يرفع فلسطينيون طائراتهم الورقية الموسومة بعلَم بلادهم في سماء الحدود الشرقية من قطاع غزة، وما أن تطير أعلى من ارتفاع السياج الفاصل لتعبر حدوداً صنعها الاحتلال في وجه اللاجئين، تعلو أصوات التكبير من المتظاهرين الذين تظل أعينهم تراقب سقوط تلك الطائرات في التجمعات الاستيطانية وإحداثها حريقاً.
هي نفس الطائرات التي كان يلهو بها الأطفال سلمياً على حدود غزة في بداية مسيرات العودة الكبرى، في الثلاثين من مارس/آذار الماضي، قبل أن يهاجمهم الاحتلال بكل أشكال العنف لطردهم وحقوقهم التي جاؤوا للمطالبة بها، ليتم بعدها تطويع هذه الطائرات كسلاحٍ بدائي يرهب الاحتلال.
لم تغب هذه الطائرات يوماً عن سماء الحدود الشرقية من قطاع غزة، وقد طارت في الجمعة الـ11 من مسيرات العودة وضمن "مليونية القدس"، أول من أمس الجمعة، موشّحة بصور شهداء مسيرات العودة، وآخرهم صورة الشهيدة المسعفة المتطوعة رزان النجار، التي اغتالها الاحتلال برصاصة قاتلة أثناء عملها الإنساني على الحدود، يوم الجمعة 1 يونيو/حزيران الحالي.
صابر، شاب ملثم بالكوفية الفلسطينية، وأحد المشاركين في إعداد الطائرات الورقية برفقة آخرين في مخيمات العودة شرق مخيم جباليا، يوضح أنه ومجموعته "لم يفارقوا نقطتهم منذ بدء مسيرات العودة، وفي كل مرة يطلقون عدداً من الطائرات تجاه المستوطنات الإسرائيلية في منطقة غلاف غزة".
ويقول صابر، في حديث مع "العربي الجديد": "نحن اليوم طوّرنا وسائل تظاهرنا على حدود غزة عبر الطائرات الورقية، وهي وسيلة بدائية نطالب فيها بحقوقنا، وأصبحت تقلق الاحتلال ويتحدث عنها ليل نهار. وهي نفس الطائرات التي يطيّرها الأطفال عند بحر غزة، نحن أخذناها ووضعنا في ذيلها وسائل حارقة لنقاوم الاحتلال، حتى تعود لنا حقوقنا".
وليس هناك عدد محدد للطائرات التي يطلقها الشبان تجاه التجمعات الاستيطانية، غير أن صابر يؤكد أنها قد تصل إلى العشرات يومياً، وهذا فقط في نقطة واحدة من أصل خمس نقاط يتجمع فيها المتظاهرون الفلسطينيون من أقصى بيت حانون شمال قطاع غزة، وحتى شرق مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
حتى إن الشبان يطيّرونها إلى مسافات لا يعلمونها تجاه مناطق "غلاف غزة"، وعند حد معين يقطعون الخيط الذي يربط الطائرات الورقية كي تسقط على أراضي المستوطنات وتحرقها، كما أن الرياح والطقس يساعدان في نقل الحرائق إلى مسافات أكبر، وينوه صابر إلى أن "هذه الطريقة في المقاومة الشعبية جاءت بديلاً عن الكاوتشوك الذي منع الاحتلال دخوله إلى غزة، بعدما استخدمه المتظاهرون في حجب رؤية القناصة الإسرائيليين عنهم".
ووسط هذا المشهد، صورة طفل لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، يعد طائرة ورقية وحده، إثر انضمامه إلى المتظاهرين على الحدود، بعد يوم "الإثنين الدموي" الذي أسقط فيه الاحتلال أكثر من 60 شهيداً، ويقول في حديث مع "العربي الجديد": "أنا بعرف أعمل طائرة ورقية وجاي أساعد الشباب عشان نطيرها على الاحتلال ونخيفهم".
وتكتمل فرحة المتظاهرين بعد رؤيتهم أعمدة الدخان وهي تتصاعد من أراضي التجمعات الاستيطانية، بعد عبور الطائرات الورقية الحارقة السياج الحدودي الفاصل، وفي أذهانهم أحلامٌ بعبورهم أحياءً إلى أراضيهم المحتلة ونيل حق العودة، وهي نفسها الأراضي التي هرب منها مستوطنون أخيراً، خوفاً من الحرائق التي تندلع بفعل تلك الطائرات.
واندلع 20 حريقاً في مستوطنات غلاف غزة، بفعل الطائرات الورقية، بحسب ما قالته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، يوم الخميس الماضي فقط. فيما تحدثت مصادر إسرائيلية عن نجاح المتظاهرين في غزة في إطلاق 600 طائرة ورقية تجاه المستوطنات، منذ انطلاق فعاليات مسيرة العودة، وتسببت في اندلاع 198 حريقاً في نحو تسعة آلاف دونم زراعي، وقُدرت الخسائر بملايين الدولارات.
وتزايد حديث قادة الاحتلال، في الأيام الأخيرة، عن حلول لظاهرة إطلاق الطائرات الورقية من غزة، منهم وزير الأمن الداخلي في حكومة الاحتلال، جلعاد أردان، الذي طالب بقتل من سماهم "مطلقي الطائرات الورقية المشتعلة"، فيما أحدثت هذه الدعوة خلافاً كبيراً بين قيادة جيش الاحتلال حول نتائج تصفية الفتية الفلسطينيين، بحسب صحيفة "معاريف" الإسرائيلية.
كما أن الطائرات المسيَّرة الصغيرة والتي يستخدمها الاحتلال في محاربة الطائرات الورقية، يرى مراقبون إسرائيليون أنها لا تجدي نفعاً، في ظل تعاظم المخاطر التي قد تتعرض لها دولة الاحتلال، معتبرين أن "الطائرات الورقية تسبب أضراراً أكبر من تلك التي تنجم عن إطلاق الصواريخ والقذائف من غزة".