الصحافة الإيرانية: هل بدأ الخروج من النفق؟

20 سبتمبر 2014
عادت الصحف الإصلاحية إلى الازدهار (عطا كناري/فرانس برس/GETTY)
+ الخط -

انتهى عهد الرئيس الإيراني المحافظ، محمود أحمدي نجاد، وقَلَّ مع الوقت السجال الحاد حول حريّة الصحافة الذي شغل الإيرانيين مطولاً، بسبب الأمل الذي علّقه كثيرون على حكومة الرئيس، حسن روحاني. هذا الأخير، رفع شعاراتٍ جديّة في حملته الإنتخابية لفتح المجال أمام الصحافيين من جديد، بعد ثماني سنوات من الحدّ من حريّة الصحافة في البلاد.
لكن هل فعلاً تبدّل المشهد؟ وهل وصل الصحافيون إلى ما يطمحون إليه في ما يتعلّق بحرية العمل الإعلامي؟ في ما يلي مقارنة بسيطة بين العهدَين.

زمن نجاد... الأسوأ


بالنسبة لقسم كبير من الصحافيين فإن الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد يتحمّل المسؤولية الأكبر لما آلت إليه أوضاع الصحافيين المتردية في طهران اليوم. فحكومته لم تتحمل الانتقادات الموجهة إليها من قبل الإعلام. ولا يزال عدد من الإعلاميين والصحافيين يتناولون هذا الموضوع حتى اليوم. ففي عهده تمّ إغلاق صحف كثيرة ولمرات عدة. ومن هذه الصحف، صحيفة "شرق" الإصلاحية التي أُغلقت مرة بسبب رسم كاريكاتوري انتقد الحكومة، أو إغلاق صحيفة "شهروند امروز"، كونها نشرت حواراً مع الرئيس السابق للبنك المركزي الذي قدم استقالته وقام بانتقاد الحكومة بحدة. فضلاً عن صحف أخرى أيضاً. كما تم حجب مواقع عدة لأسباب شبيهة، فبررت حكومة نجاد الأمر بالقول إن "بعض الأفراد يريدون إثارة النعرات في البلاد".
طبعاً توثّق الجمعيات المدافعة عن الحقوق الصحافيين والمدوّنين عشرات حالات الاعتقال التعسفي، بسبب التعبير عن الرأي. وقد انتعشت القبضة الحديدية للأمن الإيراني، بعد إعادة انتخاب نجاد في العام 2009، وتشكيك المعارضة بالنتيجة. اعتقل العشرات، حقق معهم وسجنوا، او سجنوا حتى من دون تحقيق. وتمّ اتّهام بعض الصحافيين بخلق النعرات وإثارة الفتن في البلاد، إبّان احتجاجات عام 2009.
 بل أسوأ من ذلك، كانت إيران أول من شرّع أحكام الإعدام بحقّ ناشطين إلكترونيين. فصدرت أحكام مشابهة بحق كل من: سعيد مالكبور، وفاهد اصغري، أحمد رضا هاشمبور، ومهدي عليزاده...  في خطوة جعلت الرئيس محمود أحمدي نجاد يصنّف من ضمن قائمة "صيّادي الصحافيين"، وهي القائمة التي تعدّها منظمة "مراسلون بلا حدود" وتضمّ قائمة الرؤساء والجهات التي تعتقل وتقتل الصحافيين. وخلال حكم نجاد تراجع ترتيب إيران في حرية الصحافي إلى المراتب العشرة الأخيرة في العالم.
هذه عينة صغيرة من التضييق على العمل الصحافي والنشاط الإلكتروني خلال عهد نجاد. أما في العهد الحالي، فإن حسن روحاني، يبدو كمن يحاول الإبحار وسط بحر من المحافظين.


حسن روحاني: محاولات الانفتاح؟

ومع وصول روحاني إلى سدّة الرئاسة، عادت شخصيات إعلاميّة كثيرة إلى الساحة، وانتعشت صحف إصلاحيّة، وتمّ فتح وسائل إعلاميّة ومكاتب لصحف محليّة جديدة أبصرت النور. ولا يزال كثيرون، ولاسيّما من المنتمين للتيار الإصلاحي يُطالبون بفتح المجال أكثر أمام العمل الإعلامي، في الوقت الذي لا يزال فيه عدد من الصحافيين رهن الإعتقال في إيران. ولعلّ أبرز الحالات هي اعتقال الصحافيين الصوفييين، وإصدار أحكام بالسجن ضدّهم، ما اضطرّهم للدخول إلى إضراب عن الطعام، بدأ يهدّد صحتهم، وسط تجاهل رسمي تام. وكانت منظمات حقوقية عدة، دعت السلطات الإيرانية إلى نقل المضربين إلى المستشفى لمراقبة حالتهم الصحية... إلا أن كل الجهات الإيرانية الرسمية تجاهلت هذا النداء العاجل.
وخلال عهد روحاني أيضاً تعرّض المصوران الصحافيان خليل إمامي وعباس عليبور لـ... الجلد بين 25 و50 جلدة بسبب انتقادهما لكابت صور صادر عن إحدى الجهات الرسمية الإيرانية. أيضاً وأيضاً وخلال الأشهر الأخيرة، صنّفت إيران كأكثر دولة تسجن الصحافيين النساء، والناشطين على الإنترنت.

وتطول اللائحة، لائحة التضييق على الصحافيين، المستمرة بنجاح كبير حتى الاسعة، بشكل جعل النظام القضائي مجتمعاً يعتبر نظاماً موجهاً ضدّ الصحافيين بشكل أساسي، وسيفاً ومصلتاً فوق رؤوسهم عند تخطيهم الحدود المرسومة لهم.
لكن رغم كل ذلك يبقى هناك تحسّن نسبيّ مقارنة بعهد محمود أحمدي نجاد. إلا أنّ المهمة أمام روحاني صعبة، بسبب وجود محافظين متشددين  في مراكز صنع القرار الهامة في إيران. وقد يعترض هؤلاء على فتح المجال أمام ما يعتبرونه "مخالفاً لسياسات الجمهورية الإسلامية ومهدداً لأمنها القومي".

عودة الصحف الإصلاحية؟

وحانت الفرصة اليوم لعودة الصحف الإصلاحية التي حققت مجداً لا نظير له في عهد الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي. ولاحظ كثر انتعاش الصحف المعتدلة المقربة من روحاني. ويحاول الصحافيون مراراً إيصال وجهة نظرهم للحكومة الحالية لتطوير المجال الإعلامي في إيران وللتخلص من التبعات التي سببها كل التضييق على وسائل الإعلام التي لم تكن محسوبة على الحكومة في عهد نجاد.
وكان روحاني قد اجتمع في وقت سابق مع عدد من الصحافيين، والمراسلين، ورؤساء تحرير صحف، ومجلات محسوبة على التيارات المختلفة في إيران، وأوصلوا للرجل وجهات نظرهم وهي الخطوة التي حسبت لصالح روحاني.
في هذا الاجتماع نقل رئيس نقابة الصحف الخاصة وغير الحكومية محمد علي وكيلي، لروحاني تأكيده على ضرورة تقريب المسافة بين الصحافيين والحكومة، معتبراً أنّ هذا الأمر ينجح بحالة تقبل الحكومة للانتقادات الموجهة لها. وطالب بتشكيل غرفة تتكون من أعضاء يمثلون الفريق الحكومي وصحافيين عن وسائل الإعلام المختلفة لتبادل الآراء فيما بينهم وهو ما سيساعد في الابتعاد عن الأجواء المتوترة.
من جهة ثانية قال رئيس تحرير مجلة "مهرنامه" محمد قوجاني إنه يجب استيعاب الصحافيين المحسوبين على كل التيارات. مشيراً إلى أن هؤلاء يعملون تحت ظل الجمهورية الإسلامية، والانتقادات هي حق لكل الصحافيين بل هي واجب عليهم.
لكن كل هذا الكلام يعكس أن الصحافة في إيران تبقى محسوبة على تيارات السياسة، إصلاحية كانت أم محافظة أم معتدلة، وهو ما يؤكد أن الصحافة المستقلة في البلاد قليلة. ولعل السبب الأساسي يعود لقلة موارد التمويل.

الصحف المحافظة: نحن هنا!

ومع انتعاش صحف الإصلاح، وتحرك بعض الصحافيين المستقلين نحو روحاني ليجدوا مكاناً بين وسائل الإعلام الإيرانية والحصول على تراخيص لصحفهم، إلا أن هذا لا يعني تراجع الصحف الأصولية المحافظة التي لا زالت تتربع على عرش التاثير على القراء.

لكن الحالة اليوم باتت على شكل شد وجذب بين الصحف المحافظة والإصلاحية، فبعض الصحف المتشددة تقف بالمرصاد لحكومة روحاني أيضاً، مثل صحيفة "كيهان"، أو حتى "رسالت". وكتبت "كيهان" في وقت سابق "يجب التمييز بين الحرية وبين ما ينشر على الملأ، فهناك بعض الصحف تتبنى خطاباً ليبرالياً وهو ما يتناقض والخطاب في الجمهورية الإسلامية. كل هذا يجعل مهمة الحكومة الحالية صعبة، ويترتب على روحاني فتح المجال أكثر والاهتمام بالصحف المستقلة والخاصة، كي يكسب غالبية الصحافيين.

 

المساهمون