هدأت الحرب قليلا بعدما سيطرت قوات حكومة الوفاق المعترف بها دوليا على معظم مناطق غرب البلاد، في ظل تقهقر مليشيات شرق ليبيا تحت قيادة الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، إلا أن حربا أخرى ازدادت اشتعالا في جبهة الصراع للسيطرة على حقول النفط والغاز المصدر الرئيسي للإيرادات المالية في البلاد.
ويبدو أن الأطراف المحلية والدولية المختلفة تسرّع الخطى من أجل رسم خريطة جديدة للسيطرة على منابع ثروات الذهب الأسود في ليبيا.
وتستحوذ مليشيات حفتر على الهلال النفطي، بما فيه جميع حقول النفط والموانئ النفطية الأربعة، وهي السدرة، راس لانوف، البريقة، الزويتينة، إضافة إلى ميناء الحريقة بمدينة طبرق، أقصى الشرق.
لكن المنطقة الغربية أو ما يعرف بإقليم طرابلس، الخاضعة حاليا للجيش الليبي التابع للحكومة الشرعية، تسيطر على ميناءين نفطيين، وهما الزاوية ومليتة، وثالث عائم هو ميناء غزة، وعلى أنبوب وحيد في البلاد لتصدير الغاز، فضلا عن حقلين بحريين للنفط والغاز، وحقل الحمادة الحمراء النفطية.
وتمتلك ليبيا احتياطات ضخمة من الغاز الطبيعي تبلغ 55 ترليون قدم مكعبة، وتملك المنطقتان الغربية والجنوبية أكثر من 68 بالمائة من إنتاج هذه المادة في البلاد.
لكن هذه الاحتياطات غير مستغلة بالشكل الكافي، بسبب قلة الاستثمارات المحلية والأجنبية، نظرا لتركيز البلاد على النفط، الذي تملك البلاد منه أكبر احتياطي في أفريقيا، فضلا عن الأوضاع الأمنية.
أطراف دولية وإقليمية
وفي ظل الصراع المحتدم والمتشابك حول ثروات النفط والغاز، تتطلع الأطراف الإقليمية والدولية إلى دور بارز في رسم خريطة ثروات الذهب الأسود، وفي مقدمتها الأمم المتحدة.
وفي الوقت الذي تتجه فيه تركيا للحصول على عقود استكشاف وتنقيب للنفط، تسعى كل من إيطاليا وفرنسا إلى الدخول في معادلة الاستثمارات بقطاع الطاقة لكي يكون لها مكان في خريطة النفط الجديدة التي يحاول أن يشارك في رسمها العديد من الأطراف.
وكانت مصادر من داخل حكومة الوفاق الوطني الليبية، قد كشفت أخيرا، لـ"العربي الجديد"، عن مقترح بشأن إعادة تصدير النفط عبر ترتيبات جديدة بمشاركة بعثة الأمم المتحدة. وأوضحت المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، أن الآلية الجديدة المقترحة تدرس ضمانات لتوزيع الأموال على مختلف أنحاء البلاد من دون إعطاء تفاصيل بشأن كيفية توزيعها.
ويأتي ذلك على أثر إغلاق الحقول بسبب الحرب وجفاف الإيرادات المالية، إذ تمثل عائدات النفط نحو 95% من إجمالي الإيرادات المالية للبلاد، حسب بيانات رسمية.
وأكدت مؤسسة النفط الليبية، أخيرا، أنّ إجمالي خسائر إغلاق الموانئ والحقول النفطية يقترب من 6 مليارات دولار، بعد 157 يوماً من الإغلاق القسري.
تداعيات تدهور النفط
وحسب مراقبين، تحدثوا لـ"العربي الجديد"، فإن الحرب والصراع على النفط انعكسا سلبا على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وهي الورقة التي تلعب بها مختلف الأطراف من أجل الضغط للحصول على أكبر مكاسب سياسية ومالية ممكنة تساعدها على تحقيق انتصارات عسكرية والسيطرة أكثر على ثروات النفط والغاز.
ومن جانبه، قال المستشار الاقتصادي السابق لمصرف ليبيا المركزي، محمد أبوسنينة، إن توقف استخراج النفط وتدهور صادراته وأسعاره مع تبعات جائحة كورونا طاولت كافة أوجه النشاط الاقتصادي، بالإضافة إلى توقف منظومة الاستيراد خلال الأشهر الأولى من عام 2020.
وأشار إلى تراجع معدل نمو القطاع الاقتصادي غير النفطي وتدني مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما سينعكس سلبا على معدل النمو الاقتصادي خلال العام 2020، ويدفع الاقتصاد الليبي نحو وضع الركود التضخمي.
وأوضح أن البلاد بحاجة إلى برنامج إنقاذ اقتصادي عوضًا عن مجرد برنامج للإصلاح لتجنب استنزاف احتياطيات الدولة من النقد الأجنبي لدى المصرف المركزي، في ظل تواصل الصراع على النفط وتوقف إيراداته.
وإذا استطاع الجيش الليبي التابع للحكومة الشرعية تحرير إقليم فزان بشكل كامل، وتأمين منشآت النفط والغاز، فبإمكان اقتصاد البلاد إعادة الوقوف على رجليه، بانتظار تحرير الهلال النفطي وكامل البلاد، خاصة إذا تمكن من ضخ استثمارات أكبر في قطاعي الغاز والنفط، وجذب استثمارات أجنبية لاستغلال احتياطاته الضخمة من المحروقات ناهيك عن اكتشاف آبار جديدة.
وقال رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب محمد الرعيض، لـ"العربي الجديد"، إن إقفال موانئ وحقول النفط جريمة يعاقب عليها القانون، لأن الذهب الأسود قوت الشعب الليبي، محذرًا من وضع اقتصادي سيئ في حال استمرار توقف الحقول لفترة طويلة.