14 ابريل 2017
الشهية التي تفتح أبواب الجحيم!
أتصور أَن كثيراً من الناس (ليس بالضرورة من العالم العربي، وليس بالضرورة لأسباب تتعلق بصحتهم العقلية!) تذكّروا اجتياح الكويت من طرف العراق الشقيق، وهم يرون الشقيق الروسي يلتهم، في لقمةٍ واحدةٍ، جزيرة القرم المجاورة. في الحالتين، استعملت القوة والضم والاجتياح وسيلة لإنهاءِ خلافٍ، ظاهره تباين في الرأي، وباطنه تصادمٌ في المصالح.
ربما ينوه أنصار "المساطر النظيفة" بلجوء القرم، قبل الزحف الروسي، إلى إجراء استفتاءٍ شعبي، وإلى استصدار قرارٍ من مجلس الأمة، وهو ما لم يدر، حتى على سبيل التفكه، في مخ النظام العراقي، قبل تنفيذ مشروعه. ولكن، المساطر النظيفة مثل الحرب النظيفة، ومثل القتل النظيف، لا تعدو أن تكون تعليباً ساحراً لشيء في غاية القذارة!
المهم، أن هذا القياس الذي نقوم به، على سبيل التسلية، كان من المفروض أن يؤدي إلى نشوء تحالف دولي، عادلٍ وإنساني، يعيد القرم إلى أهلها، ويوقف الطمع الروسي عند حده، ويؤدب المتعجرف على استخفافه بالشرعية الدولية. ولكن التحالف الأميركي الأوروبي الذي تعود على نجدة الضعفاء من الضعفاء، في الكويت وليبيا ومالي وإفريقيا الوسطى، وقف أمام السور العالي الذي يطل منه الدبُّ مزمجراً، واكتفى في لحظة صفاء ذهنيٍ، لا يُحسد عليها، باستعراض عضلاته السينمائية، وانتهى به الأمر إلى ابتلاع لسانه.
هذه ليست صحراء تمسحها القذائف من ملامح العالم! إنها القوة الضاربة التي نامت طويلاً في قمقم الاتحاد السوفياتي، واستفاقت اليوم كائناً غامضاً، بروح بوشكين وعضلات رامبو. وبهذا الوجه المخيف والفاتن معاً، تتقدم روسيا في خريطة العالم، تساند من تساند، وتخذل من تخذل، وتقضم نصيبها من الكعكة. لا أحد سيفعل بها ما فعل بالعراق، ولا أحد سينجح في تسفيه ادّعائها أن القرم مجرد "محافظة روسية"، وأن خروتشوف، عندما وهبها للشقيقة أوكرانيا، كان يفعل ذلك بمنطق الاتحاد السوفياتي: "ما لنا لنا، وما لكم لنا!"، أما الآن فما لله لله، وما لقيصر لقيصر.!
والتحالف الأميركي الأوروبي يعرف ذلك، ويقبله، ويمثل دور الغاضب منه، ويتفرّج مشدوهاً على "جزر" أخرى، تلوّح بانفصال وشيك، أو التحاقٍ ببيت الطاعة الروسي. لكنه، في النهاية، سيكون سعيداً إذا قبلت روسيا بتحويل "الأمر الواقع" إلى التزامٍ علنيٍّ بأن لا تمدَّ يدها الشرهة إلى أبعد من شواطئ القرم الجميلة.
هذا هو درس القوة الذي استوعبته روسيا، وأدركت أن التنازل عنه، تبعاً لانهيار القوة السوفياتية، سيجعلها دائماً في موقع "المذنب القديم" الذي يتكلم بصوت خفيض، ويمشي لصق الحائط، بانتظار أن تلتئم جراح الدبِّ بمعجزة رخاءٍ اقتصاديٍّ غير مضمون، وغير ممكن، بدون نفوذ سياسي. إنها ليست عودة الاتحاد السوفياتي، بل انبثاق غصن جديد، يافع وهش، من تلك الشجرة المقطوعة!
في روسيا يقولون: مجنون من لا يحن إلى الاتحاد السوفياتي، ومجنون من يحن إليه!
ولعل بوتين فهم كيف يمشي بين جنونين، من دون أن يفقد عقله، ومن دون أن ينسى الأهم. والأهم بناء قوةٍ حديثةٍ في وجه الآخر، من دون أوهام، ومن دون اندفاعاتٍ غنائية، تجعل الخير الأممي في مواجهة الشر الإمبريالي قوةً تنهض على الروح الوطنية الروسية، في تجلياتها القديمة والحديثة، وهي تطمع في الحصول على نصيبها من الخير والشر، من دون أن يرفَّ لها جفن، أو يقض مضجعها ضمير.
والولايات المتحدة التي لم تستطع في مواجهة هذه القوة الصاعدة، أَو العائدة، أن تضرب سوريا، أَو تحرر القرم، لم يبق أمامها سوى الحرب الباردة الاقتصادية، حرب بطيئة وطويلة المدى، سيكون الغاز أرضها ووقودها، عسى أن تخنق المارد الروسي، وهو ما يزال عملاقاً بأقدام من طين!
وليس مضموناً عندئذ أن لا تفتح الحرب، مهما كانت باردةً كل أبواب الجحيم!
ربما ينوه أنصار "المساطر النظيفة" بلجوء القرم، قبل الزحف الروسي، إلى إجراء استفتاءٍ شعبي، وإلى استصدار قرارٍ من مجلس الأمة، وهو ما لم يدر، حتى على سبيل التفكه، في مخ النظام العراقي، قبل تنفيذ مشروعه. ولكن، المساطر النظيفة مثل الحرب النظيفة، ومثل القتل النظيف، لا تعدو أن تكون تعليباً ساحراً لشيء في غاية القذارة!
المهم، أن هذا القياس الذي نقوم به، على سبيل التسلية، كان من المفروض أن يؤدي إلى نشوء تحالف دولي، عادلٍ وإنساني، يعيد القرم إلى أهلها، ويوقف الطمع الروسي عند حده، ويؤدب المتعجرف على استخفافه بالشرعية الدولية. ولكن التحالف الأميركي الأوروبي الذي تعود على نجدة الضعفاء من الضعفاء، في الكويت وليبيا ومالي وإفريقيا الوسطى، وقف أمام السور العالي الذي يطل منه الدبُّ مزمجراً، واكتفى في لحظة صفاء ذهنيٍ، لا يُحسد عليها، باستعراض عضلاته السينمائية، وانتهى به الأمر إلى ابتلاع لسانه.
هذه ليست صحراء تمسحها القذائف من ملامح العالم! إنها القوة الضاربة التي نامت طويلاً في قمقم الاتحاد السوفياتي، واستفاقت اليوم كائناً غامضاً، بروح بوشكين وعضلات رامبو. وبهذا الوجه المخيف والفاتن معاً، تتقدم روسيا في خريطة العالم، تساند من تساند، وتخذل من تخذل، وتقضم نصيبها من الكعكة. لا أحد سيفعل بها ما فعل بالعراق، ولا أحد سينجح في تسفيه ادّعائها أن القرم مجرد "محافظة روسية"، وأن خروتشوف، عندما وهبها للشقيقة أوكرانيا، كان يفعل ذلك بمنطق الاتحاد السوفياتي: "ما لنا لنا، وما لكم لنا!"، أما الآن فما لله لله، وما لقيصر لقيصر.!
والتحالف الأميركي الأوروبي يعرف ذلك، ويقبله، ويمثل دور الغاضب منه، ويتفرّج مشدوهاً على "جزر" أخرى، تلوّح بانفصال وشيك، أو التحاقٍ ببيت الطاعة الروسي. لكنه، في النهاية، سيكون سعيداً إذا قبلت روسيا بتحويل "الأمر الواقع" إلى التزامٍ علنيٍّ بأن لا تمدَّ يدها الشرهة إلى أبعد من شواطئ القرم الجميلة.
هذا هو درس القوة الذي استوعبته روسيا، وأدركت أن التنازل عنه، تبعاً لانهيار القوة السوفياتية، سيجعلها دائماً في موقع "المذنب القديم" الذي يتكلم بصوت خفيض، ويمشي لصق الحائط، بانتظار أن تلتئم جراح الدبِّ بمعجزة رخاءٍ اقتصاديٍّ غير مضمون، وغير ممكن، بدون نفوذ سياسي. إنها ليست عودة الاتحاد السوفياتي، بل انبثاق غصن جديد، يافع وهش، من تلك الشجرة المقطوعة!
في روسيا يقولون: مجنون من لا يحن إلى الاتحاد السوفياتي، ومجنون من يحن إليه!
ولعل بوتين فهم كيف يمشي بين جنونين، من دون أن يفقد عقله، ومن دون أن ينسى الأهم. والأهم بناء قوةٍ حديثةٍ في وجه الآخر، من دون أوهام، ومن دون اندفاعاتٍ غنائية، تجعل الخير الأممي في مواجهة الشر الإمبريالي قوةً تنهض على الروح الوطنية الروسية، في تجلياتها القديمة والحديثة، وهي تطمع في الحصول على نصيبها من الخير والشر، من دون أن يرفَّ لها جفن، أو يقض مضجعها ضمير.
والولايات المتحدة التي لم تستطع في مواجهة هذه القوة الصاعدة، أَو العائدة، أن تضرب سوريا، أَو تحرر القرم، لم يبق أمامها سوى الحرب الباردة الاقتصادية، حرب بطيئة وطويلة المدى، سيكون الغاز أرضها ووقودها، عسى أن تخنق المارد الروسي، وهو ما يزال عملاقاً بأقدام من طين!
وليس مضموناً عندئذ أن لا تفتح الحرب، مهما كانت باردةً كل أبواب الجحيم!