انتقد تقرير حقوقي توسع السلطات القضائية المصرية في استخدام التحريات الأمنية كسند للحبس الاحتياطي وللأحكام بالسجن في العديد من القضايا ذات الطابع السياسي، مشيرا إلى تكرار "فبركة" بعض التحريات وعدم معقولية بعضها الآخر، وعدم فحص حقيقة وجدية تلك التحريات من قبل النيابة أو القضاء.
وقالت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، اليوم الأربعاء، في تقرير بعنوان "الطريق إلى السجن مفروش بالتحريات السيئة"، إن "القاعدة القانونية استقرت على أن الشك دائما يُفَسّر لمصلحة المتهم، وأنه خير للعدالة أن يهرب ألف مجرم من العقاب على أن يعاقب شخص واحد بريء، إﻻ أنه في الآونة الأخيرة باتت تلك القاعدة عاطلة عن التنفيذ، وأصبحت أروقة النيابات والمحاكم تعجّ بالعديد من القضايا ذات الطابع السياسي التي تعتمد فقط على التحريات المرفقة بأوراق القضايا، والتي باتت السبب الوحيد للحبس شهورا وسنوات، وأصبحت كثير من قرارات القضاء تصدر دون التمحيص في حقيقة وجدية هذه التحريات".
وعرّف التقرير التحريات بأنها "قرينة لا تصلح وحدها كدليل على ثبوت الاتهام، فهي لا تعدو أن تكون مجرد رأي مُجريها، وتحتمل الصواب والخطأ، وتحتمل الصدق والكذب والتأويل".
وأشار التقرير إلى أن المختص بجمع التحريات هم ضباط ورجال المباحث من أمناء الشرطة والمخبرين، أما أغلب القضايا ذات الطابع السياسي فيختص قطاع الأمن الوطني بإجراء التحريات، أو يشترك في إجرائها مع ضباط المباحث بقسم الشرطة محل الواقعة.
وبشأن مساوئ آلية إجراء التحريات، فأوجز التقرير أنه "في أغلب الأحيان يعتمد الضباط القائمون على جمع تلك التحريات على البلطجية المجبَرين على التعامل مع ضباط المباحث، فضلًا عن إجراء التحريات خلال 24 ساعة من طلب النيابة، وهو الأمر الذي يؤثر على مصداقيتها وعدم اتساقها مع باقي الأدلة من أقوال شهود أو اعترافات المتهمين أو التقارير الفنية وغيرها".
وساق التقرير مجموعة من النماذج لتحريات مكتبية، مثل القضية المتهم فيها عز الدين سعد عبد الحميد، رئيس حزب غد الثورة، باعتبارها مثالا صارخا، فقد حوت القضية تحريات من مباحث قسم شرطة مدينة نصر أول، وتحريات من قطاع الأمن الوطني، إلا أن التحريات تضم تناقضا صارخا، حيث اتهم عبد الحميد في التحريات بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، وفي الوقت نفسه برئاسة حزب غد الثورة المعروف أنه لا ينتمي لأي تيار إسلامي، كما أن مواقفه وآراءه كانت ضد سياسات جماعة الإخوان، وهو الأمر الذي يؤكد كذب تلك التحريات.
كما استشهد التقرير بالتحريات الخاصة بالحكم الصادر في القضية المعروفة إعلامياً بقضية "تيران وصنافير"، والذي استند إلى التحريات على الرغم من أنها خلت من أي دليل يعضدها تلك التحريات، ولفت التقرير إلى أن "تلك التحريات خالفت الأدلة، كما يشوبها عدم المعقولية. فكيف أجرى الضابط تحرياته على 79 شخصا في أقل من 24 ساعة؟ كما أن أوراق القضية خلت من أي دليل، وهو ما يؤكد أنها تحريات مكتبية".
وخلص التقرير إلى أنه "نظراً لخطورة اﻻستناد إلى التحريات في القضايا ذات الطابع السياسي، فإن معدها يجريها وفقاً لأهوائه وميوله السياسية، ويتم الزجّ بالعديد من المتهمين في غياهب السجون بناء ما سطره من مكتبه، في حين لا بد أن تقوم النيابة، وكذا القضاء بعدم اﻻعتماد على التحريات بمفردها في إحالة المواطنين للمحاكمة، وعلى القضاء عدم اﻻكتفاء بالتحريات وحدها في الحكم بحبس المتهمين".
وأكد التقرير أنه على النقيض "في بعض القضايا تكون تحريات المباحث السبب في إفلات بعض المتهمين من العقاب، حيث تستند النيابة العامة في قراراتها بناءً على تلك التحريات بكونها دليلا على عدم صحة إسناد اﻻتهام لبعض المتهمين".
وأوصى التقرير بالعمل على تدريب كوادر في وزارة الداخلية على إجراء التحريات، وسماع شهود الواقعة، وعدم اﻻعتماد على المصدر السري، واﻻطلاع على التقارير المرفقة بالأوراق، واستغراق الوقت الكافي لإجراء التحريات، وتفحص النيابة والقضاء للتحريات، وعدم الاعتماد على التحريات كدليل على صحة اﻻتهام، أو إصدار أحكام بالإدانة بناء على التحريات من دون التحقق من صحتها.