لم تعد صورة الشرطي تخيف الجزائريين منه، بل صاروا يستأنسون به. المؤسسة الأمنية تسعى إلى التقرّب منهم
بعد 17 يوماً على الاستقلال الوطني في شهر يوليو/ تموز عام 1962، أُنشئت مؤسسة الشرطة في الجزائر لتخلف مؤسسة الشرطة الفرنسية في مهام عديدة، منها حماية الأشخاص والممتلكات والحفاظ على الأمن العمومي والوقاية من الجريمة والانحراف ومراقبة تدفق الحركة على الحدود والتحري في المخالفات الجزائية. وخلال العشريّة الأخيرة، أدّى تطوّر المؤسسة إلى احتلالها المرتبة الخامسة عالمياً كأحسن جهاز شرطة بحسب تصنيف الإنتربول (المنظمة الدولية للشرطة الجنائية)، والسادسة عالمياً لجهة عدد عناصرها بالمقارنة مع عدد السكان بحسب ما بيّنت وكالة "بلومبرغ" الأميركية.
عرفت صورة الشرطي في الشارع الجزائري تحوّلات مختلفة من "الإخافة" إلى "الطمأنينة"، نظراً لعوامل موضوعية يشير المحامي مخلوف ش. لـ"العربي الجديد" إلى بعضها، من قبيل "توريط السلطة السياسية لجهاز الشرطة في قمع بعض التظاهرات المطالبة بالحقوق، وتساهل المرحلة السابقة في القضاء على التعسّف في استعمال السلطة من طرف أعوانها". ويقول: "في السابق، كان الشرطي يصفّي حساباته مع المواطن بطريقته الخاصة، وهو ما خلّف جملة من التجاوزات في مجال حقوق الإنسان. أمّا اليوم، فإنّ العدالة تستقبل شكاوى الشرطة المتعلقة بالمواطنين المتجاوزين، بمعدّل أربع قضايا في اليوم".
حرص مؤسسة الشرطة على سمعتها بين المواطنين، دفع بها في السنوات القليلة الماضية إلى إلزام مكاتبها بتوفير دفتر للشكاوى والملاحظات، مع استبيانات لمعرفة مدى رضا المواطن عن أداء الجهاز. في هذا الإطار كشف سبر للآراء أعدّته "المديرية العامة للأمن الوطني" في الثلاثي الأول من عام 2015 أنّ 94 في المائة من الجزائريين راضون عن طريقة تعامل الشرطي مع المواطن عند الحواجز الأمنية والأماكن العمومية ومكاتب العمل والتظاهرات المختلفة.
ويعيد الكاتب جلال حيدر من محافظة خنشلة (شرق) هذا الانسجام الجديد بين المواطن والشرطي، إلى أنّ "المؤسسة الأمنية التي شبّبت عناصرها وراهنت على أصحاب المستويات العلمية الرفيعة، قامت بمراجعات جذرية أملاها عليها فهمها لطبيعة الإنسان الجزائري الذي ينسى العقوبة أو الغرامة إذا طبّقت عليه مرفقة بابتسامة وكلام لا يقلل من احترامه". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "أثمن خطوتين جديدتين هما إلغاء التحقيقات الخاصة بملفات المواطنين (منها جوازات السفر) وتعيين عون الشرطة في مسقط رأسه. ذلك من شأنه أن يجعله عارفاً بالنسيج الاجتماعي الذي يشتغل فيه، وملماً بطبيعة الذهنيات والنفسيات السائدة. بالتالي، يتصرّف على أساس معرفته بالخصوصيات".
اقــرأ أيضاً
في آخر بيان أصدرته "الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان" بمناسبة "اليوم العالمي ضد عنف الشرطة" (15 مارس/ آذار)، أوضحت أنّ "الثقة بين الشرطة والمواطنين معطى ضروري لنشر قيم الأمن والسلام داخل المجتمع". وقد طالب بمزيد من الحريات في التجمع والتظاهر، في إشارة منها إلى استثناء مواطني الجزائر العاصمة من ذلك منذ عام 2001.
ويعلّق هنا الشرطي زهر الدين غ. أنّ "المطالبة بإلغاء هذا القرار يجب أن تُوجّه إلى السلطة السياسية، لا إلى المؤسسة الأمنية المسؤولة فقط عن احترام حقوق الإنسان أثناء تطبيقها للقوانين التي تقرها الحكومة". ويذكّر بالتظاهرات التي شهدتها الجزائر العاصمة في عام 2014 رفضاً للعهدة الرابعة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة. يقول: "اضطررنا إلى القبض على نخبة من المتظاهرين، كانوا إعلاميين وكتاباً وفنانين. لكننا لم نؤذِ أحداً أو نحتجزه خارج الوقت المسموح به قانوناً على الرغم من حساسية الموضوع سياسياً".
في مدينة عنابة (شرق) حضرت "العربي الجديد" وقائع استقبال مخفر الشرطة يوم 11 مايو/ أيار الماضي لشباب اتهموا سائق الحافلة التي خُصّصت لنقلهم أثناء مشاركتهم في تظاهرة ثقافية، بسرقة أغراضهم عند نزولهم لتناول العشاء. وقد ظهر اتساع صدور الأعوان أمام الحماسة الزائدة لبعض المشتكين، بما يمكن توصيفه بالجرأة.
"هل هذه الليونة أملاها الخوف الناجم عن تجربة الربيع العربي في الدول المجاورة"؟ يجيب أحد الضباط الذين كانوا المداومين: "بل أملتها التجربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب عقداً من الزمن قبل أن يعرفه غيرنا. وقد تشكّلت قناعتنا بأنّ المواطن شريك أساسي في نجاح المؤسسة الأمنية في أداء مهامها. من هنا ظهر مصطلح كرامة المواطن في أدبياتنا الجديدة". يضيف: "من مكاسبنا أنّه لم يعد راسخاً في الأذهان أنّ التوظيف في جهاز الشرطة يقوم على الوساطة والرشوة والتدخلات، ذلك أنّ المسابقات باتت نزيهة وصارمة ومفتوحة لأبناء الشعب، وشروطها وتواريخها متاحة في الموقع الرسمي للمؤسسة الأمنية وصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وخلال الأيام المفتوحة التي تتيح للمواطن التعرّف على الجهاز من الداخل".
يُذكر أنّ على الموقع الرسمي لـ"المديرية العامة للأمن الوطني"، تقاريراً وصوراً لمبادرة تدخل في صميم سياسة المرافقة، تتمثل في زيارات لمؤسسات تربوية قام بها اختصاصيون نفسيون تابعون لجهاز الشرطة، تحت شعار "من أجل امتحانات بدون ضغوط نفسية". وقد استفاد منها المترشحون لشهادة البكالوريا (الثانوية العامة) ولشهادة التعليم المتوسط.
اقــرأ أيضاً
بعد 17 يوماً على الاستقلال الوطني في شهر يوليو/ تموز عام 1962، أُنشئت مؤسسة الشرطة في الجزائر لتخلف مؤسسة الشرطة الفرنسية في مهام عديدة، منها حماية الأشخاص والممتلكات والحفاظ على الأمن العمومي والوقاية من الجريمة والانحراف ومراقبة تدفق الحركة على الحدود والتحري في المخالفات الجزائية. وخلال العشريّة الأخيرة، أدّى تطوّر المؤسسة إلى احتلالها المرتبة الخامسة عالمياً كأحسن جهاز شرطة بحسب تصنيف الإنتربول (المنظمة الدولية للشرطة الجنائية)، والسادسة عالمياً لجهة عدد عناصرها بالمقارنة مع عدد السكان بحسب ما بيّنت وكالة "بلومبرغ" الأميركية.
عرفت صورة الشرطي في الشارع الجزائري تحوّلات مختلفة من "الإخافة" إلى "الطمأنينة"، نظراً لعوامل موضوعية يشير المحامي مخلوف ش. لـ"العربي الجديد" إلى بعضها، من قبيل "توريط السلطة السياسية لجهاز الشرطة في قمع بعض التظاهرات المطالبة بالحقوق، وتساهل المرحلة السابقة في القضاء على التعسّف في استعمال السلطة من طرف أعوانها". ويقول: "في السابق، كان الشرطي يصفّي حساباته مع المواطن بطريقته الخاصة، وهو ما خلّف جملة من التجاوزات في مجال حقوق الإنسان. أمّا اليوم، فإنّ العدالة تستقبل شكاوى الشرطة المتعلقة بالمواطنين المتجاوزين، بمعدّل أربع قضايا في اليوم".
حرص مؤسسة الشرطة على سمعتها بين المواطنين، دفع بها في السنوات القليلة الماضية إلى إلزام مكاتبها بتوفير دفتر للشكاوى والملاحظات، مع استبيانات لمعرفة مدى رضا المواطن عن أداء الجهاز. في هذا الإطار كشف سبر للآراء أعدّته "المديرية العامة للأمن الوطني" في الثلاثي الأول من عام 2015 أنّ 94 في المائة من الجزائريين راضون عن طريقة تعامل الشرطي مع المواطن عند الحواجز الأمنية والأماكن العمومية ومكاتب العمل والتظاهرات المختلفة.
ويعيد الكاتب جلال حيدر من محافظة خنشلة (شرق) هذا الانسجام الجديد بين المواطن والشرطي، إلى أنّ "المؤسسة الأمنية التي شبّبت عناصرها وراهنت على أصحاب المستويات العلمية الرفيعة، قامت بمراجعات جذرية أملاها عليها فهمها لطبيعة الإنسان الجزائري الذي ينسى العقوبة أو الغرامة إذا طبّقت عليه مرفقة بابتسامة وكلام لا يقلل من احترامه". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "أثمن خطوتين جديدتين هما إلغاء التحقيقات الخاصة بملفات المواطنين (منها جوازات السفر) وتعيين عون الشرطة في مسقط رأسه. ذلك من شأنه أن يجعله عارفاً بالنسيج الاجتماعي الذي يشتغل فيه، وملماً بطبيعة الذهنيات والنفسيات السائدة. بالتالي، يتصرّف على أساس معرفته بالخصوصيات".
في آخر بيان أصدرته "الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان" بمناسبة "اليوم العالمي ضد عنف الشرطة" (15 مارس/ آذار)، أوضحت أنّ "الثقة بين الشرطة والمواطنين معطى ضروري لنشر قيم الأمن والسلام داخل المجتمع". وقد طالب بمزيد من الحريات في التجمع والتظاهر، في إشارة منها إلى استثناء مواطني الجزائر العاصمة من ذلك منذ عام 2001.
ويعلّق هنا الشرطي زهر الدين غ. أنّ "المطالبة بإلغاء هذا القرار يجب أن تُوجّه إلى السلطة السياسية، لا إلى المؤسسة الأمنية المسؤولة فقط عن احترام حقوق الإنسان أثناء تطبيقها للقوانين التي تقرها الحكومة". ويذكّر بالتظاهرات التي شهدتها الجزائر العاصمة في عام 2014 رفضاً للعهدة الرابعة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة. يقول: "اضطررنا إلى القبض على نخبة من المتظاهرين، كانوا إعلاميين وكتاباً وفنانين. لكننا لم نؤذِ أحداً أو نحتجزه خارج الوقت المسموح به قانوناً على الرغم من حساسية الموضوع سياسياً".
في مدينة عنابة (شرق) حضرت "العربي الجديد" وقائع استقبال مخفر الشرطة يوم 11 مايو/ أيار الماضي لشباب اتهموا سائق الحافلة التي خُصّصت لنقلهم أثناء مشاركتهم في تظاهرة ثقافية، بسرقة أغراضهم عند نزولهم لتناول العشاء. وقد ظهر اتساع صدور الأعوان أمام الحماسة الزائدة لبعض المشتكين، بما يمكن توصيفه بالجرأة.
"هل هذه الليونة أملاها الخوف الناجم عن تجربة الربيع العربي في الدول المجاورة"؟ يجيب أحد الضباط الذين كانوا المداومين: "بل أملتها التجربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب عقداً من الزمن قبل أن يعرفه غيرنا. وقد تشكّلت قناعتنا بأنّ المواطن شريك أساسي في نجاح المؤسسة الأمنية في أداء مهامها. من هنا ظهر مصطلح كرامة المواطن في أدبياتنا الجديدة". يضيف: "من مكاسبنا أنّه لم يعد راسخاً في الأذهان أنّ التوظيف في جهاز الشرطة يقوم على الوساطة والرشوة والتدخلات، ذلك أنّ المسابقات باتت نزيهة وصارمة ومفتوحة لأبناء الشعب، وشروطها وتواريخها متاحة في الموقع الرسمي للمؤسسة الأمنية وصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وخلال الأيام المفتوحة التي تتيح للمواطن التعرّف على الجهاز من الداخل".
يُذكر أنّ على الموقع الرسمي لـ"المديرية العامة للأمن الوطني"، تقاريراً وصوراً لمبادرة تدخل في صميم سياسة المرافقة، تتمثل في زيارات لمؤسسات تربوية قام بها اختصاصيون نفسيون تابعون لجهاز الشرطة، تحت شعار "من أجل امتحانات بدون ضغوط نفسية". وقد استفاد منها المترشحون لشهادة البكالوريا (الثانوية العامة) ولشهادة التعليم المتوسط.