تتقاسم قنوات تلفزيونية في أوروبا عادةً، تحوّلت مع السنوات إلى تقليد: في الأول من إبريل/ نيسان من كل عام تقدّم للمشاهد مقلباً أو كذبةً. هذا العام كسرت المحطات الأوروبية هذه العادة، فتفادت الكذب، معللة ذلك بانتشار عشرات الأخبار المزيفة والمضللة في زمن فيروس كورونا.
هذه الخطوة، على رمزيّتها، تكشف الدور الإيجابي الذي تلعبه وسائل الإعلام في شمال وغرب أوروبا، منذ انتشار وباء "كوفيد-19". إذ كشفت شركة "بيرلنغسكا" الإعلامية الدنماركية أن نظرة المواطنين الأوروبيين إلى إعلامهم حالياً "محترمة، تظهر ثقة متبادلة بين هذه الوسائل والمتلقي". وتضيف الشركة إلى أن "تصرف وسائل الإعلام الأوروبية بمسؤولية وبشكل لائق، وفقاً لدراسات حول القارة، تشير إلى أن الناس الآن يُقبلون أكثر نحو خدمات البث العام، مثل بي بي سي في بريطانيا، والصحافة المكتوبة الرصينة، أكثر من وسائل التواصل الاجتماعي، للحصول على معلومات موثقة وأكيدة، وربما أيضاً كتعويض عن حالة التباعد الاجتماعي المفروضة في بعض دول القارة".
الواقع الإيجابي هذا، يحاول حالياً رسم مستقبل الصحافة في أوروبا. فحتى الساعة نجحت أغلب وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة الرصينة في الموازنة بين المهنية من خلال تقديم الحقائق والاعتماد على المصادر الصحيحة، وبين التوعية من مخاطر والوباء. لكن أمام المشهد العام، شهد القراء بعض السقطات، التي ما لبثت المؤسسات أن استدركتها: التعامل مع الفيروس في الأيام الأولى على اعتباره "نزلة برد"، أو الترويج له كـ"فيروس صيني". وذهب بعضها، كما فعلت الصحيفتان الدنماركيتان "يولاندس بوستن" ذات التوجه اليميني، و"بوليتيكن"، الليبرالية، إلى نشر علم الصين واستبدال نجومه بأشكال الفيروس التاجي.
اقــرأ أيضاً
لكن في الوقت الذي تلعب فيه الصحافة الأوروبية دوراً استثنائياً في تغطية تفشي فيروس كورونا، عبّر البعض عن مخاوفه من أن تفقد دورها النقدي. الباحث في شؤون الإعلام في كوبنهاغن أنكر برينك كان واحداً من هؤلاء، إذ تخوّف من أن تتحوّل الصحافة الأوروبية "إلى ناقلة لكلام السلطة". الأمثلة على ذلك، طاولت بشكل خاص الصحافة الإيطالية والإسبانية، أي الدول التي شعرت بأن بلادها "تركت لتواجه مصيرها بنفسها". هنا تماهت الصحف مع خطاب السلطة. هذا ما فعلته مثلاً "كوريري ديللا سيرا" في بداية تفشي الوباء في إقليم لومبارديا، فتحولت إلى ما يشبه "ناطقة رسمية" باسم الحكومة في روما، صابةً غضبها على ساسة الاتحاد الأوروبي.
فالسجال حول دور وسائل الإعلام وقت الأزمات في أوروبا وقابلية أن تصبح أقل نقداً للسلطات، سجلتها دراسة دنماركية في موقع "فيدنسكاب"، المتخصص في التغطية الإعلامية وقت الأزمات الوطنية. وأوضحت الدراسة أن الإعلام الأوروبي "يصبح أقل نقدية في زمن
الأزمات".
هذا الكلام وغيره من المخاوف هو ما دفع مجلة "الصحافي" المتخصصة في شؤون الصحافة، الصادرة في الدنمارك، إلى تذكير الصحافيين بأنّ "الصحافة النقدية يجب أن تستمر حتى في أزمة كورونا".
"شبيغل أونلاين" الألمانية كذلك، وطيلة الأسابيع الماضية حاولت الموازنة بين الأزمة الأوروبية التي ظهرت مع تفشي الوباء، والحفاظ على المهنية طارحة أسئلة حول مستقبل حرية الصحافة في العالم.
التشبث إذاً بمكتسبات راكمتها الصحافة الأوروبية عبر قرن تقريباً، بينها التغطية النقدية وحرية التعبير، تضع أسس مستقبل هذه الصناعة في الحقبة التي ستلي فيروس كورونا. مكسب آخر هو الثقة التي بنتها هذه المؤسسة مع قاعدة قرائها المحليين ثمّ الأجانب. وازدادت مهمة الصحافة صعوبة مع تدفق الأخبار الكاذبة من كل أنحاء العالم. فوفقاً لخبراء هيئة مراقبة المعلومات في الاتحاد الأوروبي (EU East StratCom Task Force )، ووزارة الدفاع الهولندية، تجهد روسيا، أو المتعاطفون معها، في بث معلومات كاذبة ومضللة تستهدف بالأساس قيم الحريات والديمقراطية، بما فيها حرية الصحافة.
في التحذيرات الأوروبية من خطط موسكو للتلاعب بوسائل الإعلام الأوروبية، ودور الصحافة في كشفها، امتدت أصابع التحقيقات الصحافية الأوروبية إلى ألكسندر دوغين Alexander Dugin، رجل الكرملين في أوروبا الغربية. وهو ما أشار إليه موقع "الاتحاد الأوروبي في مواجهة الأخبار المضللة". وذهبت صحف ومواقع أوروبية إلى تسليط الضوء على هذا التلاعب الروسي، وتأثيره في موقف الإيطاليين على سبيل المثال من الاتحاد الأوروبي.
ويرى الباحث في "الأخبار المضللة" في جامعة مالمو السويدية، يوهان فاركاس، أن "روسيا تستغل الأزمة إعلامياً والعين على الداخل الروسي أيضاً، فمثلها مثل وسائل الإعلام الإيرانية حاولت التغطية على انتشار الفيروس، باستخدام مصطلحات ثابتة عن أن الغرب يستهدف البلاد وأن صحافة الغرب تحاول إثارة الذعر وهستيريا العداء لروسيا".
اقــرأ أيضاً
وهو ما حصل كذلك في دول أوروبية عدة، بينها بريطانيا، إذ توقّف عدد من الصحف المحلية عن الصدور، وتحديداً في البلدات الصغيرة، حيث كانت توزّع مجاناً، وذلك بسبب الأزمة المالية التي خلّفها انتشار فيروس كورونا، وتوقف الإعلانات. والأسبوع الماضي، نقلت صحيفة "ذا غارديان" قلق الحكومة من انهيار مالي محتمل للمؤسسات الإعلامية.
الواقع الإيجابي هذا، يحاول حالياً رسم مستقبل الصحافة في أوروبا. فحتى الساعة نجحت أغلب وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة الرصينة في الموازنة بين المهنية من خلال تقديم الحقائق والاعتماد على المصادر الصحيحة، وبين التوعية من مخاطر والوباء. لكن أمام المشهد العام، شهد القراء بعض السقطات، التي ما لبثت المؤسسات أن استدركتها: التعامل مع الفيروس في الأيام الأولى على اعتباره "نزلة برد"، أو الترويج له كـ"فيروس صيني". وذهب بعضها، كما فعلت الصحيفتان الدنماركيتان "يولاندس بوستن" ذات التوجه اليميني، و"بوليتيكن"، الليبرالية، إلى نشر علم الصين واستبدال نجومه بأشكال الفيروس التاجي.
فالسجال حول دور وسائل الإعلام وقت الأزمات في أوروبا وقابلية أن تصبح أقل نقداً للسلطات، سجلتها دراسة دنماركية في موقع "فيدنسكاب"، المتخصص في التغطية الإعلامية وقت الأزمات الوطنية. وأوضحت الدراسة أن الإعلام الأوروبي "يصبح أقل نقدية في زمن
هذا الكلام وغيره من المخاوف هو ما دفع مجلة "الصحافي" المتخصصة في شؤون الصحافة، الصادرة في الدنمارك، إلى تذكير الصحافيين بأنّ "الصحافة النقدية يجب أن تستمر حتى في أزمة كورونا".
"شبيغل أونلاين" الألمانية كذلك، وطيلة الأسابيع الماضية حاولت الموازنة بين الأزمة الأوروبية التي ظهرت مع تفشي الوباء، والحفاظ على المهنية طارحة أسئلة حول مستقبل حرية الصحافة في العالم.
التشبث إذاً بمكتسبات راكمتها الصحافة الأوروبية عبر قرن تقريباً، بينها التغطية النقدية وحرية التعبير، تضع أسس مستقبل هذه الصناعة في الحقبة التي ستلي فيروس كورونا. مكسب آخر هو الثقة التي بنتها هذه المؤسسة مع قاعدة قرائها المحليين ثمّ الأجانب. وازدادت مهمة الصحافة صعوبة مع تدفق الأخبار الكاذبة من كل أنحاء العالم. فوفقاً لخبراء هيئة مراقبة المعلومات في الاتحاد الأوروبي (EU East StratCom Task Force )، ووزارة الدفاع الهولندية، تجهد روسيا، أو المتعاطفون معها، في بث معلومات كاذبة ومضللة تستهدف بالأساس قيم الحريات والديمقراطية، بما فيها حرية الصحافة.
في التحذيرات الأوروبية من خطط موسكو للتلاعب بوسائل الإعلام الأوروبية، ودور الصحافة في كشفها، امتدت أصابع التحقيقات الصحافية الأوروبية إلى ألكسندر دوغين Alexander Dugin، رجل الكرملين في أوروبا الغربية. وهو ما أشار إليه موقع "الاتحاد الأوروبي في مواجهة الأخبار المضللة". وذهبت صحف ومواقع أوروبية إلى تسليط الضوء على هذا التلاعب الروسي، وتأثيره في موقف الإيطاليين على سبيل المثال من الاتحاد الأوروبي.
ويرى الباحث في "الأخبار المضللة" في جامعة مالمو السويدية، يوهان فاركاس، أن "روسيا تستغل الأزمة إعلامياً والعين على الداخل الروسي أيضاً، فمثلها مثل وسائل الإعلام الإيرانية حاولت التغطية على انتشار الفيروس، باستخدام مصطلحات ثابتة عن أن الغرب يستهدف البلاد وأن صحافة الغرب تحاول إثارة الذعر وهستيريا العداء لروسيا".
لكن الحفاظ على المصداقية وهامش الحرية ليس وحده ما يحدد طريق الصحافة الأوروبية في الأيام المقبلة، بل قد تكون للأزمة الاقتصادية الكلمة النهائية. ففي عدد من الدول الأوروبية، ونتيجة للإغلاق التام، عانت الصحف المعتمدة على الإعلانات، وبعضها يصدر منذ 150 سنة، من تراجع كبير في مداخيلها الشهرية. وهو ما جعل شبح التوقف عن الصدور يلاحقها. فيما طالبت بعض المؤسسات بتدخل حكومي لإنقاذها من الإفلاس، وتعويض تراكم خسائرها. وهو ما تعمل عليه أغلب حكومات الشمال أوروبية، من خلال السعي لتقديم تعويضات تصل قيمتها إلى 80 في المائة من الخسائر في بعض الدول.
وأمام هذا الواقع اضطرت بعض وسائل الإعلام، مثل القناة الثانية الدنماركية، إلى تخفيض رواتب الموظفين، لتأمين رواتب مراسليها أو صحافييها غير المتفرغين.وهو ما حصل كذلك في دول أوروبية عدة، بينها بريطانيا، إذ توقّف عدد من الصحف المحلية عن الصدور، وتحديداً في البلدات الصغيرة، حيث كانت توزّع مجاناً، وذلك بسبب الأزمة المالية التي خلّفها انتشار فيروس كورونا، وتوقف الإعلانات. والأسبوع الماضي، نقلت صحيفة "ذا غارديان" قلق الحكومة من انهيار مالي محتمل للمؤسسات الإعلامية.