يعيش معظم الباكستانيين تحت خط الفقر المدقع. هذه المعاناة تُجبر كثيرين على التسول. ولا تستثني المهنة النساء والأطفال الذين تحولوا إلى محترفين في هذا المجال. في المدن التجارية الكبرى، على غرار كراتشي، لا يلجأ البعض إلى التسول بسبب العوز فقط، بعدما تحولت إلى مهنة تديرها عصابات محترفة تستخدم النساء والشيوخ والأطفال، وخصوصاً المعوّقين منهم، لاستمالة عواطف الناس بهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من الربح.
يقول الناشط محمد نديم، الذي أجرى دراسة ميدانية في مدينة كراتشي (عاصمة إقليم السند)، لـ"العربي الجديد"، إن "80 في المئة من المتسولين في المدينة تديرهم عصابات خاصة، اتخذت من التسول مهنة، تجمع من خلالها مئات الآلاف شهرياً في مقابل دفع أجور زهيدة للمتسولين". ويحكي قصة رزمت خان، الذي كان عاطلاً عن العمل، فترك عاصمة إقليم خيبربختوانخوا (شمال غرب باكستان)، وسافر إلى كراتشي للبحث عن عمل. وبعدما يئس، أنشأ برفقة زميل عصابة للتسول، وجمع أكثر من عشرة أطفال معظمهم أيتام، على أن تحصل كل عائلة على 500 روبية يومياً.
يحكي الناشط أن هذا الشاب الثلاثيني يبدأ عمله في الساعة الثامنة صباحاً. يوزع الأطفال على المراكز التجارية والإشارات الضوئية والمساجد والأضرحة. عند الظهيرة، يقدم لهم الطعام، قبل أن يعيدهم في المساء إلى منزل استأجره لهم قرب منطقة لياري. وهو يضطر إلى دفع ثلث أرباحه يومياً إلى رجال الأمن للسماح له بمواصلة العمل.
في كراتشي وغيرها من المدن الكبرى، هناك عشرات عصابات التسول. ينطلق إليها المتسولون من القرى والأرياف النائية، بحسب نديم. يضيف أن هذه العصابات تعمل بدعم من رجال الأمن الذين يحصلون في المقابل على إتاوات.
في هذا الإطار، تقول ناهيد جل، التي تتسول في سوق راجه بازار في مدينة روالبندي المجاورة للعاصمة إسلام أباد، إن رجال الشرطة يسمحون لها ولأولادها الثلاثة بالتسول في السوق في مقابل حصولهم على ألف روبية يومياً. تضيف أن عشرات النساء والأطفال يتسولون في أكبر سوق في المدينة، وجميعهم يدفعون المال لرجال الأمن، موضحة أن المبالغ التي يفرضها هؤلاء على المتسولين تختلف من مكان إلى آخر. احترفت ناهيد التسول علماً أنها لم تكت بحاجة إلى المال. يكسب زوجها، وهو سائق، ما يكفي لسد احتياجات العائلة.
من جهته، لجأ أرشد (45 عاماً)، إلى التسول بعدما أدمن على المخدرات. يقول، لـ"العربي الجديد"، إنه عاش سنوات عدة تحت وطأة الفقر، ما دفعه إلى تعاطي المخدرات. يوضح أنه يتسول لأنه غير قادر على القيام بأي عمل آخر. لا يحصل على أيه مساعدة من أحد، ولديه ستة أطفال ينتظرون قدومه في المساء لتناول الطعام.
أساليب التسول تقليدية وقديمة. يلجأ المتسولون إلى ترديد عبارات الاستعطاف للحصول على المال، فيما يتعمّد بعضهم البكاء. آخرون يتظاهرون بأنهم يعانون من إعاقات جسدية.
يفضّل البعض التسول على مقربة من المساجد. بعد انتهاء أي صلاة، يطلبون المساعدة من الناس، ويسردون قصصاً مأساوية، كوفاة أحد أفراد عائلاتهم، أو مرض الزوجة والأولاد، وغيرها من الأمور. وعلى الرغم من منع أئمة المساجد المتسولين من الوقوف أمام المساجد، أو التسول في داخلها، إلا أن طوابير المتسولين أمام المساجد أضحت أمراً روتينياً في كثير من المدن الباكستانية، بخاصة بعد صلاة الجمعة.
تجدر الإشارة إلى أن وزير الداخلية، شودري نثار، كان قد وعد بالقضاء على ظاهرة التسول في البلاد بشكل عام، وخصوصاً في العاصمة الباكستانية إسلام اباد. وشنّت قوات الأمن حملة أمنية ضدهم من دون جدوى، فما زالت العاصمة تعج بالمتسولين.
وبين فترة وأخرى، تشن قوات الأمن حملات في جميع المدن الباكستانية، تعتقل خلالها بعض المتسولين لفترات قصيرة، قبل أن تفرج عنهم. لكن بمجرد خروجهم من السجون، يعود هؤلاء إلى التسول مجدداً. وفي بعض الأحيان، تكتفي قوات الأمن بأخذ ما يجمعه المتسولون أثناء النهار، ويتم الإفراج عنهم قبل الوصول إلى مراكز الشرطة.
أيضاً، عمدت الحكومة إلى إنشاء دور تأديب للمتسولين ومتعاطي المخدرات في مختلف مناطق البلاد، كدار التأديب في إقليم خيبربختونخوا (شمال غرب باكستان)، ودار الرعاية الذي افتتحه "بيت المال" التابع للحكومة المركزية في العاصمة إسلام أباد. إلا أن هذه الخطوات لم تسهم في الحد من هذه الظاهرة التي تعم كافة المدن الباكستانية.