أجمعت صحف عالمية الأحد، على أنّ شبح خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب حضر في مجزرة إل باسو في تكساس، التي راح ضحيتها 20 شخصاً، في هجوم تشتبه الشرطة بوجود دوافع عنصرية وراءه. وحدثت المجزرة في المدينة الواقعة على الحدود مع المكسيك، التي يشكّل الناطقون بالإسبانية نحو 85% من سكانها.
مهاجمة المهاجرين سمة ثابتة
وذكّرت صحيفة "واشنطن بوست"، بأنّ ترامب استخدم منبره المتنمّر بلا هوادة، من أجل التنديد بقسوة بالهجرة اللاتينية، باعتبارها "غزواً لبلدنا" على حدّ وصفه، كما قام بتصوير المهاجرين غير الشرعيين على أنّهم "سفاحون" و"حيوانات". كذلك، دافع ترامب عن احتجاز الأطفال المهاجرين، الذين بقي المئات منهم في ظروف سيئة، وحذر من أنّه من دون جدار يمنع الناس من عبور الحدود من المكسيك، فإنّ أميركا لن تبقى أميركا.
وأشارت الصحيفة إلى خطاب لترامب في فلوريدا، قال فيه: "كيف توقف هؤلاء الناس؟ لا يمكنك ذلك"، لافتة إلى أنّ أحد الحاضرين صرخ قائلاً: "أطلق النار عليهم"، فهلّل الحضور ابتهاجاً، وابتسم ترامب. ورأت أنّه، بعد مذبحة جماعية أخرى، لم يعد السؤال الذي يحيط بالرئيس هو ما إذا كان سيردّ كما فعل الرؤساء السابقون من قبل، بل أصبح السؤال حول ما إذا كانت كلماته قد ساهمت في هذه المذبحة أم لا.
ولفتت الصحيفة إلى أنّه منذ بدء ترامب سباقه نحو البيت الأبيض قبل أربعة أعوام، كانت لغته المناهضة للمهاجرين سمة ثابتة ومحدّدة في حملته، وأصبحت كذلك في رئاسته. وأشارت إلى أنّ غياب نبذه للقومية البيضاء عزّز من مكانتها، خلال ولايته.
وفي وقت لم تعلن فيه السلطات في إل باسو عن دافع في ما سموه عملاً إرهابياً داخلياً، إلا أنّ في صلب تحقيقاتها بيان معادٍ للهجرة، يعتقد المسؤولون أنّ مطلق النار نشره قبل وقت قصير من تنفيذه المذبحة، لكنّ التحقيق مستمرّ.
ويعكس بيان منفذ المجزرة باتريك كريسيوس، يحمل عنوان "الحقيقة المزعجة"، لغة الحركة القومية البيضاء، بما فيها تحذير من "غزو لاتيني لتكساس". وتتماشى أيديولوجية كريسيوس مع أيديولوجية ترامب، لدرجة أنّه قرر إنهاء البيان بتوضيح أنّ آراءه سبقت حملة ترامب عام 2016، واعتبار إلقاء اللوم عليه بمثابة "أخبار مزيفة"، وهي عبارة شهيرة لترامب.
وفي وقت سيجيب التحقيق في الأيام المقبلة عن مدى ارتباط دافع مطلق النار في إل باسو بخطاب ترامب، أكد قادة ديمقراطيون الأحد، أنّ ديماغوجية ترامب تجعله مذنباً بشكل واضح.
ويقول عضو الكونغرس السابق عن إل باسو، والمرشح للرئاسة الأميركية بيتو أورورك، إنّه من المناسب وصف ترامب بأنّه قومي أبيض، مشيراً إلى أنّ خطابه يذكرنا بألمانيا النازية.
ويضيف في حديث إلى "سي إن إن"، إنّ ترامب لا يتسامح فقط مع ما يحصل، بل يشجعه أيضاً، بوصفه المهاجرين المكسيكيين بالمغتصبين والمجرمين، محذراً من غزو على حدودنا، وساعياً لحظر كلّ الأشخاص من دين واحد، و"الناس يستجيبون لهذا"، وفق قول أورورك.
وتشير "واشنطن بوست" إلى أنّ مذبحة إل باسو كانت بالنسبة إلى الخبراء على الأرض متوقّعة، لافتة إلى أنّ الرئيس السابق لمكتب مكافحة التجسس في مكتب التحقيقات الفدرالي، فرانك فيغليوزي، كتب قبل أربعة أيام في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أنّ كلمات ترامب قد تحرّض في نهاية المطاف على إراقة الدماء. وقال إنه إذا كان الرئيس يصوّر الأشخاص الملونين على أنّهم "العدوّ"، ويشجع على إعادتهم إلى حيث أتوا، فإنّه بذلك يمنح غطاءً لمن يشعرون بأنّ عليهم القضاء على ما يصفه ترامب بالغزو.
إرهاب الرجل الأبيض
ذهبت صحف أوروبية للربط بين تصريحات ترامب المتتالية عن المهاجرين من أميركا اللاتينية، ومواقفه عموماً من غير البيض، وذلك العمل الإرهابي. وللمرة الأولى باتت بعض تلك الصحف تدعو المواطنين إلى "التعود على خبر: إرهاب الرجل الأبيض"، وفقاً لما ذكرت "دير شبيغل" وغيرها من صحافة شمال أوروبا.
وفي السياق، ذكرت صحيفة إنفارماسيون الدنماركية تحت عنوان لافت "الجاني في إل باسو تحدث عن خشيته من (غزو الأميركيين اللاتينيين) تماماً مثل دونالد ترامب" أن "مانيفستو المهاجم القادم من دالاس الذي نشره على موقع 8chan، برر فعلته بأنها ردة فعل على اجتياح اللاتينيين لتكساس. وفي الحقيقة، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحدث في مناسبات عدة عن غزو الأميركيين اللاتينيين للبلد".
ونقلت الصحيفة الدنماركية عن الأستاذة في جامعة كوبنهاغن، المتخصصة بالخطاب السياسي، ليزا ستورم فيلادسن، أنه "يمكن رؤية رابط بين السجال عن المهاجرين في فترة حكم ترامب وعمليات القتل في إل باسو". وبالرغم من أن الأكاديمية، فيلادسن تقول إنه "ثمة صعوبة للقول بأنه هناك علاقة نسبية مباشرة، إلا أنه ما من شك أنّ الأمرين مترابطان (التصريحات والسجال والعملية الإرهابية الأخيرة)".
وترى فيلادسن أن جزءاً من الجمهوريين وترامب يلعبان بورقة رابحة حين يتحدثون عن "غزو لاتيني"، "فهو يقولونه صراحة latino invasion، وفي مثل هذا التعبير تكمن الكثير من منطلقات الخطاب العنصري الذي يزدهر في حركة "ألترايت" أو اليمين البديل في الولايات المتحدة الأميركية".
وكمتخصصة في الخطاب السياسي تنقل الصحيفة، إنفارماسيون، عن ليزا ستورم فيلادسن أن عديد الساسة الأميركيين باتوا يتحدثون بشكل غير منطقي، "فهم يربطون بين مشاكل المجتمع ومجموعة بشرية معينة، وهذا يعني ضمناً أنه في حال اختفت تلك المجموعة السكانية فسيكون كل شيء رائعاً. وبمعنى آخر فهذا تسطيح وتبسيط باستخدام خطاب ايجاد أكباش فداء، وهو ما يقوم به الرئيس (الأميركي دونالد ترامب) لنيل إعجاب الناس (من مؤيديه)".
تشير صحيفة إنفارماسيون إلى "خطر كبير ربطاً بما حدث في إل باسو". فعندما يستخدم دونالد ترامب تعبير "غزو" فهذا تعبير مرتبط بلغة عسكرية، "وهو يعني ترجمة لقول أن أميركا تحت الهجوم، وحين يكون القاتل أميركياً أبيض وضد اللاتينيين، فأنت لست فقط أمام جريمة كراهية".
وتشرح أستاذة الخطاب السياسي فيلادسن، أن حديث ترامب عن رفض الكراهية ينبع من صعوبة تبرير العمل، ورده إلى أن "من قام به شخص بائس فقير ويعاني اضطراباً عقلياً، كما عادة التبرير، لكون مرتكب المذبحة تحدث بنفسه عن دوافع سياسية وعنصرية، وهو يشابه فعلاً الكثير من الخطب الرنانة للرئيس (دونالد ترامب) نفسه".
الربط بين خطابة ترامب وتنفيذ مذبحة إل باسو تشير إليه إنفارماسيون أيضاً، من زاوية شيوع فكرة "الغزو/ الاجتياح" في مانيفستو، المهاجم وإشادته أيضاً بما قام به منفذ مذبحة المسجدين في نيوزيلندا، "وهي المذبحة التي بررت أيضاً بفكرة وقف غزو المهاجرين، التي كثيراً ما كررها ترامب ومناصروه".
وتنقل إنفارماسيون عن كبير الباحثين في "مركز التعليم والتربية الرقمي" في الدنمارك كريستيان موينزن، أن المشكلة ليست في وجود موقع إلكتروني "ايتشان8chan" بل في وجود سياسيين مرتبطين بحركة "ألترايت"، الذين يتواصلون ويتعاطون بشكل متخف حتى لا يتم التعرف إلى من يكونون. ويرى موينزن أن "المقلق في هذا الموقع هو قيام مرتاديه بتنفيذ ما يعبرون عنه بالكلام على أرض الواقع، وبهذا المعنى يصبح الأمر خطيراً".
ترى إنفارماسيون أن الخطاب السياسي العنصري أصبح "أمراً عادياً على الساحة السياسية الأوروبية والدنماركية عند نواب منتخبين، وهؤلاء يرددون شعارات مقيتة عن غزو واجتياح الأجانب، وحين يقوم سياسي منتخب باستخدام هذه الخطابة فبالتأكيد ستتعزز مكانة التطرف ومنها حركة ألترايت التي ترى في خطابهم (السياسيين المنتخبين) تأكيداً على صحة ما يعتقدون".
ويرى موينزن أن هذا ما يجري في أميركا بخطاب ترامب، الذي يؤدي إلى تعزيز موقع المتطرفين، "فهؤلاء حين يخرجون إلى التنفيذ يهدفون إلى جذب المزيد من التعاطف بين الشعب بدل البقاء فقط على موقع إلكتروني مثل ايت شان، فرئيسهم دونالد ترامب بنفسه يتحدث عن أن غزواً يجري الآن، وإذاً فهم ملزمون بالقيام بشيء ويعتبرون أنفسهم على حق". ويضيف موينزن: "في الواقع ينظر هؤلاء إلى خطاب ترامب خطاباً رومانطيقياً، ومن ثم ينظرون إلى أنفسهم كثوريين رومانسيين في حركة مقاومة".
أوروبا تحت تهديد الإرهاب
من ناحيتها ذهبت مجلة "دير شبيغل" الألمانية، اليوم الإثنين، في تغطيتها للعملية الإرهابية في إل باسو إلى وصفها بأنها "مذبحة إرهابية"، تشير إلى أن الوضع الجديد "أمام إرهاب على يد البيض، فليس المستهدف سوى غير البيض، ما يذكرنا مرة أخرى بمانيفستو إرهابي آخر ينضم إلى بيان منفذ مذبحة المسجدين في نيوزيلندا في مارس الماضي، ويعيدنا إلى مانيفستو الإرهابي النرويجي أندرس بريفيك القاتل لـ77 شخصاً في معسكر شبابي ليسار الوسط"، وتشير "شبيغل" إلى أنه "سنكون مضطرين إلى الاعتياد على نوع جديد من الإرهاب: رجل شاب أبيض، كما في ألعاب الكومبيوتر لديه رغبة بقتل أكبر عدد من الناس، وهذا الإرهاب يحركه التطرف اليميني الجديد القائم على أيديولوجية التفوق العرقي الأبيض والخوف من عدم البقاء بفكرة جنونية عما يسمونها (خطط إنعاش)".
وتشير المجلة اليوم الإثنين إلى أنه حتى أوروبا باتت تعيش هذا النوع من الإرهاب، "ففي 2016 عشنا في ألمانيا أيضاً هذه التجربة بقيام دافيد سنوبلي بعملية إطلاق نار مستهدفاً في مطعم ماكدونالدز في ميونخ مجموعة أشخاص ذوي أصل مهاجر، وهو ما يشير إلى أن هذه الأيديولوجية وصلت مبكراً أيضاً إلى ألمانيا".
وفي السياق، تستعيد شبيغل ما تعرض له السياسي فالتر لوبكه من إعدام على يد يميني متطرف في يونيو الماضي، "فهو أيضاً سقط ضحية لعنف اليمين القومي المتطرف".
وتطالب المجلة الساسة، "أخذ الأمر المتعلق بإرهاب البيض بنفس درجة الخطورة التي يصدر فيها عن مسلمين، فاليمين القومي المتطرف وتطرف السياسيين يدفع باتجاه مثل هذا العنف". وتشير في هذا الاتجاه إلى الأفكار التي يبثها السياسي وزعيم حزب البديل لأجل ألمانيا ألكسندر غاوتلاند، فهو يتحدث عن "تبديل السكان في أكثر من مناسبة، ويستعرض نظرية المؤامرة بأن البيض يتعرضون لمؤامرة إنهاء من خلال هجرة غير البيض".
وفي الولايات المتحدة يتعرض الآن دونالد ترامب لضغوط هائلة، بسبب تصريحاته وخطابه المعادي والعنصري ضد من هم غير بيض وبالأخص ضد عضوات كونغرس منتخبات، فلم يقم (الرئيس الأميركي) يوماً بأي تنديد تقريباً للعنصريين البيض، فما هي مسؤولية الرئيس إذاً؟".