تقول الهيئة المستقلة لشكاوى الشرطة في الدنمارك، وهي المتخصصة بفحص شكاوى المواطنين ضد شرطة بلادهم، في تقريرها الأخير إنّ الفترة بين عامي 2012 و2014 ارتفع فيها العدد الكلي للشكاوى ضد الشرطة بنسبة 17 في المائة. تلك الشكاوى تعتبر خطيرة وتصنف كقضايا جنائية، وخصوصاً ما يتعلق بسلوك رجال تطبيق القانون في التعامل مع مواطنيهم، والذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى حالات إصابة خطيرة جسدياً ونفسياً.
في الدنمارك، يحق للمواطنين تقديم شكوى ضد رجال الشرطة في مراكز الشرطة نفسها. ويتوجب على الشرطة تسجيلها وإرسالها إلى الهيئة المستقلة التي تعمل على فحص تلك القضايا بعلم النائب العام.
وبلغ عدد الشكاوى ضد الشرطة 1919 شكوى عام 2012. وارتفعت إلى 2198 شكوى عام 2013. لتصل إلى 2248 شكوى عام 2014.
وفي واحدة من القضايا التي اطلعت "العربي الجديد" عليها، تعرض ثلاثة فتية من أصل عربي تتراوح أعمارهم ما بين 12 و13 عاماً، للضرب على يد الشرطة التي شكّت بهم عندما كانوا يشترون من إحدى محطات البنزين. الشرطة أنكرت ضربهم، لكنّ الحادثة وثقتها كاميرا فيديو مثبتة كان يراقبها شرطي آخر.
لم ترغب الأسر في البداية برفع قضية خوفا مما يسمونه "تسلط الشرطة على الأولاد لاحقاً". ويقول تربوي عربي على اتصال بالقضية، إنّها أغلقت وتم نقل الشرطي الذي اطلع على تسجيلات كاميرا المراقبة.
وبرأي هذا المتابع فإنّ "انتشار الخوف بين الأهالي في التجمعات السكانية التي تضم مواطنين مهاجرين من ردود الأفعال اللاحقة للتقدم بالشكاوى، يعبّر عن ضعف ثقافة الثقة بالقانون ورجال العدالة".
وفي قضية أخرى، سارت الأمور بشكل مختلف. فقد استدعى أحد مستشفيات جنوب جزيرة شيلاند، حيث تقع العاصمة كوبنهاغن، عام 2013، رجال الشرطة للسيطرة على رجل مريض يبلغ من العمر 36 عاماً بسبب "اظهاره نوعاً من العنف". لم يهدأ الرجل حتى بوجود الشرطة، مما اضطرها لتكبيله وهو على الحمالة، عندما لم يرغب أن يرافقهم إلى مركز الشرطة طوعاً. لكنّه أصيب بسكتة قلبية بينما كانوا ينقلونه إلى السيارة. والمؤسف في الأمر أنّ رجل الشرطة كان قد نسي مفتاح الأصفاد في مركزه، ولم يتم تقديم الإسعافات الأولية للرجل كما يلزم.
مات الرجل بين أيدي رجلي شرطة مضى على خدمتهما عامان ونصف. وجاء تقرير محامي الدولة (بعد عامين على الحادثة في مايو/ أيار 2015) مخيباً لأهل الرجل ومحاميهم. فقد بُرئ رجلا الشرطة من أيّ تهمة جنائية ولم يعاقبا.
من جهتها، قدمت عائلة الرجل شرحاً مختلفاً عما خلص إليه تقرير هيئة الشكاوى ومحامي الدولة. وقالت عبر محاميها: "كان من الممكن أن يكون ابننا بيننا اليوم لو جرى التصرف بطريقة مختلفة، أو لو وضعت الأصفاد بطريقة مغايرة. كنا نرغب بأن تنظر محكمة مستقلة في القضية". فالعائلة ترى بأن الشاب الذي كان يعاني من وزن زائد، ألقي على بطنه ووضعت الأصفاد في يديه خلف ظهره على الحمالة، مما أدى إلى السكتة القلبية.
وفي قضية أخرى، في منطقة بلووغوردس بكوبنهاغن (أبريل/ نيسان 2014)، جرى تصويرها وتقديمها للهيئة المستقلة لشكاوى الشرطة، تعرض رجل دنماركي من الأشخاص المعوقين يجلس على كرسي متحرك، للضرب، بينما كان يحاول لفظياً الدفاع عن شخص تعتقله الشرطة. فقد هجم عليه شرطيان وصرخا بوجهه ودفعه أحدهما عن كرسيه فوقع أرضاً، وتركاه وسط غضب ودهشة السكان الذين صوروا الحادثة ليلاً. وبينما ساعده المارة لم يهتم رجلا الشرطة، بل استمرا في الصراخ عليه.
بعد عام تقريباً على الشكوى، وفضح التصرف الذي يعتبره المواطنون فظاً بحق شخص معوق، لم يصدر عن الهيئة المستقلة للشكاوى سوى "انتقاد تصرف أحد الشرطيين" بحسب مديرة الهيئة كيرستن دورمان. وقد أكدت بأنّ الفيديو المسجل "لا يمكن فيه الاثبات أنّ الشرطي دفعه عن الكرسي المتحرك".
تشهد الدنمارك تغيراً ملحوظاً على صعيد ارتفاع الشكاوى ضد الشرطة اليوم. وعلى الرغم من أنّ الشائع هو "حماية الشرطة لبعضها" إلاّ أن وجود نظام قضائي مستقل بات يدفع كثيرين إلى انتظار قرارات "الهيئة المستقلة لشكاوى الشرطة". وإذا لم تكن لمصلحتهم فإنهم يرفعون القضايا أمام المحاكم التي يحق لها محاكمة أي شخص.
وبعد تصاعد الانتقادات بحق الشرطة خلال الأعوام الماضية، اقترحت نقابة رجال الشرطة ترقيم رجال الشرطة لتسهيل مهمة التقدم بشكاوى بحق هؤلاء، إذا ما رأى مواطنون عاديون رجال الشرطة يتصرفون بطريقة غير لائقة بحق مواطنين آخرين. بينما يذهب البعض للمطالبة بإجبار الشرطة على حمل كاميرا مثبتة على زيهم الرسمي خلال عملياتهم الأمنية.
اقرأ أيضاً: الأُمم المتّحدة تُسائلُ الدنمارك