إعلان للفشل، فكيف يكون ناجحا، هل تقصدين أنها نجحت أن تكون فاشلة؟!
تناست صديقتنا الأخيرة أن جارتها في الجلسة مطلّقة منذ عام تقريبا، وربما سقطت من ذهنها لأنها لم تتبارى في ذكر مساوئ زوجها السابق بين غيرها من النساء ولم يعرف أحد لماذا انفصلا حتى اليوم.
الصديقة التي انفصلت عن زوجها ظلت صامتة وقررت أن تتحدث بهدوء في الوقت المناسب، منتقدة فكرة الحكم على جميع من اتخذوا قرار الطلاق بالفاشلين حتى من دون أن تعرف ظروفهم أو طبيعة حياتهم أو حتى تفترض أن لديهم عقولا مثلها يدركون بها ما هو جيد بالنسبة لهم.
زادت حرارة الجلسة التي كان من المفترض أن تستهدف أهدافا في مرمى الرجال وليس النساء، حكت صديقتنا المطلقة قصتها باقتضاب وثقة، لم تذكر أسباب الانفصال ولم تحك عن زوجها ما يشينه بل على العكس قالت إنه كان رجلا طيبا محبا لها، وعلى غير ما توقعنا منها استفاضت في شرح صعوبة موقفها ومدى الألم الذي سببه لها قرار الطلاق رغم أنها هي من طلبته. دمعت عيناها وهي تحكي عن وقفتها أمام المأذون للتوقيع على ورقة طلاقها مؤكدة أنها اللحظة الأصعب التي مرت بها، وكأنها قفزت للتو من سفينة في عرض البحر من دون خبرة في السباحة.
تسمّرنا جميعا ونحن نتابع حديثها، فهي السيدة القوية التي اعتدناها تضحك وتربي أبناءها بلا أي مظاهر للضعف أو القلق، واصلت حديثها متسائلة عن فكرة الطلاق نفسها وكيف أنها قبل أن تقدم عليها جرّبت حلولا كثيرة لتحسين علاقتها بزوجها ولكنها لم تنجح. تحدثت عن تأجيل القرار سنوات عدة على أمل التغيير من الطرفين ولكنها وجدت نفسها تفقد روحها وعلاقتها بزوجها الذي كان صديقا قبل أن يكون زوجا. تحدثت عن ضغوط العائلة والأصدقاء وأبنائها أنفسهم فهم متعلقون بأبيهم لدرجة كبيرة لإقناعها باستمرار الزواج، ولكنها قررت الطلاق، فأحيانا نتخلى عن جزء منا لنستكمل حياتنا أفضل.
تابعت صديقتنا الأولى الحوار غير مقتنعة بما يقال، فهي مثلنا تربينا وفي عقولنا نظريات جاهزة عن الطلاق، وننظر للسيدة التي تتخذ هذا القرار على أنها منحلّة وبمجرد طلاقها صارت صيدا ثمينا للرجال وتهدد كل أزواج صديقاتها وتبتعد عنها قريباتها وربما أخواتها أيضا.
ربما ساهم في تلك النظرة مشاهدتنا الطلاق عشرات المرات في المسلسلات والأفلام ومتابعتنا فصولا منه في حياتنا العادية، ولكننا نغفل أن هناك تجارب أخرى ربما لم نعشها ولم نشاهدها لأنها جاءت نتاج أشخاص غيرنا، تعرضوا لخبرات لم نعهدها وبالتالي جاءت مختلفة.
ولكن لكونها تعرف تلك الصديقة جيداً، سألتها عمّا فعلت لتحافظ على علاقة جيدة بطليقها. أخبرتها أن الله أمر في كتابه بالتسريح بإحسان، وهو ما حرصا عليه وزوجها، ولكنه موضوع طويل وأنها سترسل لنا جميعا قائمة بما ستتذكره ممّا حدث..
وإليكم القائمة كما وصلتنا:
- على الطرفين محاولة استكمال حياتهما وحل مشكلاتهما قبل اتخاذ قرار الطلاق، فربما كان تغيير بعض السمات الشخصية أقل صعوبة من الحياة من دون شريك.
- قبل الانفصال وبعده، عليك التحلي باللباقة وحسن المعشر، فلا تُحمّل الطرف الآخر مسؤولية الانفصال وحده، فالحياة المشتركة تتحملان حلوها ومرها معا، وتذكر المواقف الإيجابية لشريكك السابق، فلا داعي لأن تذكر سلبياته، فالحياة أوسع من خلافات ثنائية انتهت.
- إذا تعرضت لأذى مباشر من شريكك السابق أثناء الزواج أو بعده، خذ وقتك وتقبّل أعذاره واستدع كل قدرتك على التسامح في التعامل معه، ارحم ضعفه، فيوما ما ستجد من يرحم ضعفك.
- فكر جيدا في أن قرار الطلاق ليس نهاية العالم ولكنه بداية جديدة لحياة مختلفة بمفردك أو ربما يكون لك فيها حظوظ أفضل مع شريك يقدّر طبيعتك دون التشكيك في قدرتكما على العيش سعداء فلكل منا جماله وصفاته المميزة، وليس معنى ذلك أن شريكك السابق سيئ بل يعني أنه مختلف.
- نردد دوما أن أطفالنا هم الضحية، ربما تكون الجملة صادقة ظاهريا، ولكننا نخسر أنفسنا قبل أطفالنا لو تخلينا عن مشاعرنا الإنسانية واندمجنا في موجات الكره، فالأطفال نتاج علاقة زوجية بُنيت على شراكة بين طرفين، ركيزتها الأهم الاحترام المتبادل، وكما الزواج يكون الطلاق، فلن تنتهي علاقة أي من الطرفين بأبنائهما بمجرد الطلاق.
- فكرا جيدا في أطفالكما وكيف تريدان أن يشاهدوكما في مرآة الأب والأم، واحترسا من لعبة القط والفأر، فلا تذكر شريكك بسوء أمام الأطفال حتى لو كان كلامك صحيحا، فالطفل إسفنجة يمتص ما تقوله ولا يسهل نسيانه، وضع في ذهنك أن الطرف الآخر يمثل جزءا من توازن ابنك النفسي فلا تجعل طفلك مريضا بمحض إرادتك ولا تحوله لدمية تنتقم بها من شريكك السابق لأنك ستنتقم من نفسك أيضا.
- احرصا على لقاءات متقاربة مع الأطفال في جو أسري وتبادلا المكالمات الهاتفية أمامها فأنتما لستما أعداء بل أب وأم بالنهاية.
- ناقشا التزماتكما المالية قبل القرار واحرصا على تدوينها والالتزام بها، فهي أساس الكثير من الخلافات، وفي النهاية الحقوق موجودة في القانون والشرع وغالبا لا تكون سببا مباشرا بل يكون العناد أو الرغبة في السيطرة وراء ظهورها.
- تعامل مع الطرف الآخر كصديق فشلت علاقتكما كزوجين وها هي الفرصة أمامكما لاستكمال الحياة بشكل مختلف والتخلي عن الرابط الأسري برضاكما.
- أعلنا الخبر سويا وبشكل مهذب للجميع وحافظا على عدم جعل القرار موضوعا للنقاش فالقرار يعود لكما وليس من حق الجميع المشاركة فيه.
فشل الزواج نهاية لا يتمناها أي إنسان، ولكن لو قدّر لك أن تعيشها فاجعلها ناجحة، وتذكر أن من عشت معه سنوات وكان سكنا لك يستحق منك الحفاظ على علاقة ودية كانت يوما الأقرب لقلبك.
(مصر)