الطائفية بأدوات أزهرية

26 فبراير 2015
تشكل المساجد أهم صروح تلقين الخطاب الديني (Getty)
+ الخط -

أعلن الأزهر، الذي يُعد منارة الإسلام الوسطي المعتدل في نظر الكثيرين، عن دعوته لقتل أو تصليب أو تقطيع أيدي وأرجل عناصر تنظيم داعش في أعقاب إعدام الطيّار الأردني، معاذ الكساسبة، حرقاً، مما لفت الانتباه إلى ضرورة إعادة هيكلة بعض المناهج الدينيّة، التي تدرّس إلى الجيل القادم، لتنشئته بشكل صحيح بعيداً عن التطرّف الديني والطائفيّة، بل ودحض كلّ ما ينقل عن الإسلام بشكل خاطئ.

تكمن خطورة الدعوة في أنّ الخطاب الديني دائماً ما يعد من أقوى الأسلحة تأثيراً على الإطلاق. وعلى صعيد التّعليم الديني في قطاع غزّة، فإنّ المعاهد الأزهرية في القطاع جزء تابع إداريّاً للأزهر في القاهرة، كما أنّها تستقي مناهجها منه.

تحت عنوان التّسامح الدّيني ونبذ الطائفيّة، وإن لم تكن هناك مادّة واضحة، يقوم مدرّسون وبشهادات بعض الطلّاب بتكفير الشّيعة خلال تلقين الدروس للطلبة، كما تحريم الزّواج منهم، حيث قال أحدهم: "أحد الأيّام خرجت من الحصّة وأنا على يقين تام بأنّهم كفّار ووجب قتالهم".

وليس الأزهر وحده صاحب الفكر التكفيري، فمروراً بمنهج الجامعة الإسلاميّة بغزة، نجد أنّ من يقرأ المقرّر الخاصّ بالشّيعة لمساق "حاضر العالم الإسلامي" يُصاب بالذهول. تكفيري بحت يدّعي تكفير الشّيعة للسنة مما يخلق ويعزّز من العنجهية الطائفيّة دون أن يشعر الطلّاب، كون معظمهم يحفظ دون فهم ولا مراجعة، أو لفت نظر العامّة حوله. وممّا استوقفني أثناء قراءتي لما جاء في مقرّر المساق، بعض العناوين الإشاريّة التي يحتويها: "تكفير أهل السنّة، إباحة دماء أهل السنة واستباحة أموالهم، وعدم إباحة التزاوج بين الشّيعة والسنّة"، إلى جانب هذا الاقتباس الذي اعتبر محط جدال بين عشرات الباحثين الإسلاميّين، كما اعتبار ونعت محمّد جعفر شمس الدّين بـ"الحاقد": " يذكر الشيعي اللبناني، محمد جعفر شمس الدين، أن كتابَي كلٍّ من البخاري ومسلم فيهما من الخرافات والسّخافات، ويضيف هذا الحاقد: ونحن لو راجعنا هذين الكتابين وغيرهما، لطالعنا بشكل واضح وجلي السخف والافتراء والدس في كثير من المواضع فيهما.. ومن الغريب بعد كل ذلك وغيره أن يُصرُّ على تسمية هذه الكتب بالصحاح".

فعلى الرغم من التظاهر بأنّهم متسامحون، وينبذون الطائفيّة إلاّ أن مثل هذه المقرّرات تودي بهم أرضاً بفعل تناقضهم الواضح، عدا عن قيامهم بتكفير كلّ من يحاول الاجتهاد في ما يخصّ الأحاديث واعتبارهم أعداء للإسلام.

وبالتطرّق إلى المساجد، كونها صرحاً تعليميّاً مهماً، كما ارتباط الجامعة والمسجد بالجهة السنيّة نفسها، والتي بالتالي لن يختلف منهجها، بات المراقب لحال المساجد هنا، يرى أن معظمها يُدار من التنظيمات الفلسطينية الإسلامية. وأهميّتها لا تقل أهمية عن المدارس والجامعات في تأسيس ألوف مؤلفة من المتعلمين، مرتكزين بذلك على مناهج القرآن الكريم والسنّة النبويّة.

يقوم المسؤولون بتعيين "أمراء المساجد" وآخرون بمثابة مدرسين، يستقطبون الأطفال بدايةً لحفظ أجزاء من القرآن الكريم والسنة النبوية والقيام بنشاطات ترفيهية، توعوية، وتثقيفية من خلال حلقات أو زوايا خاصة تشكل في المساجد بجدول أسبوعي ومواعيد محدّدة، لتشجيع الطلاب على الدوام في المساجد وتطبيق الشريعة الإسلامية والمساهمة في إنشاء جيل "متدين" يحمل فكر وعقيدة التنظيم الذي يدير المسجد.

لم يكن أمراً عاديّاً أن يقوم بعض "الشيوخ" أو "أمراء المساجد" بتلقين الطلّاب، الذين يلجؤون إلى المساجد، محاضرات تعزّز من الطائفيّة، خاصّة بين منتسبي حركات المقاومة، فالبعض منهم كان يعتبر إخوانه في تنظيمات إسلامية أخرى، شيعة، حيث يطلق فكرته، ويتلقّاها من يرى به مثالاً خيّراً في تطبيق شرع الله وإطاعته. وبشهادة الكثيرين هذا ما كان يحدث بالفعل سابقاً.


(فلسطين)

المساهمون