عرف المصريون صناديق المجوهرات قديماً، وكان يجرى تزيينها عبر التاريخ بما يتلاءم مع ثقافة كل عصر، فتتغير أشكالها وألوانها، ولكن لم يبق ثابتاً على شكله القديم سوى "الشكمجية"، وهي صندوق مطعم بالصدف والسيراميك، وأحيانا بأسلاك الفضة والذهب. أدخل العثمانيون الشكمجية لمصر، وكان جزءاً من تقاليد البيوتات العثمانية العريقة في الاحتفاظ بمجوهراتهم. وسرعان ما أبدع الحرفيون المصريون في صناعتها يدويا وتفننوا في نقوشها ورسومها.
الطبقة الوسطى المصرية والمستوى الأعلى من الطبقة الفقيرة، إلى جانب الطبقة الغنية بالطبع، كانت لهم عادة راسخة في الحقبة العثمانية الطويلة وصولا إلى أسرة محمد علي، باكتناز الذهب كمخزن للقيمة المالية، فلم تكن النقود الورقية مستحبة والثقة فيها لم تكن كبيرة رغم قوة العملة الورقية آنذاك. كذلك كانت عادات الزواج المصرية بتقديم "الشبكة" للعروس، وهي هدية من الذهب وغيرها، كل ذلك كان يعرف طريقه إلى الشكمجية.
كلمة شكمجية بالعثمانية تعني التخبئة في مكان آمن، كانت كل فتاة تبلغ الحلم في مصر يهديها والدها شكمجية من الخشب؛ سواء كان خشب الورد أو الليمون أو الزان المستورد أو الصندل، ويتنوع الخشب حسب ثراء الأسرة. ومكتوب على غطاء الصندوق اسم صاحبته بالذهب، وتبطن عادة بالحرير الناعم الأحمر أو الأسود ليبرز جمال المجوهرات والفصوص الثمينة المتنوعة. كما تفنن المصريون في صنع شكمجية ذات أدراج ومفاتيح، كي توضع بها الأشياء الثمينة جدا في القلب، بينما تستخدم الأدراج في وضع الفضة والحلي الأقل سعرا وأحيانا بعض أدوات الزينة المعتادة.
عرفت الشكمجية خلال وجودها في مصر أحجاماً مختلفة تتناسب طرداً مع حجم ما يدخلها من ذهب ومجوهرات، فتراوحت بين صندوق في حجم الكف، وصندوق آخر ينتسب إلى المتر المكعب كتلك التي وجدت في قصور أسرة محمد علي والملك قبل انقلاب يوليو 1952، وعرفت طريقها بعد ذلك إلى قصور الملوك الجدد من الضباط. وفي العصر الجمهوري استبدلت الشيكولاتة مكان المجوهرات والذهب في الشكمجية، وعرف المصريون بالتدريج أن عصر التباهي بالحلي الذهبية قد ولى مع الملوك القدامى.
تصنع الشكمجية في مصر بطريقتين، الأولى وهي الطريقة العربية الصعبة، والأغلى سعراً، وتشبه أعمال الزجاج المعشق، حيث يتم تعشيق قطع الصدف المقصوصة بدقة بين أسلاك الفضة والذهب، وأحيانا بأسلاك الرصاص، وتتداخل الأسلاك مع الخشب مكونة الشكل المعروف للصندوق. والطريقة الثانية الأسهل وهي التي يستعملها عامة الصناع والحرفيين الآن، حيث ترسم النقشة على الصندوق الخشبي ثم يجري وضع الغراء على الصندوق، ومن ثم لصق الصدف في داخل الرسم. وتتمثل مهارة الصانع في توفيق القطع المقصوصة حتى تتشكل منها الرسمة المطلوبة. ثم يجري صنفرة وتنعيم سطح الصدف وحواف الرسم حتى يصبح جاهزا للطلاء بمادة تعطيه لمعانا طبيعيا وتحافظ على الرسم في مكانه حتى لا يتعرض للخلع.
ورغم تشابه الرسم إلا أن اختلاف أحجام الصدف تجعل كل قطعة فريدة مهما حاول الصانع مشابهتها بغيرها، ولعل هذا ما يعطي للشكمجية سعرًا عاليًا، فكل زبون يكون على يقين من اختلاف قطعته عن كل مثيلاتها.
وكما حضرت الشكمجية في البيوت الراقية واعتبرت علامة من علامات الرقي والذوق الرفيع، فإنها حضرت في عدد من الأعمال السينمائية والدرامية المصرية، كديكور وكموضوع وكجوٍّ من أجواء مصر العثمانية وكذلك في عهد الملك فاروق، كما هو الأمر في رائعة "ليالي الحلمية" و"زيزينيا" وفيلم "لا عزاء للسيدات" وغيرها من أعمال الدراما المصرية التي أرخت لزمن أصحاب الذوق الرفيع من تاريخ القاهرة ومصر على وجه العموم.