ترتبط الكثير من الأحزاب السياسية في المغرب بأسماء زعمائها وقيادييها، حتى إن عدداً منها لا يتم الحديث عنها من دون ذكر أمينها العام، لتصبح "شخصنة" مجموعة من الأحزاب السياسية المغربية آفة بدأ محللون وفاعلون سياسيون يحذرون منها، خشية تقزيم هذه الأحزاب وحصرها في مجرد أشخاص عوض برامج واستراتيجيات.
ويكاد لا يوجد حزب مغربي أفلت من ظاهرة الشخصنة. فمنذ البدايات الأولى للعمل السياسي بالبلاد، ارتبطت الأحزاب بشخصية مؤسسيها أو قيادييها، حتى ظهرت شخصية قوية داخل الأحزاب ربطت مصير الحزب بمصير قائده، وإذا غاب القائد ضعف الحزب وترّهل.
وهكذا عُرف حزب الاستقلال كثيراً بشخص الراحل علال الفاسي، وحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بشخص عبد الله إبراهيم، والاتحاد الاشتراكي بعبد الرحيم بوعبيد، ثم عبد الرحمان اليوسفي، والجبهة الدستورية عرفت بالراحل رضا اكديرة، والاتحاد الدستوري بالمعطي بوعبيد. من جهته ارتبط حزب الأصالة والمعاصرة بفؤاد عالي الهمة، وحزب العدالة والتنمية بأمينه العام الحالي عبد الإله بنكيران، الذي يترأس الحكومة المغربية أيضاً.
اقرأ أيضاً سنوات حكم "العدالة والتنمية" في المغرب: حصيلة المعارضة والموالاة
وتجدد النقاش حول شخصنة الأحزاب في المغرب عقب التحذير الذي أطلقته أخيراً أمينة ماء العينين، وهي قيادية في حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، بخصوص مخاطر تحول حزبها من "حزب الفكرة إلى حزب الشخص"، في إشارة ضمنية إلى بنكيران.
ويرى الباحث في العلوم السياسية، عبد الرحيم العلام، أن الشخصنة طغت على العديد من الأحزاب المغربية، إذ لا يكاد يسلم منها حزب في المشهد السياسي في البلاد.
وفي ما يتعلق بحالة "العدالة والتنمية"، يشير إلى أن ما سمّاها "إيديولوجية بنكيران" أضحت هي المسيطرة على الحزب منذ انتخابه في العام 2007.
ووفقاً للعلام، فإنّ بنكيران هو من دفع حزبه إلى رفض المشاركة في تظاهرات حركة 20 فبراير، على الرغم من احتجاج بعض القياديين، وتجميد البعض الآخر لعضويتهم داخل الحزب، على حد قوله. كما يعتبر علام أن بنكيران هو من دفع بالحزب لقبول هيكلة الحكومة المقترحة عليه من قبل القصر، وهو الذي تحكم في اختيار وزراء حزبه. وبحسب العلام، فإنه من غير المستبعد أن يتم تأجيل مؤتمر الحزب إلى ما بعد الانتخابات المقبلة، من أجل إتاحة الفرصة لبنكيران، كي يحصل على ولاية ثانية في الحكومة بما أنه لم يعد له الحق لرئاسة الحزب، إذ استنفد ولايتين متتابعتين كما ينص على ذلك قانون "العدالة والتنمية".
ويشير العلام إلى أن "هناك شكاوى متعددة رفعت ضد بنكيران من داخل ذراعه الدعوي، حركة التوحيد والإصلاح، اذ يتهم الحزب بالسيطرة على الحركة بعدما كان العكس هو السائد"، على حد قوله.
من جهته، يشدد القيادي في "العدالة والتنمية"، عبد العزيز أفتاتي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، على أن الحزب لديه مؤسسات قوية يرجع إليها جميع قياديي الهيئة السياسية عند الضرورة لتحسم فيما تم الاختلاف حوله ولينضبط الجميع لقرارات الحزب، فتذوب الشخصنة لترتفع مصلحة الحزب.
وبخصوص السياقات التي جعلت من بنكيران صاحب "الصوت الأعلى" داخل الحزب، يشير أفتاتي إلى أن هذا الأمر طبيعي ما دام بنكيران هو من يقود الحزب والحكومة، لكن ذلك لا يعني أن جميع الآراء تكون مثل رأيه وكل المواقف تنصهر مع موقفه، باعتبار أن الحزب يسع جميع الآراء والاختلافات. ويشير أفتاتي إلى أن "بنكيران هو رجل دولة عرف المغاربة في عهده معنى السياسة، وصار لهم شغف للاطلاع على جلسات البرلمان، وأصبح للسياسة هدف وغاية لدى العديد من المواطنين بخلاف الماضي، عازياً ذلك إلى ما سمّاه "خطاب الصدق والجرأة في اتخاذ قرارات لم تجرأ الحكومات السابقة على اتخاذها، فضلاً عن فتح ملفات اجتماعية حارقة، من قبيل إصلاح صندوق المقاصة، وهو صندوق دعم المواد الاستهلاكية، وإصلاح نظام التقاعد".
اقرأ أيضاً: هل انتهى العمل النقابي في المغرب؟