منذ سنوات، يبذل القطاع الصناعي في تونس جهوداً ضخمة لزيادة نموه، وذلك برغم ما شهدته تونس منذ أربع سنوات من اضطرابات اجتماعيّة واقتصاديّة. ويقول الخبير الاقتصادي التونسي مصطفى الجويلي إنّ الصناعة تلعب دوراً حيويّاً في الحياة الاقتصاديّة في البلاد من حيث طاقتها التشغيليّة ومردوديّتها الماديّة. إذ تبلغ مساهمتها في الناتج القومي الخام 28.6%، إضافة إلى 34% من نسبة التشغيل من السكان الناشطين حسب النشرة الصادرة عن المعهد التونسيّ للإحصاء لسنة 2013.
ويعود تطوّر هذا القطاع إلى أواخر التسعينيات بعد توقيع تونس اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي. حينها، شرعت تونس بداية عام 1996 بتنفيذ برنامج التأهيل الصناعي الذي يهدف إلى إعادة هيكلة وتحديث الصناعة وتعزيز القدرة التنافسية للمؤسسات التونسية. كما تم إطلاق برنامج التحديث الصناعي في 2003 الذي يرمي إلى دعم القطاع الخاص من خلال الحصول على التمويل. وذلك، فضلاً عن التحكم في التقنيات اللامادية، أي الإدارة والابتكار والتطوير والتسويق وطريقة الإنتاج.
ويضيف الجويلي أنّ "المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في البلدان النامية تعتبر من العناصر الفاعلة والمؤثرة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك نتيجة لمرونة هياكلها وقدرتها على التكيف مع متغيرات السوق وخاصة الحفاظ على الوظائف".
واقع القطاع بالأرقام
كل هذه الصفات جعلت المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وفق الجويلي، تحظى بمكانة بارزة في السياسة الصناعية التونسيّة التّي جعلت منها سياسة اقتصاديّة رسميّة من خلال التشجيع المادي واللوجيستي من الدولة لمثل هذه المشاريع.
وتتوزّع الصناعات التونسيّة على العديد من القطاعات وعلى امتداد المجال الجغرافيّ للبلاد، كما جاء في شهادة المشرفة على محاضن المؤسّسات في وكالة النهوض بالصناعة، سناء الخميري. وبحسب الأخيرة، بلغ عدد المؤسسات 602.2 ألف وحدة إنتاج في سنة 2011. ويمثل القطاع غير المهيأ (الصناعات الخفيفة) نسبة 96.9٪ من النسيج الصناعي، بينما بلغ عدد مؤسسات القطاع المهيأ (الصناعات الثقيلة) 17.6 ألف وحدة إنتاج، منها 14.9 ألف مؤسسة صغيرة، وهو ما يمثل 2.5٪ من إجمالي المؤسسات.
وبصرف النظر عن القطاع غير المهيأ، تمثل المؤسسات الصغرى والمتوسطة 95.6٪ من القطاع المهيأ، بينما تمثل المؤسسات الكبرى 4.4٪ (806 وحدات إنتاج).
وتضيف الخميري في حديثها لـ "العربي الجديد"، أنّه بغضّ النظر عن حجم المؤسسة، يتواجد أكثر من ثلث القطاع الصناعي في منطقة تونس الكبرى . وفي القطاع غير المهيأ، فإن 35.3٪ من المؤسسات تتواجد في منطقة تونس الكبرى و 23.6٪ في الوسط الشرقي و 13.4 ٪ في الشمال الشرقي.
أما في ما يخص القطاع المهيأ، فإن تواجد المؤسسات كان بدرجة أولى في منطقة تونس الكبرى بنسبة 45٪ وفي الوسط الشرقي بنسبة 30.6٪ وفي الشمال الشرقي بنسبة 13.1٪.
التحديات والمشكلات
وبرغم المراهنة الحكوميّة منذ الثمانينيات على القطاع الصناعيّ، إلاّ أنّ القطاع الاستراتيجي يعاني العديد من المشكلات التي تمنع استثمار كل إمكاناته لتطوير الاقتصاد الوطني. ويفسر الخبير الاقتصادي عبد الرحمن الهديلي لـ "العربي الجديد"، أوجه القصور في تفاوت التوزيع الجغرافي للقطاع الصناعي لصالح العاصمة والمناطق الساحليّة بغضّ النظر عن حجم المؤسّسات الصناعيّة. ويعود ذلك، وفق الهديلي، إلى غياب المؤهلات الاستثمارية مثل البنية التحتية في المناطق خارج العاصمة، إضافة إلى بعض المشكلات المتعلقة بالتشريعات والتسهيلات الإدارية الاستثمارية.
كما يعزو الهديلي تراجع الاستثمارات في القطاع الصناعيّ إلى تراجع السلطات العموميّة عن الاستثمار في المجال الصناعيّ. ويلفت إلى وجود تقصير يظهر من خلال التفاوت الحاد بين مستوى البنى التحتية الصناعية وانتشارها على الصعيد المناطقي، ممّا حدّ من قدرة القطاع الصناعيّ على التنويع، واقتصاره تقريباً على المؤسّسات الصغرى. ويشرح الهديلي "هذه المؤسسات وإن لعبت دوراً مهمّاً في الحدّ من البطالة ودفع عجلة النموّ، إلاّ أنّ الاقتصاد المتين لا يمكن أن يبنى إلاّ على المؤسّسات الكبرى ذات الطاقة التشغيليّة الكبيرة".
أمّا فيما يتعلق بالتشريعات الخاصّة بالقطاع الصناعيّ، يقول مدير مصنع لإنتاج الغرانيت والإسمنت، مراد بن صخيرة، إنّ "مسألة التشريعات الخاصّة بالاستثمار ما زالت تمثّل عائقا أمام تطوير القطاع الصناعيّ". ويضيف: "ما زالت القوانين الخاصّة بالاستثمار الصناعي عاجزة عن حلّ مشاكل عدّة، كإهدار آلاف المليارات من المال العام في امتيازات مالية وجبائية ما زلنا نجهل مردوديتها. إضافة إلى تحويل وجهة الامتيازات والتهرب من دفع الضرائب وغير ذلك".
كذلك، يضيف بن صخيرة "لا يوجد حسم حتّى هذه اللحظة في مشروع مجلّة الاستثمار الجديدة التي تمّ سحبها من المجلس التأسيسي عقب خلافات حادّة بين أصحاب المؤسّسات من جهة والحكومة من جهة أخرى. وهو ما يجعل المشهد الصناعيّ في تونس منفّراً للاستثمارات الخاصّة. خصوصاً أنّ لا علامات تدلّ على سرعة عودة الاستقرار السياسيّ والاقتصادي في الأمد المنظور".
ويعود تطوّر هذا القطاع إلى أواخر التسعينيات بعد توقيع تونس اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي. حينها، شرعت تونس بداية عام 1996 بتنفيذ برنامج التأهيل الصناعي الذي يهدف إلى إعادة هيكلة وتحديث الصناعة وتعزيز القدرة التنافسية للمؤسسات التونسية. كما تم إطلاق برنامج التحديث الصناعي في 2003 الذي يرمي إلى دعم القطاع الخاص من خلال الحصول على التمويل. وذلك، فضلاً عن التحكم في التقنيات اللامادية، أي الإدارة والابتكار والتطوير والتسويق وطريقة الإنتاج.
ويضيف الجويلي أنّ "المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في البلدان النامية تعتبر من العناصر الفاعلة والمؤثرة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك نتيجة لمرونة هياكلها وقدرتها على التكيف مع متغيرات السوق وخاصة الحفاظ على الوظائف".
واقع القطاع بالأرقام
كل هذه الصفات جعلت المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وفق الجويلي، تحظى بمكانة بارزة في السياسة الصناعية التونسيّة التّي جعلت منها سياسة اقتصاديّة رسميّة من خلال التشجيع المادي واللوجيستي من الدولة لمثل هذه المشاريع.
وتتوزّع الصناعات التونسيّة على العديد من القطاعات وعلى امتداد المجال الجغرافيّ للبلاد، كما جاء في شهادة المشرفة على محاضن المؤسّسات في وكالة النهوض بالصناعة، سناء الخميري. وبحسب الأخيرة، بلغ عدد المؤسسات 602.2 ألف وحدة إنتاج في سنة 2011. ويمثل القطاع غير المهيأ (الصناعات الخفيفة) نسبة 96.9٪ من النسيج الصناعي، بينما بلغ عدد مؤسسات القطاع المهيأ (الصناعات الثقيلة) 17.6 ألف وحدة إنتاج، منها 14.9 ألف مؤسسة صغيرة، وهو ما يمثل 2.5٪ من إجمالي المؤسسات.
وبصرف النظر عن القطاع غير المهيأ، تمثل المؤسسات الصغرى والمتوسطة 95.6٪ من القطاع المهيأ، بينما تمثل المؤسسات الكبرى 4.4٪ (806 وحدات إنتاج).
وتضيف الخميري في حديثها لـ "العربي الجديد"، أنّه بغضّ النظر عن حجم المؤسسة، يتواجد أكثر من ثلث القطاع الصناعي في منطقة تونس الكبرى . وفي القطاع غير المهيأ، فإن 35.3٪ من المؤسسات تتواجد في منطقة تونس الكبرى و 23.6٪ في الوسط الشرقي و 13.4 ٪ في الشمال الشرقي.
أما في ما يخص القطاع المهيأ، فإن تواجد المؤسسات كان بدرجة أولى في منطقة تونس الكبرى بنسبة 45٪ وفي الوسط الشرقي بنسبة 30.6٪ وفي الشمال الشرقي بنسبة 13.1٪.
التحديات والمشكلات
وبرغم المراهنة الحكوميّة منذ الثمانينيات على القطاع الصناعيّ، إلاّ أنّ القطاع الاستراتيجي يعاني العديد من المشكلات التي تمنع استثمار كل إمكاناته لتطوير الاقتصاد الوطني. ويفسر الخبير الاقتصادي عبد الرحمن الهديلي لـ "العربي الجديد"، أوجه القصور في تفاوت التوزيع الجغرافي للقطاع الصناعي لصالح العاصمة والمناطق الساحليّة بغضّ النظر عن حجم المؤسّسات الصناعيّة. ويعود ذلك، وفق الهديلي، إلى غياب المؤهلات الاستثمارية مثل البنية التحتية في المناطق خارج العاصمة، إضافة إلى بعض المشكلات المتعلقة بالتشريعات والتسهيلات الإدارية الاستثمارية.
كما يعزو الهديلي تراجع الاستثمارات في القطاع الصناعيّ إلى تراجع السلطات العموميّة عن الاستثمار في المجال الصناعيّ. ويلفت إلى وجود تقصير يظهر من خلال التفاوت الحاد بين مستوى البنى التحتية الصناعية وانتشارها على الصعيد المناطقي، ممّا حدّ من قدرة القطاع الصناعيّ على التنويع، واقتصاره تقريباً على المؤسّسات الصغرى. ويشرح الهديلي "هذه المؤسسات وإن لعبت دوراً مهمّاً في الحدّ من البطالة ودفع عجلة النموّ، إلاّ أنّ الاقتصاد المتين لا يمكن أن يبنى إلاّ على المؤسّسات الكبرى ذات الطاقة التشغيليّة الكبيرة".
أمّا فيما يتعلق بالتشريعات الخاصّة بالقطاع الصناعيّ، يقول مدير مصنع لإنتاج الغرانيت والإسمنت، مراد بن صخيرة، إنّ "مسألة التشريعات الخاصّة بالاستثمار ما زالت تمثّل عائقا أمام تطوير القطاع الصناعيّ". ويضيف: "ما زالت القوانين الخاصّة بالاستثمار الصناعي عاجزة عن حلّ مشاكل عدّة، كإهدار آلاف المليارات من المال العام في امتيازات مالية وجبائية ما زلنا نجهل مردوديتها. إضافة إلى تحويل وجهة الامتيازات والتهرب من دفع الضرائب وغير ذلك".
كذلك، يضيف بن صخيرة "لا يوجد حسم حتّى هذه اللحظة في مشروع مجلّة الاستثمار الجديدة التي تمّ سحبها من المجلس التأسيسي عقب خلافات حادّة بين أصحاب المؤسّسات من جهة والحكومة من جهة أخرى. وهو ما يجعل المشهد الصناعيّ في تونس منفّراً للاستثمارات الخاصّة. خصوصاً أنّ لا علامات تدلّ على سرعة عودة الاستقرار السياسيّ والاقتصادي في الأمد المنظور".