إلى أين تتجه أسعار النفط خلال الشهور المقبلة؟ سؤال بات محيراً، وسط تناقض المعطيات التي تحكم حركة أسعار النفط. ففيما تزداد خسائر شركات النفط الصخري، يرتفع إنتاج النفط الأميركي، ويصل إلى الدرجة التي تعجز فيها أميركا عن إيجاد مستودعات كافية لتخزين الإنتاج.
وفيما ينتعش الاقتصاد الأميركي ويزداد معدل الاستهلاك النفطي في العالم، تعجز السوق عن
امتصاص الفائض.
ولكن وسط هذه الحيرة، يبدو أن أسعار النفط بدأت تتماسك حول 60 دولاراً لخام برنت. وهو مستوى ليس ببعيد عن تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية لمتوسط خام برنت، حيث ارتأت في تقريرها الأخير أن يبلغ في المتوسط 58 دولاراً للبرميل. ورغم أنه من الصعوبة التنبؤ بمستقبل الأسعار، لكن المؤكد أن تدهور الأسعار قد توقف.
ففي أميركا، ارتفع عدد المنصات النفطية التي توقفت عن العمل بنسبة 30% منذ بداية العام الجاري 2015، كما صاحب ذلك إعلان الشركات النفطية الكبرى عن خفض إنفاقها الاستثماري في عمليات الإنتاج والكشوفات.
وهي مؤشرات إيجابية على أن إنتاج النفط الصخري الأميركي ربما ينخفض في الربع الثاني من العام الجاري.
ولكن إدارة معلومات الطاقة الأميركية ترى أن شركات إنتاج النفط الصخري ستوقف العمليات في مناطق الإنتاج الهامشية، وليس في مناطق الإنتاج الرئيسية.
وفي خطابه الأخير في برلين، أبدى وزير النفط السعودي، علي النعيمي، ثقة في استقرار الأسعار، وعودة السوق النفطية إلى التوازن. لكنه رفض التكهن بمستويات الأسعار التي بدأت تستقر منذ شهر فبراير/شباط الماضي حول 60 دولاراً لبرميل خام برنت، وفوق 50 دولاراً بالنسبة لخام غرب تكساس.
وقال النعيمي "لو كنت أعلم رقماً لسعر النفط، لكنت في لاس فيجاس، وليس في برلين"، في إشارة واضحة إلى أن التكهن بسعر النفط خلال الشهور المقبلة بات شبيها بالمقامرة في الكازينوهات.
ولكن هناك بعض البشائر التي بثتها إدارة معلومات الطاقة الأميركية، على لسان رئيسها آدم سيمنسكي، في الإفادات التي أدلى بها أمام الكونغرس الأسبوع الماضي؛ حيث توقع سيمنسكي في إفاداته أن تبلغ أسعار خام غرب تكساس 55 دولاراً للبرميل خلال العام الجاري، وربما تصل إلى 71 دولاراً للبرميل خلال العام المقبل.
أما بالنسبة لخام برنت، فتوقع سيمنسكي أن يرتفع خام برنت ليصل في المتوسط إلى 58 دولاراً للبرميل خلال العام الجاري، و75 دولاراً للبرميل في العام المقبل. وبنت إدارة معلومات الطاقة الأميركية توقعاتها على أساس عدم حدوث حروب كبرى في مناطق الإنتاج الرئيسية تعطل حقول الإنتاج أو وصول الإمدادات النفطية إلى الأسواق العالمية.
اقرأ أيضاً: 110 ملايين برميل طلب عالمي على النفط بحلول 2025
ورغم هذه التوقعات المتفائلة، فإن السوق النفطية لا تزال تعاني من التخمة النفطية، وغير قادرة على امتصاص الفائض النفطي الذي يقدر بأكثر من مليون ونصف المليون برميل يومياً.
وتتواصل هذه التخمة النفطية، رغم الانتعاش النسبي الذي يعيشه الاقتصاد الأميركي، والذي يعد أكبر مستهلك للخامات النفطية في العالم، حيث يقدر حجم الاستهلاك النفطي الأميركي بحوالى 19.2 مليون برميل يومياً.
وحسب تقرير إدارة معلومات الطاقة الأميركية الصادر في نهاية الشهر الماضي، فإن مخزونات
النفط لدى دول منظومة التنمية والتعاون الاقتصادي، وهي الكتلة الصناعية التي تبنى عليها معادلة الطلب النفطي، سجلت أكبر زيادة منذ عام 1989.
وتشير إحصائيات الإدارة الأميركية إلى أن مخزونات دول المنظومة ارتفعت خلال شهري يناير/كانون الثاني وشباط/فبراير بمعدل 208 مليون برميل عن مستوياتها في نفس الفترة عن العام الماضي.
ولاحظت إدارة الطاقة الأميركية التي ترصد تحركات أسواق النفط لصالح الحكومة الأميركية، أن مخزونات النفط العالمية ترتفع بمعدل 600 ألف برميل يومياً خلال العام الجديد. كما لاحظ خبراء نفط في لندن أن المضاربين باتوا يرفعون من شحنات النفط العائمة بالقرب من مناطق الاستهلاك الرئيسية في آسيا.
ورغم أن تدهور أسعار قد توقف فعلياً، إلا أن تراكم الخامات النفطية في أميركا وزيادة المخزونات الأميركية، لا تبشر بارتفاع أسعار النفط فوق مستوياتها الحالية خلال الشهور المقبلة، أو على الأقل خلال الربع الثاني.
وعلى صعيد معادلة الطلب العالمي، فإن التحسن في الاقتصاد الأميركي رفع من معدل الطلب العالمي، وتشير الإحصائيات الأميركية إلى أن معدل الاستهلاك العالمي للخامات النفطية والمكثفات سيبلغ 92.3 مليون برميل في المتوسط خلال العام الجاري. وهذا المعدل أعلى بمليون برميل يوميا عن مستويات الاستهلاك في العام الماضي 2014.
ولكن في مقابل هذا النمو في الطلب، يلاحظ تفوق واضح في المعروض النفطي، خاصة إنتاج الدول غير الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للبترول" أوبك".
وتشير إحصائيات إدارة الطاقة الأميركية إلى أن المعروض العالمي من النفط والمكثفات النفطية نما بحوالى 2.1 مليون برميل يومياً خلال عام 2014، وهذا النمو في المعروض جاء معظمه من إنتاج النفط الصخري الأميركي الذي أضاف حوالى 1.6 مليون برميل يوميا إلى الإمدادات العالمية.
ويشير آدم سيمنسكي، مدير إدارة معلومات الطاقة الأميركية في إفاداته للكونغرس، أن المعروض النفطي من خارج "أوبك" ربما ينمو بحوالى 800 الف برميل يومياً خلال العام الجاري، وقال في إفاداته إن الانخفاض في إنتاج النفط خارج "أوبك" يعزى إلى انخفاض إنتاج النفط المتوقع في كل من أميركا وكندا وأميركا الجنوبية.
وهذا التوقع يبشر بأن دورة انخفاض إنتاج النفط الصخري ستبدأ في الربع الثاني من العام الجاري.
ولكن انخفاض إنتاج النفط الصخري في أميركا سيقتصر على مناطق الإنتاج الهامشية التي تؤثر كثيراً معدل الإنتاج الكلي للولايات المتحدة.
وحسب توقعات إدارة الطاقة الأميركية، فإن نشاط حفر آبار النفط سيواصل الانخفاض خلال
العام الجاري، حيث بلغ عدد المنصات التي توقفت عن العمل 922 منصة نفطية.
ويعود سحب المنصات النفطية من مناطق الإنتاج إلى عاملين رئيسيين وهما: انخفاض العائد الاستثماري بالنسبة للشركات في مناطق الإنتاج الهامشية، والحقول التي شارفت على النضوب.
ولكن تقرير الإدارة الأميركية يشير إلى أن متوسط أسعار النفط حول 55 دولاراً للبرميل، سيكون كافيا لدعم إنتاج النفط الصخري في مناطق الإنتاج الرئيسية مثل حقول "بيكان" و"إيغل فورد" و"نايو برارا" و"حوض برميان".
اقرأ أيضاً: وكالة الطاقة: إنتاج النفط الأميركي متواصل حتى 2020