الشباب "دينامو" الجهاد والإرهاب

13 نوفمبر 2014
هذه التنظيمات مشهورة بالانضباط والتنظيم وفائض القوة والبطش(أ.ف.ب)
+ الخط -

لا يختلفُ اثنان على أهمية الشباب ودوره الحيويّ والفعّال في بناء الأوطان أو حتى المضي في ركب الحضارة والإسهام المميز فيها، فهم الذين يعوّل عليهم في المحافظة على ديمومة الجنس البشري وبذل قُصارى الجهود والطاقات لخير البشريّة وإنجاز كلّ ما فيه من خير لصالح البشريّة أو الكوكب على حد سواء.
 
لكن في المقلب الآخر، ماذا لو تحوّلت هذه الطاقات المتقدّة والعزائم المخبوءة تجاه الطريق الخاطئ، أو ذهبت كغثاءِ السيل بعكس ما تقتضيه مصلحة الأنام والعباد؛ وهذا ما يحصل اليوم مع قوافل الشباب التي تنضمُ لركب "الجهاد الكونيّ" العابر للحدود والقارات، والمتمثّل بعدة حركات متطرّفة، تجليّها الأكثر وضوحاً ما يُعرف اليوم "بالدولة الإسلامية" والتي تُدعى أيضاً بـ"داعش" اختصاراً وانتقاصاً لها من قبل العوام وحتى في أغلب وسائل الإعلام.

أخطرُ ما قامت به هذه المنظمات المتطرّفة المبدعة في مجال الإجرام والتفنّن به، هو اجتذابها الكثيف لجمهرةِ واسعة من الشباب، فجلُّ مُنتسبيها ومقاتليها الأكفّاء هم من الشباب، حيث عمدت إلى وسائل ناجعةً للتأثير على أدمغتهم وخاطبتهم بوسائل العصر، ولم تعتمد خطاباً واحداً جامداً لكلّ الشباب في أنحاء المعمورة، بل كلُّ حسب بلده وثقافته ومحيطه.

إن الشباب الواقع في البيئات المحليّة التي سيطرت عليها هذه التنظيمات، كما هو الحال في سورية والعراق اللذين استفحل فيهما وباء التطرّف وصار ظاهرةً باديةً للعيان، هذا الصنف كان لانضمامه إلى صفوف هذه الحركات مسّوغات عديدة، أولها وأهمها: شعورهم بالخذلان بعد عسكرة الحراك السلمي ضد النظام، فهم كانوا عماد الثورة السلمية التي تحوّلت لاحقاً إلى مسلّحة تعتمد على مجموعات سورية حملّت السلاح للدفاع عن أهلها وأعراضها، لكنّ لم تتلقَ الدعم والمدد الكافيين لتقاوم هذا الإجرام المنفلت العقال، ناهيك عن شرذمة هذه الكتائب "الجيش الحر" وتفرّقها وضعفها مع مرور الوقت، في حين لم يتمكن كل هذا الحراك من إسقاط النظام، فوجدوا في هذه التنظيمات المشهورة بالانضباط والتنظيم وفائض القوة والبطش الذي تتمتع به خلاصاً وملاذاً معزيّاً لهم. بينما كان انضمام القسم الآخر منهم لسبب عقائدي بحت فطرح هذه الحركات المبسّط وتجسيدها لحلم إقامة الخلافة الذي يدغدغ مشاعر الكثير من الشباب والنوستالجيا التي تراودهم في إعادة فتح العالم مجدداً تحت ظل دولة الخلافة كما هو الحال في التاريخ الغابر الذي قرأوا عنه وشاهدوه في مقاربات دراميّة متلّفزة بتسطيح وسرد ممجوج، بينما تتوزع الأسباب الأخرى بين مادية محض نتيجة الموارد المالية الهائلة التي تمتلكها هذه التنظيمات، مما يتيح لها تأمين دخل مريح لأعضائها، وأسباب نفسية وسوسيولوجية تتمثّلُ في النزوع نحو التسلّط وممارسته على الغير وهذا ما تؤمنه هذه التنظيمات، وبشدة.

أما بخصوص الصنف الثاني وهم الشباب القادمون من الدول العربية الآخرى، أو من دول الغرب، فلهم أسبابهم ودوافعهم الخاصة، ومنها الرغبة بالتمرد على الواقع الذي يعيشونه في بلدانهم، والنزوع إلى المغامرة التي رأوها في أفلام الأكشن الهوليودية ورغبوا بتطبيقها وتجربتها على أرض الواقع أثناء المعارك التي تخوضها هذه التنظيمات. وهذا ما يفسّر انضمام عدد من المشاهير في العالم الغربي إلى صفوف هذه الحركات الجهادية من لاعبين مشهورين ونجوم غناء بارزين وصولاً إلى عارضات أزياء في بعض الحالات، لكن هذا لا ينفي وجود دوافع عقائدية دينية أو إيديولوجية تتمثّل في الشباب القادمين من دول عربية، أو من أبناء الجيل الثالث من المهاجرين في البلدان الغربية، والذين تبوأوا مناصب قيادية هامة في صفوف هذه الجماعات.

كما للشابات المنتسبات لصفوف الجماعات المتطرّفة قصصُ وحججُ سهلت وفتحت الدروب أمامهن للدخول في هذا المضمار، على سبيل المثال توجد كتيبة نسائية خاصة لدى الدولة الإسلامية "داعش" في الرقة تقودها فتيات ذوات سمعة سيئة.

وجدن في الانضمام لهذا التنظيم خلاصاً من ماضيهنّ وفضاءً يمارسن من خلاله السطوة والسلطة على الشابات والنسوة ضمن هذا النطاق المجتمعي، إضافة للفتيات ذوات الأعمار الصغيرة اللواتي استطاع مقاتلو التنظيم إغراء أهاليهن بالمال، أو استخدموا سطوتهم وتزوجوا بهذه الفتيات ثم قاموا بتنسيبهن لصفوفه، يُذكر في هذا الصدد قصة فتاةً صغيرة في الرقة لا يتجاوز عمرها الحادية عشرة انضمت لداعش وأطلقت على نفسها اسم "أم بكر" وأصبحت مسؤولةً عن تنظيم الدور الخاص للنساء أمام الأفران، ويُعزى سبب وجود مثل هذه الحالات إلى الحفلات الدعويّة التي يقيمها التنظيم داخل خيم متنقلّة يتم فيها تشجيع الأطفال على الجهاد، ويُجرى خلالها مسابقات دينية وتُوزع فيها الهدايا والعطايا عليهم.

ويبقى الشبابُ هم الأخطر في المعادلة الجهادية، فهم بمثابة "الدينامو" الذي يضخ الحياة فيها، والخزان الأهم الذي تعتمده في مشاريعها وتطلعاتها، لذا فإنّ إبعاد الشباب عن هذا الوباء هو رأس حربة مواجهته.

المساهمون