أفتحُ كرّاسة معزوفة موسيقيّة، وبصعوبة أحاول قراءة النوتات الراقصة على خطوط متوازية. معرفتي بسيطة جداً بهذه اللغة، وأستطيع التمييز ما بين الـ "دو" والـ "فا" والـ "مي". لكنّني لا أعرف إذا كانت كلاسيكية أو حديثة، راقصة أو هادئة، بخلاف الحروف التي أقرأها والتي أرسمها لأصنع من خلالها كلمات، ثم أحوّلها إلى قصيدة أو قصّة، وربّما إلى بيان سياسي.
حين أختار الحروف وأجمعها، تتحوّل إلى نصّ أعكس فيه حبّي للتفاصيل. اللوحات أو الشوارع أو المشاعر أو الأحلام وغيرها الكثير. هذا أمر يختلف عن الموسيقى والنوتات المائلة. لا تكفيني قراءتها المعقدة، بل يجب أن أسمعها لأستعيد حالة اللاوعي وأرقص أو أسترخي أو أقبل على العمل. أضيف إلى اللحن كلمات، لتصير "أغنيتنا" الخاصة، بخلاف الموسيقى الجاهزة والكلام الجاهز اللذَين يفرضهما علينا الشاعر والمؤلف الموسيقي. أحياناً، يكون "التناغم" الذي يظنّان أنّهما صنعاه منفراً، مثل عناصر كثيرة من حولنا.
بعيداً عن القراءة، حاولت مرّة الاستماع إلى كتاب صوتي، بسبب انشغالي. لطالما خشيت أن يسبقني الوقت، وأردت استغلاله. شعرت بالملل، ولم أعد قادراً على التركيز لا على عملي ولا على الرواية.
وحين أستمع إلى الشعر، أفضّل أن يكون في الخلفية بعض الموسيقى، حتى لو لم تكن الموسيقى من اختياري. وإذا كنت أقرأ أو أرسم أو أعمل ربّما، أشغّل الموسيقى. بالنسبة إليّ، الألحان هي ذلك العالم الخلفي بل هي رفيقتي الدائمة.
جرت العادة أن أشرب قهوتي في الصباح، وأستمع إلى أغنيات السيّدة فيروز وموسيقى زياد الرحباني. هذا ليس بأمر خاص. كثيرون مثلي يمارسون هذا الطقس الصباحي. لكنّني تجرّأت ونقلت عادتي الصباحية تلك إلى المساء. لطالما شعرت بأنّ هذا سرّي، حتى أنّني رفضت أن أخبر أحداً بذلك، وكأنّني أرتكب خطأ بحقّ الصباح والقهوة والموسيقى. لاحقاً، تخطّيت خوفي الداخلي ليصبح ذلك الأمر طبيعياً، وانتقلت فيروز معي إلى أوقات تختلف عن تلك التي اعتدتها. فيروز ليست وحدها. فريق "البيتلز" و"أحمد عدوية" وآخرون راحوا يشاركونني جميعهم، قهوتي ورسمي وتنظيف منزلي.
وأعود مرّة أخرى إلى كرّاسة الموسيقى، وأختار لحناً من الألحان التي أدندنها بشكل مستمر مع بعض التعديلات. وأحاول قراءتها من جديد، لكن من دون جدوى. أعتقد أنّها من أجمل اللغات المكتوبة التي أحسد من يستمع إلى نوتاتها، بمجرّد النظر إلى مفاتيحها. "دو.. ري.. مي.. فا.. صول.. لا.. سي.. دو".
اقــرأ أيضاً
حين أختار الحروف وأجمعها، تتحوّل إلى نصّ أعكس فيه حبّي للتفاصيل. اللوحات أو الشوارع أو المشاعر أو الأحلام وغيرها الكثير. هذا أمر يختلف عن الموسيقى والنوتات المائلة. لا تكفيني قراءتها المعقدة، بل يجب أن أسمعها لأستعيد حالة اللاوعي وأرقص أو أسترخي أو أقبل على العمل. أضيف إلى اللحن كلمات، لتصير "أغنيتنا" الخاصة، بخلاف الموسيقى الجاهزة والكلام الجاهز اللذَين يفرضهما علينا الشاعر والمؤلف الموسيقي. أحياناً، يكون "التناغم" الذي يظنّان أنّهما صنعاه منفراً، مثل عناصر كثيرة من حولنا.
بعيداً عن القراءة، حاولت مرّة الاستماع إلى كتاب صوتي، بسبب انشغالي. لطالما خشيت أن يسبقني الوقت، وأردت استغلاله. شعرت بالملل، ولم أعد قادراً على التركيز لا على عملي ولا على الرواية.
وحين أستمع إلى الشعر، أفضّل أن يكون في الخلفية بعض الموسيقى، حتى لو لم تكن الموسيقى من اختياري. وإذا كنت أقرأ أو أرسم أو أعمل ربّما، أشغّل الموسيقى. بالنسبة إليّ، الألحان هي ذلك العالم الخلفي بل هي رفيقتي الدائمة.
جرت العادة أن أشرب قهوتي في الصباح، وأستمع إلى أغنيات السيّدة فيروز وموسيقى زياد الرحباني. هذا ليس بأمر خاص. كثيرون مثلي يمارسون هذا الطقس الصباحي. لكنّني تجرّأت ونقلت عادتي الصباحية تلك إلى المساء. لطالما شعرت بأنّ هذا سرّي، حتى أنّني رفضت أن أخبر أحداً بذلك، وكأنّني أرتكب خطأ بحقّ الصباح والقهوة والموسيقى. لاحقاً، تخطّيت خوفي الداخلي ليصبح ذلك الأمر طبيعياً، وانتقلت فيروز معي إلى أوقات تختلف عن تلك التي اعتدتها. فيروز ليست وحدها. فريق "البيتلز" و"أحمد عدوية" وآخرون راحوا يشاركونني جميعهم، قهوتي ورسمي وتنظيف منزلي.
وأعود مرّة أخرى إلى كرّاسة الموسيقى، وأختار لحناً من الألحان التي أدندنها بشكل مستمر مع بعض التعديلات. وأحاول قراءتها من جديد، لكن من دون جدوى. أعتقد أنّها من أجمل اللغات المكتوبة التي أحسد من يستمع إلى نوتاتها، بمجرّد النظر إلى مفاتيحها. "دو.. ري.. مي.. فا.. صول.. لا.. سي.. دو".