16 نوفمبر 2024
الشرق الأوسط.. غداً
اعتاد الشرق الأوسط "إجراء" تحوّلات عنيفة في كل مفصل زمني، خصوصاً في السنوات الخمس الأخيرة. وبعد كل تحوّل، تحتكم المنطقة إلى مرحلة من الجمود الاستراتيجي، المُرفق بضجيج تكتيكي ثانوي، يُمهّد لتحوّل آخر. في ملفات أربعة، تبدو الأمور مختلفة تماماً عن السنوات الماضية، بعضها مؤهل للانتقال إلى مرحلة جديدة.
في العراق، تأكد عدم وجود خطة حقيقية لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، على الرغم من الإيحاء، في مارس/آذار الماضي، بأن "معركة تكريت ستُمهّد لتحرير الموصل من التنظيم"، وقَدَمَ الإيرانيون وقصف الأميركيون، ولم يتمّ تحرير الموصل، ولا حتى بدء معركتها. في المقابل، نجح "داعش" في فتح جبهة جديدة في محافظة الأنبار، مستنداً إلى إسقاطه منطقة تدمر السورية، ليُمسك مثّلثاً عصياً عن السقوط، ما لم تُعتمد استراتيجية "المواجهة البرية" ضده سريعاً. ولم يستفد المحاربون ضد "داعش" من تراجعه السريع في مناطق حساسة من محافظة الرقة أخيراً، من أجل إنهاء نفوذه شمالي العراق، أو الضغط عليه، أقلّه في محافظة الأنبار. ما معناه أن بلاد الرافدين دخلت رسمياً في مرحلة جمود، تتقطّعها مناوشات سياسية وعسكرية بين حكومة بغداد ومعارضيها، التي لن تُحدث تبدّلات جذرية في ساحة الصراع، إلى أن تعود مسألة كردستان العراق إلى الواجهة في أغسطس/آب المقبل، في انتخابات رئاسة الإقليم، والتي سيليها تدشين معركة استقلال كردستان.
في اليمن، باتت الصورة أوضح، بعد حوالي ثلاثة أشهر على انطلاق عمليات التحالف العربي ضد الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح. تتجه الأمور إلى الحراك السياسي، على حساب العمليات العسكرية. ما سيعني تثبيت مواقع القتال، بانتظار الانتقال إلى مستوى آخر، بناء على تفاهمات أو خلافات إقليمية ودولية. ولن تكون الحلول في اليمن سريعة، بحكم تمازج الصراعات الداخلية والصراعات الإقليمية في الداخل. بالتالي، إن بحث موضوع المساعدات الانسانية، واستثناءها من أي حصارٍ مفروض، دليل على صيرورة اليمن، بقعة توتر لن تنتهي بحلولٍ سريعة.
وإذا كان "الجماد" عنواناً أساسياً في العراق واليمن، في الفترة المقبلة، فإن سورية أمام أدقّ مرحلة في تاريخها، والحراك المتسارع فيها، أكان في الرقة أو حلب أو الجنوب السوري، يشي بتحوّلات شتّى، ستؤدي إلى "أمور كبيرة" في الداخل السوري وفي الجوار، تحديداً لبنان. لم يعد الواقع الميداني في سورية كما كان عليه سابقاً، وتراجع قوات النظام إلى المدن أو عصب خطوط المواصلات بين العاصمة دمشق والساحل السوري، سيؤدي حكماً إلى استمرار النزاع في حدّه الأدنى، أو حسمه سريعاً ضد الرئيس بشار الأسد في حدّه الأقصى. ويبدو جلياً أن استمرارية قتال قوات النظام مرهونة بكمّ المساعدات العسكرية التي يقدّمها حلفاؤه، في انعكاس لما كانت عليه الأمور في السابق، حين كانت المعارضة المسلّحة تعاني من قلّة التدريب والنقص العسكري، لكن وجودها في مناطق قريبة من الحدود مع الأردن وتركيا، سمح لها بالنجاة، أما قوات النظام فلم يعد أمامها سوى البحر والجزء "الرسمي" من لبنان، باعتبار أن جبال القلمون السورية المقابلة لجرود عرسال اللبنانية، وبلدتي حرفا وضهر السوريتين، المقابلتين لجبل الشيخ وخلفه منطقتي راشيا والبقاع الغربي اللبنانيتين، باتت في قلب الصراع العسكري.
أما لبنان، الذي "ينتظر" دوره، وسط خلافات سياسية داخلية تقليدية، فيتأهب لحقبة جديدة، لن تستثنيه هذه المرة، على الرغم من الوعود الأميركية والبريطانية بـ"حمايته". الأمور "كبيرة" إلى درجة أن "الدلع" السياسي اللبناني بات من الكماليات، ويُشكّل انفصاماً في الشخصية المعنوية للدولة وانفصالاً عن الواقع المحيط بوطن الـ10452 كيلومتراً مربعاً. وبشأن زيارات الموفدين الدوليين والعرب إلى بيروت، فهي ليست سوى تقليد اتّبعه جميع من زار لبنان: يوجّهون نصائح من نوع "التغيير آتٍ، فتعاملوا معه على هذا الأساس".
في اليمن، باتت الصورة أوضح، بعد حوالي ثلاثة أشهر على انطلاق عمليات التحالف العربي ضد الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح. تتجه الأمور إلى الحراك السياسي، على حساب العمليات العسكرية. ما سيعني تثبيت مواقع القتال، بانتظار الانتقال إلى مستوى آخر، بناء على تفاهمات أو خلافات إقليمية ودولية. ولن تكون الحلول في اليمن سريعة، بحكم تمازج الصراعات الداخلية والصراعات الإقليمية في الداخل. بالتالي، إن بحث موضوع المساعدات الانسانية، واستثناءها من أي حصارٍ مفروض، دليل على صيرورة اليمن، بقعة توتر لن تنتهي بحلولٍ سريعة.
وإذا كان "الجماد" عنواناً أساسياً في العراق واليمن، في الفترة المقبلة، فإن سورية أمام أدقّ مرحلة في تاريخها، والحراك المتسارع فيها، أكان في الرقة أو حلب أو الجنوب السوري، يشي بتحوّلات شتّى، ستؤدي إلى "أمور كبيرة" في الداخل السوري وفي الجوار، تحديداً لبنان. لم يعد الواقع الميداني في سورية كما كان عليه سابقاً، وتراجع قوات النظام إلى المدن أو عصب خطوط المواصلات بين العاصمة دمشق والساحل السوري، سيؤدي حكماً إلى استمرار النزاع في حدّه الأدنى، أو حسمه سريعاً ضد الرئيس بشار الأسد في حدّه الأقصى. ويبدو جلياً أن استمرارية قتال قوات النظام مرهونة بكمّ المساعدات العسكرية التي يقدّمها حلفاؤه، في انعكاس لما كانت عليه الأمور في السابق، حين كانت المعارضة المسلّحة تعاني من قلّة التدريب والنقص العسكري، لكن وجودها في مناطق قريبة من الحدود مع الأردن وتركيا، سمح لها بالنجاة، أما قوات النظام فلم يعد أمامها سوى البحر والجزء "الرسمي" من لبنان، باعتبار أن جبال القلمون السورية المقابلة لجرود عرسال اللبنانية، وبلدتي حرفا وضهر السوريتين، المقابلتين لجبل الشيخ وخلفه منطقتي راشيا والبقاع الغربي اللبنانيتين، باتت في قلب الصراع العسكري.
أما لبنان، الذي "ينتظر" دوره، وسط خلافات سياسية داخلية تقليدية، فيتأهب لحقبة جديدة، لن تستثنيه هذه المرة، على الرغم من الوعود الأميركية والبريطانية بـ"حمايته". الأمور "كبيرة" إلى درجة أن "الدلع" السياسي اللبناني بات من الكماليات، ويُشكّل انفصاماً في الشخصية المعنوية للدولة وانفصالاً عن الواقع المحيط بوطن الـ10452 كيلومتراً مربعاً. وبشأن زيارات الموفدين الدوليين والعرب إلى بيروت، فهي ليست سوى تقليد اتّبعه جميع من زار لبنان: يوجّهون نصائح من نوع "التغيير آتٍ، فتعاملوا معه على هذا الأساس".