بدأت تداعيات الخطوات الأمنية التي أعلن عنها "الكابينت" الإسرائيلي (مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغّر)، مطلع الأسبوع الحالي، تظهر على أرض الواقع في مدينة القدس المحتلة. ويتجلّى ذلك في الحصار المفروض على الأحياء الفلسطينية في المدينة، وتقييد حرية الحركة والتنقّل عند الفلسطينيين، في مقابل خلوّ شوارع ومراكز تجارية عدة في الشطر الغربي اليهودي من المدينة، بفعل الخوف الإسرائيلي. ويرى عدد من المحللين في الصحف الإسرائيلية، في ذلك، تقسيماً للقدس في عهد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.
وبالعودة إلى عام 1996 فقد تمكن نتنياهو، بصفته زعيماً لـ"الليكود" وأشدّ معارضي اتفاقيات أوسلو والتسوية مع الفلسطينيين، من الانتصار انتخابياً على رئيس الحكومة المؤقت شيمون بيريز، والذي خَلَفَ اسحق رابين في رئاسة الحكومة، بعد اغتيال الأخير في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1995. وانتصر نتنياهو في حينه، بفعل تسويقه بأن "بيريز سيُقسم القدس"، في وقتٍ يسعى فيه هو إلى "المحافظة عليها كعاصمة موحّدة وأبدية لإسرائيل".
كذلك استعان نتنياهو أيضاً في تلك الانتخابات بشعار عنصري، عندما قال إن "اليسار ينقل الناخبين العرب بكثافة في الحافلات إلى صناديق الاقتراع". ليستفيد بالتالي من تأييد حركة "حباد" الأرثوذكسية اليهودية الأصولية، والتي وصفت نتنياهو بـ"الجيّد لليهود".
وتتفق تحليلات الصحف الإسرائيلية على أن "الواقع الذي تشهده المدينة بعد نصب الحواجز العسكرية ونشر الكتل الإسمنتية على حدود خطوط التماس، بين الشطرين الشرقي والغربي، ليست في واقع الحال إلا إقرار بأن القدس، على الرغم من التصريحات الإسرائيلية الرسمية، غير موحّدة". وترى الصحف أن "القدس مدينة تفصلها حواجز مادية محسوسة ومرئية، كالكتل الإسمنتية وحواجز التفتيش العسكرية".
اقرأ أيضاً: موقع إسرائيلي: السلطة الفلسطينية تعتقل ناشطين للاشتباه بنواياهم تنفيذ عمليات
ووفقاً لسيما كدمون في "يديعوت أحرونوت"، فإن "القدس باتت أسيرة حواجز الخوف الداخلية، والحدود غير المرئية، التي سارع اليهود والعرب إلى استخراجها من الذاكرة وإعادة ترسيمها في أذهانهم، كبوصلة لهم في تحرّكهم. وهذا ما يُقسم المدينة في الممارسة الفعلية للفلسطينيين والإسرائيليين".
وفي هذا السياق، تأتي انتقادات كدمون لضمّ نحو 28 قرية فلسطينية إلى القدس، بما في ذلك تلك الأقرب إلى رام الله، كقرية كفر عقب، شمالي القدس، أو حي قلنديا، في مقابل ضمّ أحياء في الجنوب، مثل جبل المكبر وصور باهر وغيرها.
وتطرح كدمون فكرة إحياء خطة الوزير السابق حاييم رامون، والذي اقترح "التخلّص من هذه الأحياء البعيدة". وحتى لا يُطعن في صهيونيتها تلجأ كدمون إلى ادعاءات انتهازية مثل "مَن مِن اليهود في القدس زار مرة جبل المكبر أو رأس العامود أو مخيم شعفاط؟ ومن يعرف عنها شيئاً؟ وهل علينا دفع كل هذه الكلفة المالية، المتمثلة بمخصصات تأمين وطني وتأمين صحي لهذا العدد الهائل ومقابل ماذا؟".
لكن مسألة "تقسيم القدس" أو "التخلّص من الأحياء البعيدة"، يعني الإبقاء عملياً على القدس الحقيقية التي احتُلَّت عام 1967، والمُتاخمة بطبيعة الحال للشطر الغربي. وتُكشف كل هذه الدعوات التمهيد عملياً لواقع آخر، وهو الإبقاء على الأحياء المقدسية الأصيلة، والتي كانت جزءاً فاعلاً من القدس، قبل عام 1967، مثل وادي الجوز والشيخ جراح والمصرارة وغيرها، تحت قبضة الاحتلال، مع وجود عددٍ قليلٍ نسبياً من الفلسطينيين، يُمكن بالتالي السيطرة عليهم.
من جهته، يعتبر المعلق السياسي في "يديعوت أحرونوت" شمعون شيفر، في تعليقه على نشر القوات العسكرية في القدس ونصب الحواجز، أن "نتنياهو يُعيد تقسيم القدس خلافاً لتصريحاته". وإذا كانت الغاية من وراء التحليلات الصحافية إرباك نتنياهو ورد كيده ومزاعمه ضد بيريز ورؤساء حكومات اليسار، للقول بأن "الواقع في القدس سيفرض هذا التقسيم"، إلا أن الموقف العام لا يؤيد فكرة رفض احتلال 1967 أو إعادة الشطر الشرقي من المدينة إلى الجانب الفلسطيني، بل "ترشيد الاحتلال" وعملية الضمّ، للتخلّص من أكبر قدر ممكن من الفلسطينيين الذين ضمّهم الاحتلال مع أحيائهم قسراً.
في المقابل، كانت لافتة عودة بعض المحللين إلى تذكير نتنياهو والإسرائيليين، بمخاطر استمرار الوضع القائم والزحف الاستيطاني لوأد أي أمل بحلّ الدولتين. وفي هذا الصدد، رأى المحلل براك رافيد في صحيفة "هآرتس"، يوم الثلاثاء، أن "ما يحدث اليوم هو مجرد عيّنة من ثمن وملامح الدولة الثنائية القومية، وفقدان إسرائيل لطابعها اليهودي في حال تعطّل حلّ الدولتين كلياً وبتنا على عتبة دولة واحدة، إذ يكفي أن نرى مستقبل هذه الدولة من واقع القدس، مع وجود 370 ألف فلسطيني فيها، يُشكّلون 30 في المائة تقريباً من عدد السكان، فبعد سنواتٍ قليلة سيكون بمقدورهم انتخاب فلسطيني لرئاسة بلدية القدس؟".
اقرأ أيضاً: تجّار شارع الواد صامدون رغماً عن الاحتلال