فجأة، توقّف قلب الصحافي يوسف بطاش، الذي كان يعمل في صحيفة "لوسوار دالجيري" (مساء الجزائر)، عن الخفقان، فتُوفي بعد مسيرة مهنية بارزة. الفاجعة المؤلمة وسط الصحافيين أثارت مجدداً التساؤلات حول توالي حالات الوفيات في أوساط الصحافيين الجزائريين بالسكتة القلبية والأمراض ذات الصلة بالضغط وغيرها.
قبل الصحافي يوسف بطاش، وخلال عام 2018، غادر عدد آخر من الصحافيين الحياة بشكل مفاجئ أو بعد معاناة مع المرض. 10 صحافيين أغلبهم لم يتجاوز سن الخمسين وافتهم المنية: يزيد آيت حمادوش، الذي يعمل في القناة الإذاعية الحكومية الثالثة، وزميلته ليندة لرول من القناة الإذاعية الأولى، وزميلاها عبدو سغواني والزبير لحضيري من المؤسسة نفسها، ولزهر سيركان الذي كان يعمل في إذاعة "ورقلة" جنوب الجزائر وعانى طويلاً من المرض، ومحمد العربي من صحيفة "الوطن" المستقلة، وأحمد عاشور من صحيفة "وقت الجزائر" المستقلة، وعبد الحليم سلامي من التلفزيون الجزائري.
تطرح هذه الظاهرة أسئلة جدية عن علاقة الصحافة ومهنة المتاعب بالأوضاع الصحية للصحافيين، بعدما تزايدت، في السنوات الأخيرة، الضغوط والإكراهات السياسية والمهنية والاجتماعية على الصحافيين، جزء منها مرتبط بهشاشة الوضع الاجتماعي والمهني، وجزء آخر مرتبط بالضغوط التي تمارسها السلطة السياسية على الصحافيين والمؤسسات الإعلامية والإقفال المتتالي للصحف، ما دفع بصف طويل من الصحافيين إلى شارع البطالة، أو الخوف من هذا الهاجس الذي يسبب في الغالب ضغوطاً نفسية شديدة.
يؤكد الطبيب أسير طيبي، وجود علاقة وثيقة بين العمل الصحافي وبين الأمراض المرتبطة بالقلب والقلق والضغط، بسبب طبيعة هذه المهنة من جهة، وبسبب الظروف التي يؤدون فيها عملهم في الجزائر من جهة أخرى. ويشرح طيبي، لـ "العربي الجديد"، الموضوع، قائلاً "العلاقة موجودة بين توالي حالات الوفيات في أوساط الصحافيين وبين أمراض القلب والضغط، فالصحافي يرزح تحت جملة من الضغوط من جهة السياسيين ومن جهة أخرى من مسؤولي الصحف والقنوات وملّاكها، وتحت ضغط القارئ أيضاً، ناهيك عن الضغط الاجتماعي المرتبط بظروف كل صحافي".
ومن وجهة نظر طبيّة، يفسر طيبي أن "القلب يعمل بدقة وهناك جهازان: واحد يحفّز عمل القلب والآخر ينقص من أدائه. وقد تسرع دقات القلب في بعض حالات الضغط النفسي، خلال حوار أو نقاش يعاني الصحافي من الضغط النفسي، فيحسب كل كلمة وكل سؤال، على سبيل المثال. وكذلك في هذه الحالات، الجهاز المعاكس يعمل من أجل تقليص هذا الضغط في القلب بتخفيض عدد الدقات في الدقيقة. هذا العمل لأجهزة مراقبة دقات القلب عندما تعمل بإفراط تسبب أمراضا في شريان القلب وتحدث عوارض وأزمات، وهذا يمكن أن يصيب المخ أيضاً".
ويشير الدكتور طيبي، الذي له علاقة بالصحافيين من خلال ترؤسه حزبا سياسيا، إلى أن عوامل أخرى تلعب دوراً أيضاً، مثل مستويات استهلاك الدخان والقهوة ونقص النوم لدى الصحافيين.
وإضافة إلى هذا الوضع، يعاني الصحافيون في الجزائر من أوضاع اجتماعية معقدة، حيث لا تدفع أغلب المؤسسات الإعلامية أجوراً مقبولة. وما عدا الصحافيين العاملين في الصحف والمؤسسات الحكومية، فإن جزءا منهم يتقاضون أجوراً زهيدة تتراوح بين 200 إلى 600 دولار أميركي، ناهيك عن أن هناك عدداً من المؤسسات الإعلامية كقناة "دزاير تي في" و"الشروق" و"صوت الأحرار" لا يتقاضى فيها الصحافيون مرتباتهم بشكل منتظم، ما يعقّد وضعهم الاجتماعي، في ظل غلاء الأسعار وتردّي القدرة المعيشية.
وتشهد الصحافة الجزائرية أزمة غير مسبوقة، إذ أغلقت، بحسب وزير الاتصال جمال كعوان، 60 صحيفة، وعلّقت نشرها وسرّحت الصحافيين والعاملين فيها، بسبب أزمة مالية خانقة لنقص الإشهار (الإعلان). ونشرت "المبادرة الوطنية من أجل كرامة الصحافي الجزائري"، في وقت سابق، تقريراً مؤلماً عن الوضع المأساوي الذي تعيشه الصحف والصحافيون. وذكر التقرير أن الصحافيين العاملين في الصحف المستقلة يتعرضون، منذ فترة، إلى مضايقات خطيرة تحولت إلى عملية "محق اجتماعي" و"مساس خطِر بكرامة الإنسان نتيجة سياسة خاطئة في عملية إصلاح المنظومة الإعلامية المحكومة بالفوضى والارتجال".
وتعتقد الصحافية نائلة برحال أن "الظروف المتردية اجتماعياً ومهنياً وراء هذه الوفيات المتتالية للصحافيين والصحافيات"، وأضافت "من الصعب اليوم على الصحافي في الجزائر التوفيق بين متطلبات الحياة والمهنة.. أجور متدنية وأحياناً من دون أجور لأشهر، وحرية مقيدة مقارنة بسنوات سابقة بسبب قيود الإشهار، وغياب أدنى ظروف حماية لحقوقه أو تنظيم يؤطر وينظم المهنة".
في وقت سابق، طالبت هيئات صحافية جزائرية بتصنيف مهنة الصحافة ضمن المهن الشاقة في قانون العمل. ويرى رئيس مبادرة "كرامة الصحافي في الجزائر"، رياض بوخدشة، في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن "في هذه البيئة الإعلامية المنكوبة في الجزائر ما يكفي من أسباب الإصابة بالجلطات المختلفة وأخطر الأمراض الناجمة عن القلق والتوتر الزائد، لقد سلمت مبادرتنا تقريراً إلى وزير العمل نطالب فيه بجعل الصحافة أكبر مهنة شاقة، ودعونا الحكومة إلى التفاتة جادة، ولن يستمر صمت نخبة الإعلام الجزائري، لا يمكن إن نبقى نفقد عشرات الصحافيين تحت وطأة ضغط اجتماعي لم يعد يحتمل".
وأضاف "في تقاريرنا التي أصدرتها هيئة تنسيق مبادرة كرامة الصحافي الجزائري، حذّرنا من تفاقم شعور الصحافيين الجزائريين باليأس من بلوغ حياة كريمة، بسبب تخلي الحكومة عن مسؤوليتها في ضمان حماية اجتماعية للصحافيين وعموم المستخدمين في القطاع. ويزداد الأمر فظاعة عندما يتعلق الأمر بالصحافيين العاملين في القطاع الخاص. فضغوطات العمل وهزال الرواتب التي يتقاضاها الصحافيون الجزائريون، أضف إليها غياب هيئة إصغاء ورصد لمشاكلهم المختلفة والبت فيها في حينها، جعلهم يشعرون بآفاق مسدودة".