الشرعية اليمنية تراهن على تعز... مفتاح التسوية المقبلة؟

06 مايو 2016
يتمسك أهالي تعز برفض الاستسلام لتحالف الانقلاب (العربي الجديد)
+ الخط -
لم يجد اتفاق وقف إطلاق النار في اليمن، منذ بدء سريانه في العاشر من إبريل/نيسان الماضي، طريقه إلى التنفيذ في محافظة تعز (جنوب العاصمة صنعاء وتبعد عنها بحوالى 256 كيلومتراً)، إذ تدور معارك متواصلة بين "المقاومة الشعبية" وقوات الشرعية من جهة، وبين مليشيات الحوثيين والقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، من جهة ثانية.

وقبل إعلان وفد الحكومة اليمنية يوم الأحد الماضي تعليق مشاركته في المشاورات المشتركة التي تجري ضمن محادثات السلام في الكويت بسبب خروق الحوثيين في مدن مختلفة، وخصوصاً  بعد السيطرة على معسكر لواء العمالقة في محافظة عمران (الواقعة بين صنعاء وصعدة شمال اليمن)، كان مصدر سياسي يمني، مقرب من الوفد الحكومي في المحادثات، قد أوضح لـ"العربي الجديد" أنه "إذا ما استمرت مليشيات وقوات تحالف الانقلاب بخرق الهدنة في تعز، وقصف المدنيين ومهاجمة مواقع الجيش والمقاومة، فإنّ وفد الحكومة اليمنية سيعلق مشاركته في حضور جلسات المحادثات، حتى يتم وقف نزيف الدم في تعز".


معارك متواصلة

تتركز المعارك التي تشهدها تعز في الجبهتين الشرقية والغربية من المدينة. ويقول سكان تلك المناطق، إن حدة المعارك تكون خلال فترات الليل، بينما يسود الهدوء خلال أوقات النهار.
من جهته، يفيد مسؤول عسكري في قوات الشرعية، في حديث لـ "العربي الجديد"، أن مليشيات الحوثيين وصالح تحاول، منذ بدء سريان الهدنة، السيطرة على موقع معسكر اللواء 35 مدرع الموالية للشرعية، الكائن في منطقة المطار القديم عند المدخل الغربي لمدينة تعز. ويوضح المسؤول نفسه أنّ موقع اللواء يتعرض كل يوم لهجمات عسكرية من جهات عدة، من قبل قوات تحالف الانقلاب المتمركزة في جبل الهان الاستراتيجي ومن جهة شارع الخمسين في شمال اللواء، بالتزامن مع قصفه بقذائف مدفعية وصاروخية.
بدورها، تتعرض مواقع "المقاومة" في محيط معسكر اللواء والسجن المركزي، وشارع الثلاثين غرب المدينة، إلى قصف معظم أوقات الليل منذ بدء الهدنة المفترضة. كما تهاجم المليشيات باستمرار مواقع "المقاومة" في جبهة الدفاع الجوي شمال غرب المدينة، بمختلف الأسلحة الثقيلة.
من جهتها، تشهد مناطق ثعبات والدمغة مواجهات عنيفة لم يغير بدء الهدنة من ضراوتها. وتعد مناطق ثعبات والدمغة بوابة الطريق الرابط بين قمة جبل العروس (في أعلى قمة جبل صبر جنوب المدينة) وبين مناطق المدينة من الجهة الشرقية.
وتترافق هذه المعارك مع قصف لا يتوقف على الأحياء السكنية، يطاول بشكل مستمر مناطق حوض الأشرف وثعبات والدمغة، وقرى صبر شرقاً.

ويتهم الجيش الوطني المليشيات بقصف مواقع الجيش و"المقاومة" في الجبهتين الغربية والشرقية وشنّ هجمات عليها بشكل مستمر. وفي السياق تأتي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني، العقيد منصور الحساني، يوم الأحد الماضي، لتوضح حجم الأضرار التي تلحق أيضاً بالمدنيين جراء عدم التزام المليشيات بالهدنة. ووفقاً للحساني، فإن قصف المليشيات للأحياء السكنية في تعز، تسبب بسقوط عشرات الضحايا من المدنيين وقوات الشرعية على حد سواء. وبحسب الإحصائيات الرسمية الصادرة عن الجيش في تعز، في 1 مايو/أيار الحالي، بلغ عدد القتلى في صفوف المدنيين وقوات الشرعية 48 شخصاً، فيما بلغ عدد المصابين 286 شخصاً، وذلك منذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار في العاشر من شهر إبريل/نيسان الماضي.
وتعيش مدينة تعز أوضاعاً إنسانية صعبة، نتيجة فرض مليشيات تحالف الانقلاب حصاراً شاملاً على المدينة مجدداً، حيث يتمركز عدد كبير من الألوية العسكرية الموالية للرئيس المخلوع بمؤازرة من مليشيات الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العام، على جميع على منافذ المدينة.


تشديد الحصار

يحاول تحالف الانقلاب أن تصل محافظة تعز إلى حالة الرضوخ إذا ما تم إحكام الحصار عليها، لذلك تم تشديد الحصار على المدينة مجدداً من جميع المنافذ. ووفقاً لروايات متعددة من سكان في المدينة تحدثوا لـ"العربي الجديد"، فإنّ المليشيات عادت لتشديد الحصار على المدينة وقيدت مجدداً حركة تنقل المدنيين، ومنعت تدفق المواد الغذائية من معبر حذران غرباً.
ويوضح الناشط الاعلامي فهد العميري، أن قناصة تابعين لتحالف الانقلاب تمركزوا في منافذ المدينة الغربية والجنوبية، لافتاً إلى أن أكثر من 8 مواطنين مدنيين قتلوا برصاص قناص في وادي غراب، آخرهم شخص يدعى مصطفى الجلال قتل برصاصة قناصة يوم الأحد الماضي وهو في موقع اللواء 35 مدرع غرب المدينة. وتحولت مناطق جبهة مديرية "مشرعة وحدنان"، وهي إحدى المديريات التابعة لجبل صبر، إلى منفذ وحيد لإدخال الدواء والغذاء إلى مدينة تعز المحاصرة. وكانت "المقاومة"، بالتعاون مع الأهالي، قد تمكنت في مايو/أيار من العام الماضي من دحر مليشيات الحوثيين منها.


مفتاح التسوية السياسية؟

تصدرت تعز منذ وقت مبكر المحافظات اليمنية الرافضة للانقلاب، وهو ما ترجم بالتظاهرات التي نظمها أهالي المدينة. أخيراً، وبالتزامن مع انطلاق محادثات السلام اليمنية الجارية في الكويت، عادت تعز لتكون أولى المحافظات اليمنية التي تتحرك، إذ خرج سكانها في مسيرة حاشدة هي الأكبر منذ انطلاق المحادثات، وذلك يوم الجمعة 29 إبريل/نيسان الماضي. ودعا المشاركون في المسيرة الوفد الحكومي إلى اتّخاذ "موقف" ممّا يجري في المدينة من قصف بقذائف صاروخية ومدفعية، وتواصل لأعمال القنص، وتفجير المنازل وزرع الألغام المتفجرة، وحصار من قبل مليشيات الحوثيين والرئيس المخلوع. كما رفعوا لافتات تطالب بتطبيق القرار الأممي 2216، وانسحاب مليشيات الحوثيين وصالح، وفكّ الحصار المفروض على المدينة منذ نحو عام.
وطالب بيان صادر عن القوى الوطنية والاجتماعية والتنظيمات السياسية والشبابية ومنظمات المجتمع المدني المشاركة في المسيرة بتنفيذ القرار الأممي 2216، دون تجزئته، بما في ذلك العقوبات المفروضة على الأشخاص المشمولين بالقرار. ورفض المشاركون محاولات تمييع القرار 2216، والالتفاف عليه لتفريغه من محتواه بكل السبل من قبل تحالف الانقلاب.
يومها غرّد رئيس وفد الحكومة الشرعية في المحادثات، نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية اليمني عبد الملك المخلافي، على موقع "توتير" قائلاً "لن نخذلكم ولن نتخلى عن مطالبكم ومطالب كل الشعب اليمني في تنفيذ القرار 2216"، مؤكداً أن "لا طريق للسلام إلا بتنفيذ القرار 2216".

من جهته، اتهم الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، خلال لقائه السفير الفرنسي لدى اليمن جان مارك غرو غران، السبت الماضي في الرياض، المليشيات بعدم الجديّة في تحقيق متطلّبات السلام في البلاد. واعتبر هادي أن "مواصلة الحصار على مدينة تعز، والحشد والخروق للهدنة التي تقوم بها المليشيات الانقلابية في مختلف الجبهات، تؤكد عدم الجدية لديهم في تحقيق متطلبات السلام".
ويصف مراقبون مدينة تعز بأنها "المدينة المعجزة التي لا تُهزم". كما يرى مراقبون أن تعز، المعروفة بـ"الحالمة"، هي مفتاح أي تسوية سياسية مقبلة.
وفي السياق، يقول المصدر السياسي المقرب من الوفد الحكومي في محادثات السلام، لـ"العربي الجديد"، إن "الحديث عن استئناف المسار السياسي لا يزال مبكراً". ويوضح أن "وفد الحكومة الشرعية يتمسك بتنفيذ نقاط بناء الثقة، والمتضمنة وقف إطلاق النار وفتح الممرات الآمنة وإطلاق المعتقلين ثم الانسحاب من المدن وتسليم السلاح واستعادة الدولة، قبل الانتقال للحوار السياسي حول صيغة التسوية التي ترتكز بالأساس على مخرجات الحور الوطني الشامل".

المساهمون