"أكثر من سلطة للقمع"، هي ما يمكن أن يلخّص وضع الصحافة وحريّة التعبير في مصر، في ظل محاولة الدولة السيطرة على كافة وسائل الإعلام وتبني تشريعات لتقنين الانتهاكات.
"108 انتهاكات لحريّة الصحافة والإعلام، 169 انتهاكًا لحريّة التعبير الرقمي، و44 انتهاكًا لحريّة الإبداع"، ذلك ما وثقته مؤسّسة حريّة الفكر والتعبير في تقريرها حول الربع الثاني من عام 2017، في الفترة من إبريل/نيسان، وحتى يونيو/حزيران.
المواقف شديدة العداء لحريّة التعبير تبنّاها أعضاء مجلس النوّاب أيضًا، سواء على مستوى الاقتراحات الخاصة بالقوانين كـ"قانون الجريمة الإلكترونية واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي" أو التعتيم على مضمون مسوّدة قانون تنظيم الصحافة والإعلام. خلال الفترة التي رصدها التقرير شُكّل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، إلا أنه نصّب نفسه جهة رقابية جديدة لحريّة التعبير والرأي في مصر.
تشريد الصحافيين
كان حجب المواقع على رأس انتهاكات تلك الفترة بواقع 75 موقعًا إخباريًا، فضلًا عن 16 حالة منع من العمل، و7 اعتداءات بدنية وإصابات للعاملين في الصحافة. لم تكن الرقابة من قبل الدولة فقط، لكنّها امتدت للمؤسّسات الصحافية التي فرضت نوعًا من الرقابة على العاملين فيها ضدّ مواقفهم السياسية، وهو ما حدث بعد صدور عدد من قرارات الفصل التعسّفية لعدد من العاملين بالجرائد والمواقع الإخبارية المملوكة لرجل الأعمال المصري أحمد أبو هشيمة، على خلفية ممارسة حقّهم في التعبير عن رأيهم الشخصي ووجهات نظرهم السياسية عبر حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.
الواقعة كانت في 26 يونيو/ حزيران 2017 باستدعاء 4 صحافيين وإبلاغهم بأنهم ينتقدون الرئيس بشكلٍ علني عبر حساباتهم الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي، وتوقيعهم على بيان ضمّ 1600 صحافي آخرين لإدانة ورفض موقف الحكومة المصرية من توقيع اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية، وعقابًا على ذلك طلب رئيس التحرير منهم التوقيع على إجازة بدون راتب لمدّة عام، إلا أنهم رفضوا، لتعلن الإدارة فصلهم عن العمل. وفي بيان وقعت عليه 8 منظمات حقوقية، أكّدت أن هناك قرائن عدة تثبت أن المناخ العام والإرادة السياسية أصبحت أكثر عداءً للحق في حريّة التعبير، وحريّة الصحافة.
محاولات مراقبة الإنترنت
رغم أن الإنترنت ما زالت المساحة الأخيرة لحريّة التعبير في مصر، إلا أن محاولات الدولة للسيطرة عليها لم تتوقّف، خاصّة مع قدوم السلطة الحالية؛ وذلك بالسعي للحصول على برمجيات مراقبة يُمكن أن تستخدمها أجهزة الأمن، وتقديم مقترحات من قبل أعضاء مجلس النوّاب بمشروعات قوانين لتجريم ممارسات اعتيادية لمستخدمي الإنترنت، وهو ما ظهر في حجب 133 موقعًا إخباريًا دون وجود أي قرار رسمي معلن من أي جهة حكومية حتى الآن.
لم يكتف أعضاء مجلس النواب بمحاولتهم تقييد الحقوق الرقمية من خلال قانون الجريمة الإلكترونية، ولكن امتد الأمر للشبكات الاجتماعية في إبريل/ نيسان 2017، حيث قدّم أحد النوّاب مشروع قانون يُلزم الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بإنشاء موقع إلكتروني يحتوي على نموذج لتسجيل بيانات الراغبين في الحصول على ترخيص باستعمال وسائل التواصل الاجتماعي، وقدّم نائب آخر قانونًا يُلزم مستخدمي الشبكات بدفع مبلغ مالي لقاء استخدامهم فيسبوك.
56 انتهاكًا رصدتها "حريّة الفكر والتعبير" لعدد من الضحايا على خلفية استخدامهم شبكات التواصل الاجتماعي، تعرّضت 55 حالة منهم للملاحقات الأمنية والقضائية على خلفية نشاطهم الرقمي، وخضعت الحالة الأخيرة لتحقيق إداري.
خطوط حمراء
عكست حالة حريّة الإبداع في التقرير سعي النظام لتشكيل فكر المواطنين بما يتماشى مع سياساته باستخدام مجموعة من "الخطوط الحمراء"، كان أبرزها الدين والسياسة والجنس، في ما يعرف بثلاثية الأخلاق العامة، لتستمرّ حريّة الإبداع في اتجاهها نحو الانحدار، ما أكد نيّة أجهزة الدولة في استكمال حربها على كل منفذ ومساحة جديدة لتكوين الرأي والتعبير عنه.
الأمر تطوّر من منع الإعلانات في العام الماضي بدعوى عدم احترامها للذوق العام والتقاليد، ليتحوّل الآن إلى فرض غرامة مالية قدرها 200 ألف جنيه على القنوات الفضائية، و100 ألف جنيه على الإذاعات، بقرار من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لكل لفظ يرى أنه "بذيء" أو يخرج عن الآداب العامة.
وكنتيجة لسنوات من عداء الدولة لحريّة الإبداع وترسيخها لضرورة الرقابة من خلال منظومتها الأخلاقية، ظهرت الرقابة المجتمعية برفع دعاوى قضائية وبلاغات ضدّ 15 شخصًا بسبب أعمالهم الفنية بتهم ازدراء الدين الإسلامي والمسيحي والدعوى للمثلية الجنسية والإشارة لمهن معينة.
استكملت الأجهزة الأمنية في مصر قمعها بمعادات فن الغرافيتي، حيث ألقت القبض على رسام غرافيتي واتهمته بإتلاف المال العام والكتابة على الجدران بدون ترخيص رغم عدم وجود تصريح يسمّى رسم الجداريات، حيث رصد التقرير 44 انتهاكًا لحرية الإبداع، من بينها 24 قرارًا قضائيًا ضدّ مبدعين و11 حالة منع ومصادرة لإعمال فنية و11 حالة حذف وتعديل على المحتوى الفني.