في انتظار إجراءات حاسمة من الحكومة الفرنسية، ولا سيّما إجراءات اجتماعية وتربوية، نفد صبر سكّان الضواحي والأحياء الشعبية إزاء استفحال العصابات والجماعات. ولحسن الحظ، سيستفيد كثيرون، من بينهم الجمعيات الناشطة في الضواحي، من "الحوار الوطني الكبير"، الذي أطلقته الحكومة يوم 15 يناير/ كانون الثاني الجاري، للتعبير عن عن مطالبهم وعرض مشاكلهم وتحدياتهم
تكثر المشكلات والصعوبات التي تعانيها العائلات القاطنة في الضواحي والأحياء الشعبية الفرنسية. وتلك المناطق التي تُعَدّ في أحيان كثيرة "خارجة عن سلطة الجمهورية"، تشكو من البطالة التي تفوق نسبها فيها ما يُسجَّل في المناطق الفرنسية الأخرى. وتظهر في تلك المناطق اقتصادات موازية تقوم على تجارة المخدّرات، وبضائع أخرى لا تدخل إلى البلاد عبر القنوات الرسمية. كذلك، تعاني من جرّاء تناحر العصابات والجماعات، الذي لم يتوقّف منذ عقود. والأمر ليس بسيطاً ومن غير الممكن الاستهانة به، بحسب ما تردّد عائلات كثيرة منذ مدّة طويلة، مشيرة إلى أنّ أبناءها من دون رعاية ومن دون شغل، فيُدفَعون إلى ارتكاب حماقات لا تحمد عقباها.
عائلة الأحمدي تقطن في مدينة سان دوني، الواقعة في الضاحية الشمالية للعاصمة الفرنسية باريس، تخبر كيف نجا ابنها من الموت بأعجوبة وهو في الخامسة عشرة من عمره، بعدما طعنه فتى لا يكبره كثيراً بسكين. وقد رقد الابن في المستشفى لأكثر من شهرَين. يُذكر أنّ ذلك حدث في أثناء معارك ليلية بين مجموعتَين من المراهقين، وهو أمر لا يُعَدّ نادراً في تلك المنطقة. وفي حال هدأت تلك المواجهات لبعض الوقت، فإنها تعود من جديد وأكثر حدّة، متسبّبة في خسائر كبيرة.
شعور بالعزلة
في تلك المناطق، يعبّر السكان وهم بمعظمهم من أصول مهاجرة، عربية وأفريقية، عن شعورهم بأنهم معزولون وبأنّ السلطات المعنية لا تلتفت إلى صرخاتهم وتوسّلهم. وهؤلاء لا يتقوقعون على أنفسهم، الأمر الذي يجعلهم يستقبلون مختلف المسؤولين السياسيين في أثناء الحملات الانتخابية ويقدّمون لهم قائمة مطالبهم، ليتبيّن لهم سريعاً أنّ الأمر لم يكن ذا فائدة، فلا شيء تغيّر. وما زال كثيرون يذكرون تلك الصرخة التي وجّهتها امرأة مغاربية للرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، وكان حينها وزيراً للداخلية، شاكية الوضع البائس في تلك المناطق واشتداد العنف. فأجابها: "هل ضقت ذرعاً بهؤلاء الحثالة؟ سوف نتخلص منهم"، متوعّداً بأنه سوف يغسل تلك الأحياء بواسطة خراطيم المياه. يُذكر أنّ الأمر تزامن مع مقتل الفتيَين زياد بنا (17 عاماً) وبونا تراووريه (15 عاماً) بعدما صعقتهما الكهرباء في أثناء اختبائهما في محوّل كهربائي، عندما كانت الشرطة تطاردهما. حدث ذلك في حيّ كليشي سو بوا، التابع لإقليم سين سان دوني في منطقة إيل دو فرانس (شمال)، في 27 أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2005، وقد تسبّب في انتفاضة هناك استمرّت ثلاثة أسابيع تقريباً وامتدّت إلى أحياء أخرى.
اقــرأ أيضاً
المؤسف في الأمر، بحسب ما يقول الباحث حسن المصدق لـ"العربي الجديد"، أنّ "السلطات لا ترى ما يحدث إلا من زاوية أمنية، أي قمعية، الأمر الذي يؤدّي إلى نتائج سلبية. فالشبان الذين سُجِنوا وخضعوا إلى التأديب، سرعان ما يعودون إلى سابق عهدهم، بمجرّد خروجهم من المؤسسات السجنيّة".
مبادرات وتلكؤ
وعلى الرغم من صعوبة الأمر بالنسبة إلى السكان، فإنهم لم يقفوا مكتوفي الأيدي وأطلقوا مبادرات عديدة، منها جمعيات لوقف "الحروب" بين العصابات والجماعات، لعلّ أبرزها جمعية "غوت دور" (نقطة الذهب) في حيّ باربيس الباريسي التي نجحت في عام 2016، بوقف "الحرب" بين الدائرتَين الباريسيتَين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة.
ولا تختلف المحاولات في سبيل حفظ أرواح الشبان وتجنيبهم الاعتقال ثمّ السجن، عن عمل جمعيّة الأمهات في بلدية أولنيه سو بوا التابعة لإقليم سين سان دوني في منطقة إيل دو فرانس، التي شهدت أعمال شغب وعنف بعد اعتداء الشرطة الفرنسية على الشاب تيودور لوهاكا المعروف باسم تيو (22 عاماً)، في الثالث من فبراير/ شباط من عام 2017. فراحت الأمهات هناك ينظّمن دوريات ليلية يمنعن من خلالها أبناءهن من الخروج والتظاهر.
صحيح أنّ فرنسا تعرف مثل تلك الحوادث منذ زمن طويل، وتشهد وقوع شبّان ضحايا لذلك النوع من "الحروب"، إلا أنّ المستجدّ هو تصويرها وبثّها على شبكات التواصل الاجتماعي، مع كلّ ما يمكن أن تثيره من انفعالات ومن رغبة في نقلها ومحاكاتها، وكذلك في الانتقام. ولا يبدو أنّ السلطات الأمنية الفرنسية في وارد القضاء عليها جذرياً أو العثور على حلّ ناجع لإيقافها، ويتّضح ذلك من خلال تصريح للمتحدث باسم الحكومة الفرنسية بنجامين غريفو الذي لم يجد حلاً سوى تشييد 20 مركزاً تربوياً مغلقاً تُضاف إلى المراكز المماثلة المتوفّرة البالغ عددها 50.
بين العصابة والجماعة
لا ينجح أهالي الفتيان والشبان الذين يتورّطون في ذلك النوع من "الحروب"، في تقديم تفسيرات حول الأسباب الحقيقية وراء دفع أبنائهم إلى المواجهة التي يعرفون مسبقاً أنها قد تكلّفهم حيواتهم. ثمّة من يرى أنّ ابنه وقع تحت تأثير زعيم مجموعة، كما هي حال جمال بن شريف، بينما يذهب آخرون أبعد في اعترافاتهم، فيقرّون بأن الاتجار بالمخدّرات ليس بعيداً عن المشكلات. جواد الرحماني واحد منهم، ويشرح أنّ "مجموعة تروّج للمخدرات لا ترغب بالتأكيد في منافسة مجموعة أخرى في مكان تأثيرها. وهو ما يزيد من حدّة التوتر".
تجدر الإشارة إلى أنّ الشرطة الفرنسية، ولا سيّما بعض نقاباتها، ونقابة "قوة عماليّة" تحديداً، تميّز بين أمرَين مختلفَين هما المجموعة والعصابة. وتوضح النقابة أنّ العصابة هي أكثر تنظيماً من أيّ مجموعة، إذ إنّ للعصابة رئيساً وأعضاءً منظّمين وهدفاً محدداً، وهي تستخدم أسلحة هجومية وحربية أحياناً من أجل الدفاع عن مكان تأثيرها وعن تجارة ما، قد تكون مخدّرات أو سلاحاً أو غير ذلك. لكنّ ما نراه اليوم والذي ينتشر أكثر فأكثر، يُعَدّ "معارك شبه مجانية". قد يأتي ذلك لسبب بسيط، من قبيل سرقة دراجة هوائية أو هاتف ذكيّ أو إغواء فتاة. وهذه المعارك بين الجماعات لا تخلو من عنف، فتخلّف ضحايا، بين قتلى وجرحى. ولعلّ أكثر الأسلحة المستخدمة عادة هي القضبان الحديدية والسكاكين، إلى جانب أخرى بالتأكيد تختلف طبيعتها.
عائلات قلقة
لا تخفي عائلات من أصول عربية اضطرارها إلى ترحيل أبناء لها إلى بلدانها الأصلية لبعض الوقت، خوفاً من انتقام قاتل أو من اعتقال قد يطول. فتلك العصابات والجماعات الخارجة عن السيطرة، قد تكون موجودة في المدارس الإعدادية والثانوية، وهو ما تعترف به الدولة الفرنسية نفسها. إذاً، تجد العائلات أنّ الأمور أفلتت من بين أيديها، ولا سيّما أنّ المدارس تبدو عاجزة عن أداء دورها التربوي الرئيس، فتحاول بذل جهود تفوق أحياناً طاقتها وتسجّل أبناءها في مؤسسات تعليمية خاصة حيث الصرامة والمتابعة، على سبيل المثال. وهو ما يرتب عليها نفقات كبيرة جديدة، بالإضافة إلى أنّ بعض تلك المؤسسات تكون في مناطق بعيدة عن سكنها.
عائلة جواد المحجوبي على سبيل المثال، اضطرت إلى إنفاق أكثر من خمسة آلاف يورو سنوياً على ابنَيها، بعد تسجيلهما في مدرسة مستقلة (خاصة). يقول المحجوبي إنّه وزوجته لاحظا "كيف راحت تتغيّر ألفاظ ابنَينا وكيف راحا يتقاعسان عن أداء واجباتهما المدرسية، قبل أن يهبط مستواهما، علماً أنهما كانا في السابق مجتهدَين". يضيف أنّ "مدير المدرسة استدعانا حينها بحجّة أن أحد ابنَينا يمارس بعض العنف، إذ إنه يتطاول على المدرّسة ويسخر منها". واتخذت العائلة قرارها باستبدال المدرسة.
من جهته، يعترف رشيد العثماني بأنّ سلطته على أبنائه ليست كما كانت سلطة والده عليه في الماضي. يقول: "أبناؤنا لا يسمعوننا ويفعلون ما يرغبون فيه"، مشيراً أنّ "المساجد تؤدّي دورها كما يجب، لكنّ تأثيرها لا يتعدّى الجمهور الذي يرتادها". يضيف العثماني أنّ "الأئمة يُشددون في عظاتهم ودروسهم على التربية واحترام الآخر، خصوصاً الآباء وكبار السنّ والجيران وغيرهم، وكذلك على واجب الاندماج عن طريق التحصيل والعلم والمعرفة واكتساب المهارات".
أما الحلّ بحسب ما يقول الباحث جمال الحمري لـ"العربي الجديد"، فهو "يكمن في منطقة وسطى ما بين فرض السلطات هيمنتها وبين توفير الدولة وسائل مناسبة للمدرِّسين والمربّين. لكن قبل كل شيء، لا بدّ من توفير الشغل للعاطلين من العمل في تلك الأحياء التي أنهكتها البطالة وتخلّت الدولة عنها على مدى عقود، حتى صار كثيرون يرون أنها تقع في خارج الجمهورية".
عائلة الأحمدي تقطن في مدينة سان دوني، الواقعة في الضاحية الشمالية للعاصمة الفرنسية باريس، تخبر كيف نجا ابنها من الموت بأعجوبة وهو في الخامسة عشرة من عمره، بعدما طعنه فتى لا يكبره كثيراً بسكين. وقد رقد الابن في المستشفى لأكثر من شهرَين. يُذكر أنّ ذلك حدث في أثناء معارك ليلية بين مجموعتَين من المراهقين، وهو أمر لا يُعَدّ نادراً في تلك المنطقة. وفي حال هدأت تلك المواجهات لبعض الوقت، فإنها تعود من جديد وأكثر حدّة، متسبّبة في خسائر كبيرة.
شعور بالعزلة
في تلك المناطق، يعبّر السكان وهم بمعظمهم من أصول مهاجرة، عربية وأفريقية، عن شعورهم بأنهم معزولون وبأنّ السلطات المعنية لا تلتفت إلى صرخاتهم وتوسّلهم. وهؤلاء لا يتقوقعون على أنفسهم، الأمر الذي يجعلهم يستقبلون مختلف المسؤولين السياسيين في أثناء الحملات الانتخابية ويقدّمون لهم قائمة مطالبهم، ليتبيّن لهم سريعاً أنّ الأمر لم يكن ذا فائدة، فلا شيء تغيّر. وما زال كثيرون يذكرون تلك الصرخة التي وجّهتها امرأة مغاربية للرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، وكان حينها وزيراً للداخلية، شاكية الوضع البائس في تلك المناطق واشتداد العنف. فأجابها: "هل ضقت ذرعاً بهؤلاء الحثالة؟ سوف نتخلص منهم"، متوعّداً بأنه سوف يغسل تلك الأحياء بواسطة خراطيم المياه. يُذكر أنّ الأمر تزامن مع مقتل الفتيَين زياد بنا (17 عاماً) وبونا تراووريه (15 عاماً) بعدما صعقتهما الكهرباء في أثناء اختبائهما في محوّل كهربائي، عندما كانت الشرطة تطاردهما. حدث ذلك في حيّ كليشي سو بوا، التابع لإقليم سين سان دوني في منطقة إيل دو فرانس (شمال)، في 27 أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2005، وقد تسبّب في انتفاضة هناك استمرّت ثلاثة أسابيع تقريباً وامتدّت إلى أحياء أخرى.
المؤسف في الأمر، بحسب ما يقول الباحث حسن المصدق لـ"العربي الجديد"، أنّ "السلطات لا ترى ما يحدث إلا من زاوية أمنية، أي قمعية، الأمر الذي يؤدّي إلى نتائج سلبية. فالشبان الذين سُجِنوا وخضعوا إلى التأديب، سرعان ما يعودون إلى سابق عهدهم، بمجرّد خروجهم من المؤسسات السجنيّة".
مبادرات وتلكؤ
وعلى الرغم من صعوبة الأمر بالنسبة إلى السكان، فإنهم لم يقفوا مكتوفي الأيدي وأطلقوا مبادرات عديدة، منها جمعيات لوقف "الحروب" بين العصابات والجماعات، لعلّ أبرزها جمعية "غوت دور" (نقطة الذهب) في حيّ باربيس الباريسي التي نجحت في عام 2016، بوقف "الحرب" بين الدائرتَين الباريسيتَين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة.
ولا تختلف المحاولات في سبيل حفظ أرواح الشبان وتجنيبهم الاعتقال ثمّ السجن، عن عمل جمعيّة الأمهات في بلدية أولنيه سو بوا التابعة لإقليم سين سان دوني في منطقة إيل دو فرانس، التي شهدت أعمال شغب وعنف بعد اعتداء الشرطة الفرنسية على الشاب تيودور لوهاكا المعروف باسم تيو (22 عاماً)، في الثالث من فبراير/ شباط من عام 2017. فراحت الأمهات هناك ينظّمن دوريات ليلية يمنعن من خلالها أبناءهن من الخروج والتظاهر.
صحيح أنّ فرنسا تعرف مثل تلك الحوادث منذ زمن طويل، وتشهد وقوع شبّان ضحايا لذلك النوع من "الحروب"، إلا أنّ المستجدّ هو تصويرها وبثّها على شبكات التواصل الاجتماعي، مع كلّ ما يمكن أن تثيره من انفعالات ومن رغبة في نقلها ومحاكاتها، وكذلك في الانتقام. ولا يبدو أنّ السلطات الأمنية الفرنسية في وارد القضاء عليها جذرياً أو العثور على حلّ ناجع لإيقافها، ويتّضح ذلك من خلال تصريح للمتحدث باسم الحكومة الفرنسية بنجامين غريفو الذي لم يجد حلاً سوى تشييد 20 مركزاً تربوياً مغلقاً تُضاف إلى المراكز المماثلة المتوفّرة البالغ عددها 50.
بين العصابة والجماعة
لا ينجح أهالي الفتيان والشبان الذين يتورّطون في ذلك النوع من "الحروب"، في تقديم تفسيرات حول الأسباب الحقيقية وراء دفع أبنائهم إلى المواجهة التي يعرفون مسبقاً أنها قد تكلّفهم حيواتهم. ثمّة من يرى أنّ ابنه وقع تحت تأثير زعيم مجموعة، كما هي حال جمال بن شريف، بينما يذهب آخرون أبعد في اعترافاتهم، فيقرّون بأن الاتجار بالمخدّرات ليس بعيداً عن المشكلات. جواد الرحماني واحد منهم، ويشرح أنّ "مجموعة تروّج للمخدرات لا ترغب بالتأكيد في منافسة مجموعة أخرى في مكان تأثيرها. وهو ما يزيد من حدّة التوتر".
تجدر الإشارة إلى أنّ الشرطة الفرنسية، ولا سيّما بعض نقاباتها، ونقابة "قوة عماليّة" تحديداً، تميّز بين أمرَين مختلفَين هما المجموعة والعصابة. وتوضح النقابة أنّ العصابة هي أكثر تنظيماً من أيّ مجموعة، إذ إنّ للعصابة رئيساً وأعضاءً منظّمين وهدفاً محدداً، وهي تستخدم أسلحة هجومية وحربية أحياناً من أجل الدفاع عن مكان تأثيرها وعن تجارة ما، قد تكون مخدّرات أو سلاحاً أو غير ذلك. لكنّ ما نراه اليوم والذي ينتشر أكثر فأكثر، يُعَدّ "معارك شبه مجانية". قد يأتي ذلك لسبب بسيط، من قبيل سرقة دراجة هوائية أو هاتف ذكيّ أو إغواء فتاة. وهذه المعارك بين الجماعات لا تخلو من عنف، فتخلّف ضحايا، بين قتلى وجرحى. ولعلّ أكثر الأسلحة المستخدمة عادة هي القضبان الحديدية والسكاكين، إلى جانب أخرى بالتأكيد تختلف طبيعتها.
عائلات قلقة
لا تخفي عائلات من أصول عربية اضطرارها إلى ترحيل أبناء لها إلى بلدانها الأصلية لبعض الوقت، خوفاً من انتقام قاتل أو من اعتقال قد يطول. فتلك العصابات والجماعات الخارجة عن السيطرة، قد تكون موجودة في المدارس الإعدادية والثانوية، وهو ما تعترف به الدولة الفرنسية نفسها. إذاً، تجد العائلات أنّ الأمور أفلتت من بين أيديها، ولا سيّما أنّ المدارس تبدو عاجزة عن أداء دورها التربوي الرئيس، فتحاول بذل جهود تفوق أحياناً طاقتها وتسجّل أبناءها في مؤسسات تعليمية خاصة حيث الصرامة والمتابعة، على سبيل المثال. وهو ما يرتب عليها نفقات كبيرة جديدة، بالإضافة إلى أنّ بعض تلك المؤسسات تكون في مناطق بعيدة عن سكنها.
عائلة جواد المحجوبي على سبيل المثال، اضطرت إلى إنفاق أكثر من خمسة آلاف يورو سنوياً على ابنَيها، بعد تسجيلهما في مدرسة مستقلة (خاصة). يقول المحجوبي إنّه وزوجته لاحظا "كيف راحت تتغيّر ألفاظ ابنَينا وكيف راحا يتقاعسان عن أداء واجباتهما المدرسية، قبل أن يهبط مستواهما، علماً أنهما كانا في السابق مجتهدَين". يضيف أنّ "مدير المدرسة استدعانا حينها بحجّة أن أحد ابنَينا يمارس بعض العنف، إذ إنه يتطاول على المدرّسة ويسخر منها". واتخذت العائلة قرارها باستبدال المدرسة.
من جهته، يعترف رشيد العثماني بأنّ سلطته على أبنائه ليست كما كانت سلطة والده عليه في الماضي. يقول: "أبناؤنا لا يسمعوننا ويفعلون ما يرغبون فيه"، مشيراً أنّ "المساجد تؤدّي دورها كما يجب، لكنّ تأثيرها لا يتعدّى الجمهور الذي يرتادها". يضيف العثماني أنّ "الأئمة يُشددون في عظاتهم ودروسهم على التربية واحترام الآخر، خصوصاً الآباء وكبار السنّ والجيران وغيرهم، وكذلك على واجب الاندماج عن طريق التحصيل والعلم والمعرفة واكتساب المهارات".
أما الحلّ بحسب ما يقول الباحث جمال الحمري لـ"العربي الجديد"، فهو "يكمن في منطقة وسطى ما بين فرض السلطات هيمنتها وبين توفير الدولة وسائل مناسبة للمدرِّسين والمربّين. لكن قبل كل شيء، لا بدّ من توفير الشغل للعاطلين من العمل في تلك الأحياء التي أنهكتها البطالة وتخلّت الدولة عنها على مدى عقود، حتى صار كثيرون يرون أنها تقع في خارج الجمهورية".