مع ارتفاع حرارة فصل الصيف وانقطاع الكهرباء لفترات طويلة تصل إلى 16 ساعة يومياً، في أغلب مدن شمال وغرب العراق الخارجة من محنة الحرب والتهجير، تعود مهن قديمة إلى الواجهة، ويكثر باعة الثلج وصانعو أواني الفخار والمراوح اليدوية من النخيل.
ومن المهن التي تنتعش خلال هذه الفترة بيع الثلج، إذ ينشط آلاف العاملين فيها داخل معامل صناعته، قصد بيعه وتوزيعه على الباعة الذين يصطفون في الشوارع وعلى الأرصفة للترويج لبضاعتهم وكسب مقابل مادي يومي.
أحمد عمر (23 عاماً) واحد من باعة الثلج، يقول لـ"العربي الجديد" إنّه يجني من عمله نحو 20 ألف دينار يومياً (نحو 18 دولاراً)، ويعتبر ذلك "خيراً من الله" ومبلغاً يمكنه من سداد نفقات بيته.
وعن برنامج عمله يوضح: "أذهب فجر كل يوم إلى المعمل، وهناك أنتظر ساعة أو أكثر إلى أن يحين دوري وأشتري الثلج، بعد ذلك أحمله في سيارة أجرة وأنزل به إلى الرصيف وأغطيه ببطانيات قديمة، وأحمل معي منشاراً للتقطيع حسب طلب الزبون".
ويضيف "يتراوح سعر الثلج المفلتر (ماء معقم) بين 5 إلى 6 آلاف دينار، أما غير المفلتر المصنوع من ماء الحنفية، فلا يتجاوز 3 آلاف دينار، ولا يمكن تمييز ذلك إلا بعد ذوبانه بالكامل، فإذا ترك في قاع الوعاء شوائب وأتربة فهو غير مفلتر، وإذا لم يترك شيئاً فهو نقي، والناس على هذا الأساس تفاضل بين البائعين والمعامل كذلك".
أما وليد عبد الحميد (38 عاماً) يسكن في الرمادي وهو سائق شاحنة نقل ثلج، فيقول لـ"العربي الجديد": "كنت قبل أحداث 2014 (اجتياح داعش لمدن عراقية عدة) أعمل في مصنع لحام خاص لكنه دمر بالقصف، فاشتريت سيارة وأعمل حالياً في نقل الثلج كحلقة وصل بين المعمل والبائع على الرصيف".
ويضيف: "الخراب والدمار ساهما في بروز هذه المهنة بعدما كانت مقتصرة على مواقع البناء حيث يأتون بالثلج للعمال هناك، لكن الآن كل منزل فيه برميل متوسط الحجم يذهب رب الأسرة فجراً يشتري قالب ثلج ويرميه فيه فيكون مصدراً لشرب الماء في هذا الحر القاتل".
الحملات الخيرية التي تنظم في بعض مدن العراق، باتت هي الأخرى توزّع الثلج على المواطنين في المنازل والمخيمات، وفقاً للشيخ محمد عدنان الذي يرى أنّ "أفضل الصدقات هذا الصيف هو قالب ثلج لعائلة لا تجد ماءً بارداً تشربه".
ويضيف، لـ"العربي الجديد"، "الحكومة تكذب ولم يأخذ الناس منها غير التصريحات، وبعض وسائل الإعلام شريكة في اللعبة، فهي تنقل للناس ما تعرف أنّه كذب"، ويتابع "الثلج أيضاً صار معيار رفاهية فالفقير لا ينظر هل هو من ماء مفلتر أم من الحنفية، وهل هو صالح لأطفالهم الرضع أم لا وآخرون صاروا يأخذون المفلتر ويعتبرون ذلك ترفاً".