الصحراء وإيران تشعلان السياسة في المغرب

09 مايو 2018
السفارة الإيرانية في الرباط (فاضل سنّا/فرانس برس)
+ الخط -

تجمع الأحداث الخارجية الطارئة خصوصاً المتعلقة بالوحدة الترابية أو استقرار المغرب، الأحزاب المغربية بكل أطيافها أكثر مما تفرقها، إذ تحتشد للدفاع عن الصحراء أو لتأييد المواقف الرسمية بشأن العلاقات الخارجية، فيما تختار أحزاب قليلة الصمت أو إبداء مواقف لا تجاري دائماً المواقف الرسمية للدولة.

ووحّد قرار المغرب قطع علاقاته مع إيران بسبب ما قال إنها "أدلة تورط حزب الله اللبناني بشأن تدريب عناصر جبهة البوليساريو" المطالبة بانفصال الصحراء عن سيادة المغرب، العديد من الأحزاب والأطياف السياسية بالبلاد، بين من أيد القرار من دون نقاش، وبين من اختار الصمت في انتظار "اتضاح الصورة أكثر".

حزب "العدالة والتنمية" عبر زعيمه ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني، أيد بقوة قرار قطع الرباط علاقاتها مع طهران، وقال إن "هذا القرار ينم عن صرامة وحزم للدولة في اتخاذ قراراتها باستقلالية وسيادية ضد كل من تسول له نفسه المس باستقرار المغرب، أو الإضرار بالوحدة الترابية للبلاد".

واعتبر الحزب أن "قرار قطع علاقات المغرب مع إيران مستند أساساً إلى معطيات استخباراتية، وأنه موقف صارم لكل محاولة تستهدف الملف الخلافي بين جارين (المغرب والجزائر) لغايات مرتبطة بملفات الشرق الأوسط".

حزب الاستقلال الذي اختار صف المعارضة أخيراً ثمن قرار المغرب قطع علاقاته مع إيران، وأكد رفضه القاطع لتدخلات إيران وحزب الله اللبناني في الشؤون الداخلية للمملكة، معتبراً أن "الدعم العسكري والفني الذي تقدمه إيران للبوليساريو يعتبر عملاً معادياً للوحدة الترابية للمغرب".

من جهته، شدّد حزب الحركة الشعبية المشارك في الحكومة على تأييده التام لقرار المغرب السيادي والمشروع لقطع علاقاته الدبلوماسية مع الجمهورية الإيرانية وإغلاق سفارتها بطهران، مشيراً إلى أن "أمن وسلامة المغرب ووحدته الترابية خط أحمر، لا يقبل أي شكل من أشكال غض الطرف أو التساهل مع أي جهة متآمرة، مهما كانت المصالح الدبلوماسية أو الاقتصادية".



أحزاب سياسية أخرى لم تعلن مواقفها الرسمية من قطع المغرب علاقاته مع إيران، وهو ما فسره مراقبون إما بتوجه هذه الهيئات السياسية نحو التريث وعدم التسرع وانتظار مآلات القرار، أو بأن هذه الأحزاب غالباً لن تخرج عن الإجماع السياسي بشأن "السيادة الوطنية".

وهكذا لم يبد حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، ثاني حزب في الانتخابات التشريعية الأخيرة، موقفاً رسمياً من القرار المذكور، مكتفياً بإعلان أنشطته وفعالياته الداخلية ومؤتمراته الجهوية، غير أن مراقبين رأوا أن "الأصالة والمعاصرة لا يمكن إلا أن يؤيد قرار القطيعة مع إيران، لكونه قرارا سياديا وصمام أمان لاستقرار المغرب أمام مناورات إيران والجزائر".

وينشغل الأصالة والمعاصرة أكثر بوضعه الداخلي الذي يصفه قياديون من داخل الحزب نفسه بأنه لا يؤشر على خير، خصوصاً في خضمّ اقتراب موعد عقد دورة استثنائية للمجلس الوطني للحزب، والمرتقب أن تشهد الحسم النهائي في استقالة زعيم الحزب إلياس العماري من القيادة.

جماعة العدل والإحسان، أكبر منظمة إسلامية معارضة لسياسة الدولة، لم تُعلّق على قرار الرباط قطع علاقاتها مع طهران، واكتفت بالاهتمام بالملفات الداخلية تحديداً المقاطعة الشعبية لعدد من المواد الاستهلاكية، وغلاء الأسعار، والاحتجاجات في جرادة، وفي الملفات الخارجية اهتمت بمستجدات الاعتداء على فعاليات مسيرة العودة بغزة.



مراقبون اعتبروا أن عدم تماهي "الجماعة" مع قرار المغرب قطع علاقاته مع إيران، هو من باب وضعها مسافة معينة كل مرة بينها وبين توجهات الدولة في السياسة الخارجية، لاعتبارها في عقيدتها السياسية، أن "الدبلوماسية، خصوصاً الملفات الحساسة كالصحراء والعلاقات الدولية، هي مجال حكر على القصر الملكي".

وعزوا استنكاف العدل والإحسان عن تأييد قرار مقاطعة إيران بسبب ما قالت الرباط إنه "تورط واضح لحزب الله في تدريب عناصر البوليساريو"، إلى "امتلاك الجماعة علاقات طيبة مع حزب الله وإيران، التي تعتبرها الجماعة نموذجاً راقياً للدولة الإسلامية المعاصرة".

وعوض مواكبة حدث قطع علاقات المغرب مع إيران، اهتمت العدل والإحسان أكثر بالانشغالات والأحداث الداخلية، بدليل عدم إشارتها من قريب أو بعيد إلى موضوع إيران وحزب الله، فيما انكبت أكثر على ملف مقاطعة شراء الحليب والتزود بوقود إحدى الشركات العائدة إلى زعيم حزب الأحرار، عزيز أخنوش، معتبرة أن "ما يعانيه الشعب من إفقار هو مولود طبيعي لزواج السلطة بالثروة".

نفس الاختيار تقريباً انتهجه الحزب الاشتراكي الموحّد، الحزب اليساري المعارض، عندما لم يتطرق في بلاغاته ولا مواقف قياداته إلى موضوع إيران، لكنه بالمقابل اعتنى بلقاءات حزبية في عدد من جهات البلاد. كما واكب ملف مقاطعة مواد استهلاكية، ودعا أخيراً إلى تشكيل جبهة شعبية ضاغطة لفضح من سماهم المفسدين في اتجاه التغيير.

قضية الصحراء أيضاً وحّدت العديد من أحزاب الأغلبية والمعارضة داخل البرلمان في المغرب التي اعتبرت هذه القضية "قضية وجود وليست قضية حدود"، مع ظهور أصوات منفردة اختارت مواقف مختلفة، إذ إنه رغم اختلاف العدل والإحسان والاشتراكي الموحد بشأن قضايا الإنصاف والمساواة بين الجنسين، لكنهما متفقان بشأن رؤيتهما طريقة تدبير المغرب لملف الصحراء.

وفيما تنتقد العدل والإحسان ما تسميه "التدبير الانفرادي لملف الصحراء، وتغييب الشعب وقواه السياسية عن هذه القضية التي تحتاج إلى حوار وطني حقيقي تشارك فيه هذه القوى لتقييم السياسات المتبعة"، يربط الاشتراكي الموحد بين "مواجهة تحديات ملف الصحراء وتحقيق انفراج سياسي داخلي وتصفية الأجواء الداخلية في البلاد".