الصور التي يلتقطها سلام في الأعراس، تنقسم إلى قسمين: صور تقليدية يأخذ أجره عليها، وأخرى يحتفظ بها لنفسه. في الصور الثانية، لحظات لرجال مربكين من أناقتهم الزائدة، نساء بمكياجهن المبالغ فيه، رجال يطلقون الرصاص في الهواء، استعراضات مبالغ بها. تبدو الصور وكأنها تروي طقساً احتفالياً تتوسطه الرغبة بأنواعها، الطبقية والعنفية والجنسية والثقافية.
في الأعراس "غير المختلطة"، أي أعراس النساء فقط، يحضر الذكر بشكل أكبر، حيث تحين الفرصة للفتيات لإظهار أنوثتهن مع وجود قدر أكبر من الحرية، خصوصاً أمام النساء اللواتي جئن لتصيّد العرائس. إلى أن يبدو العرس وكأنه معرض استثنائي للأنوثة المخنوقة في ذروة استحضارها للذكر الغائب؛ يصبحن كلهن نساء "بيت برناردا ألبا".
مهنة التصوير، ورثها سلام عن أبيه، ما من شيء آخر تعلمه في حياته. كان الأب يصطحبه معه إلى الأعراس منذ أن بلغ التاسعة، وكان يسمح له بسبب صغر سنه بالدخول إلى أعراس النساء، التي يصفها بأنها كانت بأشبه بحفلات العري. وزن الكاميرا سبب انحناء قامته النحيلة إلى الأمام، فصار فعل التقاط الصورة، أمراً يتطلب منه أن يرفع رأسه قليلاً. نظاراته الطبية السميكة وإطارها البني القاتم، جعلا عينيه الصغيرتين غائرتين في محجريهما.
بشكل يومي، وإلى ما بعد منتصف الليل، يجلس في دكانه ذي السقف المنخفض، يقلّب مجموعات الصور التي التقطها منذ صغره. هي عادة واظب عليها منذ سنوات، لا أكثر. يعتقد سلام في قرارة نفسه أن لا أحد غيره يعرف جميع أسرار البلدة، فهو أشهر مصوريها على الإطلاق.
بزيّه المعتاد، يدخل سلام قبل أربع ساعات من موعد العرس إلى الصالة، ثم يبدأ بالتقاط الصور بشكل هيستيري. في معظم الأوقات، يرافقه عدنان، أحد المجانين، الحاضر الدائم في كل أعراس البلدة والقرى المحيطة بها. يلتقط المصور مئات الصور لعدنان، مرة راقصاً مع الكرسي كما لو أنه يرقص مع أنثى، وثانية وهو يتلقى التهاني من الضيوف المتخيلين، وأخرى وهو يزغرد ويهز خصره مقلداً النسوة.
عند بدء توافد الناس إلى الصالة، يسد المصور أذنيه بقطعتين قطنيتين. ثم يبدأ بالتحرك بشكل مكوكي للقيام بمهمته؛ يقفز من على الكرسي، يستلقي على ظهره، يتسلق على الباب.. إلخ. كلها حركات كانت تثير سخرية وضحك الناس في العرس.
في هذه الأثناء يكون عدنان قد انضم إلى طاولة زملائه المجانين الثلاثة في آخر الصالة. ويعيد عليهم كلامه نفسه، بالحماسة ذاتها، عن العرس وأهميته، لكن صحبه لا يعيرونه أي اهتمام، فهم مشغولون بالأكل حتى التخمة.
مر سريعاً خبر اكتشاف جثة عدنان في بركة مهجورة بجانب البلدة، حيث عثر عليها بالصدفة عقب موته بأسابيع. أبناء المدينة الصغيرة اتفقوا على أن ما فعله عدنان أمرٌ عادي. لم تحدث الواقعة السابقة تغييراً كبيراً في أعراس البلدة، فظلت تستمر كما في كل مرة، وتمتلك نفس النهاية: شجار المجانين الذين نقصوا واحداً.
يقف سلام وراء الكاميرا تماماً، يعتقد بأنها أداة تواصله الوحيدة مع العالم؛ اللغة التي يتقنها. كما يعتقد المصور الأربعيني أيضاً، أن مهنته تسببت بفشل علاقته مع النساء، وهو أمر متصالح معه لأبعد الحدود. لكن الجميع يعرف أن زواجه باء بالفشل مرتين لأن أمره افتضح في البلدة كونه يقضي ساعات وساعات مع زوجته وهو يصور جسدها، دون أن يقترب منها.
من خلال الصور التي يحتفظ بها لنفسه، يخيل لسلام أنه يعرف حكايات الناس في البلدة، ويعرف مصائرهم واحداً واحداً. لهذا السبب لم يبد المصور حزناً كبيراً على وفاة عدنان، وحتى هذه اللحظة يتحدث عنه بحيادية. لكنه دون علم أحد، حاول، أكثر من مرة، إبرام صفقات عديدة مع زملاء طاولة عدنان، ليرافقه أحدهم إلى الصالة قبل العرس، إلا أن جميعهم رفضوا بشدة، لاعتقادهم أن الكاميرا هي التي دفعت بصاحبهم للانتحار.
لا تزال البركة التي انتحر بها عدنان كما هي، ولم تجدد مياهها بعد سنوات على موته. تطوف على سطح المياه العكرة، الكثير من الأوساخ والطحالب وأوراق الشجر. ولا يزال سلام مصوراً للأعراس، بفارق بسيط، أنه تخلى عن عادته في القدوم إلى الصالة قبل موعد العرس، وصار لا يسد أذنيه خلال الأعراس، التي لم يتغير فيها أي شيء على الإطلاق.