إذا أردنا وصفهم، نقول إنّهم لطفاء وظريفون وسريعو الغضب وهادئون ومطلّقون. وإن كان الطلاق سيرة حياة، إلّا أنّه يتحوّل في مجتمعنا إلى صفة. وفي حال اتّخذ أحدهم خيار الطلاق لسبب يعنيه وحده، ستعقب أيةَ صفات، مهما كانت إيجابيّة، كلمتان: "لكن مطلّق/مطلّقة". كلاهما، المرأة والرجل، يحملان هذا العبء لكن بشكل متفاوت ومختلف.
بعد الطلاق، تنتهي "صلاحيّة" المرأة، فيما لا يكون سجل الرجل نظيفاً تماماً، وإن كان الناس أكثر قدرة على تنظيفه. بعيداً عن تقييم المجتمع، يصعب على مطلّقين كثر التصالح مع ماضيهم، أو "إكسهم" (الزوج السابق)، ولو نجحوا في بناء حياة جديدة. لحظة الاقتراب من قرار كهذا، يقولون إنه لا يمكن لهم أن يكونوا أصدقاء، حتى في ظلّ وجود أطفال. ذلك لا يغيّر شيئاً بالضرورة. تعلق "تراكمات" في نفوسهم وتبقى سنوات أحياناً. هذه هي الحياة. "الجروح لا تُزال"، بحسب المعالجة النفسيّة ريما عيد. هذا ما تقوله في جلسة علاج جماعي لمطلّقين، حضرها ثلاثة فقط، في مركز العلاج السريري للواقع والعقل.
الحديث عن الطلاق، بل مشاركة تفاصيل شخصيّة أمام آخرين، ليس سهلاً، لكنّه ضروري. تشير عيد إلى أنّ جلسات كهذه تُشعر الأشخاص بأنّهم ليسوا وحيدين في معاناتهم هذه، مضيفة أن الهدف منها الوصول إلى مرحلة يصير فيها هؤلاء قادرين على التواصل مع الشريك القديم، وقد باتوا يشعرون براحة نحو خيارهم وماضيهم. وتشرح أنّ الأشخاص المشاركين يدركون أنه لا أحكام مسبقة، وأنّهم يناقشون التفاصيل بعمق.
خلال الجلسة، تحكي لينة أنها رأت شريكها السابق أثناء قيامها بواجب عزاء، بعدما توفيت إحدى قريباته. اضطرّت إلى اصطحاب ابنهما الصغير معها. تقول: "حين عرف الابن بتفاصيل حادثة الموت، انهار. كان يرتجف وبدا عاجزاً عن التنفّس. لم يساعدني في حمله إلى السيارة، إلى أن صرخت طالبة منه المساعدة". أخبرته أنها ستأخذه إلى المستشفى لتطمئنّ عليه، إلا أنه لم يبادر إلى مرافقتها. حتى أنه اعتبر أن لا داعي لذلك. تكرّر:"لكنّه كان عاجزاً عن التنفّس. رأيته يختنق". وقبل أن تنطلق، سألها أن تطمئنه. تضيف: "طبعاً ليس مستعدّاً لترك حبيبته وحدها ولو لبعض الوقت". ضايقها الأمر، وإن كان لها حبيبها أيضاً. تسألها عيد: "هل ما زلت تتوقّعين منه تغييراً؟ هذا هو".
اقــرأ أيضاً
بعد الطلاق، تنتهي "صلاحيّة" المرأة، فيما لا يكون سجل الرجل نظيفاً تماماً، وإن كان الناس أكثر قدرة على تنظيفه. بعيداً عن تقييم المجتمع، يصعب على مطلّقين كثر التصالح مع ماضيهم، أو "إكسهم" (الزوج السابق)، ولو نجحوا في بناء حياة جديدة. لحظة الاقتراب من قرار كهذا، يقولون إنه لا يمكن لهم أن يكونوا أصدقاء، حتى في ظلّ وجود أطفال. ذلك لا يغيّر شيئاً بالضرورة. تعلق "تراكمات" في نفوسهم وتبقى سنوات أحياناً. هذه هي الحياة. "الجروح لا تُزال"، بحسب المعالجة النفسيّة ريما عيد. هذا ما تقوله في جلسة علاج جماعي لمطلّقين، حضرها ثلاثة فقط، في مركز العلاج السريري للواقع والعقل.
الحديث عن الطلاق، بل مشاركة تفاصيل شخصيّة أمام آخرين، ليس سهلاً، لكنّه ضروري. تشير عيد إلى أنّ جلسات كهذه تُشعر الأشخاص بأنّهم ليسوا وحيدين في معاناتهم هذه، مضيفة أن الهدف منها الوصول إلى مرحلة يصير فيها هؤلاء قادرين على التواصل مع الشريك القديم، وقد باتوا يشعرون براحة نحو خيارهم وماضيهم. وتشرح أنّ الأشخاص المشاركين يدركون أنه لا أحكام مسبقة، وأنّهم يناقشون التفاصيل بعمق.
خلال الجلسة، تحكي لينة أنها رأت شريكها السابق أثناء قيامها بواجب عزاء، بعدما توفيت إحدى قريباته. اضطرّت إلى اصطحاب ابنهما الصغير معها. تقول: "حين عرف الابن بتفاصيل حادثة الموت، انهار. كان يرتجف وبدا عاجزاً عن التنفّس. لم يساعدني في حمله إلى السيارة، إلى أن صرخت طالبة منه المساعدة". أخبرته أنها ستأخذه إلى المستشفى لتطمئنّ عليه، إلا أنه لم يبادر إلى مرافقتها. حتى أنه اعتبر أن لا داعي لذلك. تكرّر:"لكنّه كان عاجزاً عن التنفّس. رأيته يختنق". وقبل أن تنطلق، سألها أن تطمئنه. تضيف: "طبعاً ليس مستعدّاً لترك حبيبته وحدها ولو لبعض الوقت". ضايقها الأمر، وإن كان لها حبيبها أيضاً. تسألها عيد: "هل ما زلت تتوقّعين منه تغييراً؟ هذا هو".
تعبت من المسؤولية. تعبت من أن تكون أمّاً وأباً في الوقت نفسه، وأن تراقب كلّ التفاصيل. "لكن هذا هو. ثمّ أنت من ألغيته في البداية". تقولها عيد والمطلقون الآخرون المشاركون في الجلسة، وهي لا تنكر الأمر. تضيف عيد: "أردت إثبات أنّك امرأة خارقة، مطلّقة لكن قويّة. لذلك، لا يجب أن تتوقّعي منه ما تتوقّعينه".
في هذه اللحظة، تتذكّر ساندرا ابنها (18 عاماً). تحكي أنه يطلب أموراً كثيرة، وتجد نفسها تلبّي طلباته في النهاية. يقول لها: "كيف لك أن تعرفي عن السيّارات؟". وهذا يضايقها. تسألها عيد: "بمن تذكّرك شخصيّته؟". تصمت قليلاً، لتدرك أنّها شخصيّة والده، أي زوجها السابق. تضيف: "لم أعد أذكر شكله". مضى على طلاقها 11 عاماً. لاحقاً، التقت برجل مناسب وتزوّجا وأنجبا طفلين. بالنسبة إلى عيد، ساندرا أيضاً عمدت إلى إلغاء زوجها السابق من حياتها، وهي بذلك تغلق جرحها. والجرح في حالتها هو الخيانة.
كان لافتاً وجوده بين امرأتين. سامر أيضاً مطلّق ولديه ما يقوله. جرح أيضاً وتعب كثيراً، مثلهما. اليوم، يبدو أكثر تصالحاً مع حياته. أخبر زوجته السابقة، التي ترغب في الرجوع إليه، أن الحياة بينهما مستحيلة. أصرّ على إغلاق هذا الموضوع تماماً. يزور أطفاله مرتين أسبوعيّاً. يقول: "لم أعد أشعر بالاشمئزاز حين أنظر إلى وجهها". ما كلّ هذا المنطق؟ تسأله عيد. "هذا قصاص"، تضيف. ويبتسم.
خلال الجلسة، جرّبت عيد معهم تقنية الآخر. من خلالها، لعبوا أدوار الشريك السابق، أو الشخص الذي يريدون مواجهته. اختار سامر والدته. يسألها: "لماذا اخترتِها لي (زوجته السابقة)؟ كنت أحبّ فتاة أخرى وكنت سعيداً. إلّا أنك ساهمت بحدوث مشاكل بيننا". تجيبه لينة، التي لعبت دور الأم: "لأنّني لم أرغب في أن تحبّ امرأة أكثر مني. ثم كان يمكنك أن ترفض". لكنه كان يعرف أن زعلها كان صعباً.
هؤلاء الثلاثة يقصدون معالجين نفسيين. إلّا أنه لجلسة العلاج الجماعي نكهتها، إذ تشعرهم بنوع من التضامن بمجرّد تذكّر تفاصيل، قد تكون متشابهة. هكذا تبدو العلاقة بين الرجل والمرأة تتمّة لعلاقات بين رجال ونساء آخرين هم آباؤهم وأمهاتهم.
تقول عيد إنهم حين يصلون إلى درجة الراحة مع أنفسهم، لا يعود الشريك السابق جزءاً من معاناتهم. وخلال الجلسة، تردّد مراراً: "افهموهم".
اقــرأ أيضاً
في هذه اللحظة، تتذكّر ساندرا ابنها (18 عاماً). تحكي أنه يطلب أموراً كثيرة، وتجد نفسها تلبّي طلباته في النهاية. يقول لها: "كيف لك أن تعرفي عن السيّارات؟". وهذا يضايقها. تسألها عيد: "بمن تذكّرك شخصيّته؟". تصمت قليلاً، لتدرك أنّها شخصيّة والده، أي زوجها السابق. تضيف: "لم أعد أذكر شكله". مضى على طلاقها 11 عاماً. لاحقاً، التقت برجل مناسب وتزوّجا وأنجبا طفلين. بالنسبة إلى عيد، ساندرا أيضاً عمدت إلى إلغاء زوجها السابق من حياتها، وهي بذلك تغلق جرحها. والجرح في حالتها هو الخيانة.
كان لافتاً وجوده بين امرأتين. سامر أيضاً مطلّق ولديه ما يقوله. جرح أيضاً وتعب كثيراً، مثلهما. اليوم، يبدو أكثر تصالحاً مع حياته. أخبر زوجته السابقة، التي ترغب في الرجوع إليه، أن الحياة بينهما مستحيلة. أصرّ على إغلاق هذا الموضوع تماماً. يزور أطفاله مرتين أسبوعيّاً. يقول: "لم أعد أشعر بالاشمئزاز حين أنظر إلى وجهها". ما كلّ هذا المنطق؟ تسأله عيد. "هذا قصاص"، تضيف. ويبتسم.
خلال الجلسة، جرّبت عيد معهم تقنية الآخر. من خلالها، لعبوا أدوار الشريك السابق، أو الشخص الذي يريدون مواجهته. اختار سامر والدته. يسألها: "لماذا اخترتِها لي (زوجته السابقة)؟ كنت أحبّ فتاة أخرى وكنت سعيداً. إلّا أنك ساهمت بحدوث مشاكل بيننا". تجيبه لينة، التي لعبت دور الأم: "لأنّني لم أرغب في أن تحبّ امرأة أكثر مني. ثم كان يمكنك أن ترفض". لكنه كان يعرف أن زعلها كان صعباً.
هؤلاء الثلاثة يقصدون معالجين نفسيين. إلّا أنه لجلسة العلاج الجماعي نكهتها، إذ تشعرهم بنوع من التضامن بمجرّد تذكّر تفاصيل، قد تكون متشابهة. هكذا تبدو العلاقة بين الرجل والمرأة تتمّة لعلاقات بين رجال ونساء آخرين هم آباؤهم وأمهاتهم.
تقول عيد إنهم حين يصلون إلى درجة الراحة مع أنفسهم، لا يعود الشريك السابق جزءاً من معاناتهم. وخلال الجلسة، تردّد مراراً: "افهموهم".