الضحية القادمة للقمع

21 يناير 2016
5 سنوات مرت على الثورة المصرية (فيسبوك)
+ الخط -
خمس سنوات مرت على الثورة المصرية انتهت بأن صعدت الثورة المضاده فيها إلى الحكم مرة أخرى، لكنها تدير شؤون البلاد والعباد بأسوأ كثيراً مما كان يقوم به نظام المخلوع، حسني مبارك، الذي كنا نعتبره شديد السوء، خصوصاً في انتهاكات الشرطة والتعذيب، وعلى الرغم من أن شرارة 25 يناير انطلقت، في يوم عيد الشرطة المصرية، نتيجة انتشار التعذيب والقتل في أقسام الشرطة كحادثة خالد سعيد وسيد بلال، إلا أننا اليوم لدينا في مصر تقريباً كل أسبوع من يسقط من التعذيب، لكن دون أن تقوم من أجلهم ثورات... حتى الآن.


بعد 3 يوليو/ تموز، كان هدف النظام السياسي الجديد الذي يحاول التشكل هو قمع قيادات الإخوان، حتى يضمن نجاح الانقلاب، لكن القمع تطور مع الزمن فأصبح يشمل قطاعات أوسع من الإسلاميين ثم كل من يعارض الانقلاب العسكري ومسار 3 يوليو السياسي، وفي تطور مدى القمع وقوته فإنه أصبح يصل إلى حلفاء النظام من الشباب والسياسيين الذين أيدوه في بدايته، فأدخل النظام الجديد الشباب الذين أيدوه في بدايته السجن بسبب قانون التظاهر أو بأسباب مصطنعة، وهذا دعا بعضهم إلى الانسحاب من المعركة لأن المجال العام قد تم تأميمه، أو القبول بفكرة الحاكم المتغلب الذي يجب علينا طاعته، لكن هذا لم يفد في إيقاف القمع.

أخيراً، قامت الشرطة بقتل الطبيب الشاب محمد محمود عوض، أثناء خروجه من المسجد لأنها كانت تريد القبض عليه، لكن القبض على الطبيب الشاب تحول إلى عملية قتل خارج القانون نفذتها قوات الشرطة، حيث وُجد في جثته طلقتان في صدره وكتفه، حسب التقرير الطبي الخاص بالطبيب، لم تكن هذه أول مرة يقتل فيها طبيب على أيدي رجال الشرطة، ففي شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قامت قوات الشرطة بالقبض على الصيدلي، عفيفي حسن عفيفي، من صيدليته في مدينة الإسماعيلية، لكن أهله استلموا جثته في اليوم التالي من مستشفى الإسماعيلية الجامعي، التى قالت إنه توفي نتيجة أزمة قلبية، ليست هذه حوادث فردية كما تزعم الداخلية المصرية، فمنظمة "هيومن رايتس مونتور" رصدت في تقرير أصدرته في 4 أغسطس/ آب من العام الماضي 41 حالة اختفاء قسري في يناير/ كانون الثاني الماضي، و62 في فبراير/ شباط، و60 في مارس/ آذار، و114 في أبريل/ نيسان و216 في مايو/ أيار، التقرير ذكر، أيضاً، أن عدد حالات الاختفاء القسري في النصف الأول من العام الماضي اشتمل على 23 سيدة، 56 قاصراً، و128 طالباً وطالبة، لم تكن حصيلة القمع هذه تخص الإخوان والإسلاميين وحدهم، بل إنها اتسعت لتشمل أي مواطن قد يوقعه حظه العاثر تحت آلة قمع النظام.

وكجريمة شبيهة بما حدث لخالد سعيد من قبل، فقد قامت قوات الشرطة بقتل المواطن طلعت شبيب تعذيباً في قسم شرطة الأقصر في منتصف الليل بعد أن كانت قد قبضت عليه قبلها بساعات قليلة من على مقهى كان يرتاده، قال أهله إنهم شاهدوا آثار التعذيب على جثته. تحولت هذه الواقعه الى قضية شغلت الرأي العام بسبب ما قام به الأهالي من التجمهر والمطالبة بالتحقيق فيما جرى، وتقديم من تسبب في قتل طلعت إلى القضاء والذي يجب أن يحكم عليه بالقتل وإلا فإن أهله لن يقبلوا بحكم المحكمة، وسيكون عليهم أخذ حقهم بيدهم كما قالت أمه في برنامج مانشت على قناة "أون تي في" مع جابر القرموطي، لم تكن هذه هي الواقعة الوحيدة التى شغلت الرأي العام، أيضاً واقعة اعتقال إسراء الطويل، من وسط البلد ثم صور عرضها على النيابة والقضاء وهي مصابة، جعلت منها مادة إعلامية لفترة طويلة، حتى حصلت على إفراج صحي مع وضعها في إقامة جبرية تحت إشراف الجهات الأمنية، وحتى وقت كتابة هذه السطور فإن الباحث، إسماعيل الإسكندراني، لا يزال في السجن بتهمة الانتماء إلى جماعة محظورة على الرغم من أن الإسكندراني كان معروفاً بهجومه الشديد على جماعة الإخوان المسلمين، لكن هذا لم يشفع له لدى الدولة عند القبض عليه، ولم يشفع لحسن القباني عضو نقابة الصحافيين، والصحافي المتخصص في الشأن القضائي، طلب محاميه عرضَه على الطبيب الشرعي للكشف على آثار التعذيب التى تعرض لها نتيجة اختفائه القسري فترة قبل ظهوره أمام النيابة، وتم تجاهل هذا الطلب، وحتى أنس السلطان، أحد مؤسسي مدرسة شيخ العمود وهي مؤسسة علمية ثقافية، وليس لها أنشطة سياسية أو حزبية تعرض للاعتقال هو وإخوته بعد مداهمة قوات الأمن الوطنى منزله.

تبرير الدولة هذا القمع شبيه بمنطق هوبز لدور الدولة/ الوحش "اللفيثيان"، فبدلاً من أن ندخل في حرب أهلية فإنه على الدولة أن تحتكر العنف والسيادة من أجل تحقيق الأمن، لأنه في غياب هذا الدور للدولة سيدخل الجميع في حرب ضد بعضهم بعضاً"حرب الكل ضد الكل وسينتشر العنف والقتل بين الناس، وعنف الدولة بهذا الشكل يصبح مبرراً عند المواطنين، طالما قامت به الدولة - وليس الأفراد - ولأنه كان من أجل تحقيق الأمن - الذي هو مقدم على الحرية - وكان باسم السيادة الوطنية - حتى لو كان على حساب إزهاق روح إنسان -، وقد كان الناس فيما مضى عندما يقتل مواطن مواطناً آخر لأي سبب فإن الناس كانت تغضب وتثور ضد هذا القتل، أما اليوم، فإن الدولة لو قتلت ألف مواطن على الأقل في 6 ساعات أو قتلتهم أثناء القبض عليهم أو في أقسام الشرطة أو لأي سبب كان، فإن جزءاً من الشعب سيعتبر هذا انتصاراً لدور الدولة ويرقص مغنياً "تسلم الأيادي"، لكن منطق الدولة/ الوحش هذا لم يقض على العنف بل خلق نوعاً جديداً بديلاً عن عنف الأفراد، وهو عنف الدولة، وهكذا، لو استمر بنا الحال على هذا المنوال من تزايد عنف الدولة في مصر وصمت المواطنين فإنه في المرة القادمة ربما سيكون قارئ هذا المقال هو ضحية القمع التالي، وسيقول صديق له - قبل أن يعلم اسم الضحية - تعليقاً على خبر مقتله: تسلم الأيادي.

(مصر)
المساهمون