الشاشة الصغيرة: الكوميديا تكسب... والدراما في المرتبة الثانية

27 أكتوبر 2017
"هيدا حكي" (MTV)
+ الخط -
هزّات مُتكرّرة أصابت عالم الإعلام المرئي منذ سنوات، لعدة أسباب، منها بالطبع، مداهمة عصر الميديا الإلكترونية التي جاءت لتنقل كافة الإنتاجات مختصرة على الحاسوب والهواتف النقالة، خصوصاً مع اتساع قدرة منصات المواقع المتخصصة بنقل وبث البرامج التلفزيونية، وما ترتب على ذلك من تراجع في عدد متابعي البرامج داخل المنازل على الشاشة الصغيرة، وتفضيلهم متابعتها على الهواتف أو الحواسيب، لأنّها أسهل، برأيهم.

لم تتنبّه المحطات التلفزيونية لهذا التطور التكنولوجي، إلا أخيراً. سنتان وبدأت معظم المحطات العربية الاعتماد على ما يُسمى بخدمة البث المباشر، وهي التي تنقل كل ما تبثه المحطة من برامج ومسلسلات. لكن الواضح أنّ عدد هذه المحطات قليلٌ قياسًا إلى التطور وسرعة انتشار المواقع البديلة، والتي تحاول أخذ مكان التلفزيون، بعضها شرعي، وبعضها الآخر لا يعدو كونه سرقة لإعادة عرض برنامج أو مسلسل ولو بدقّة منخفضة.


في نظرة سريعة على محمّل "غوغل"، نشاهد مجموعة من العناوين أثناء البحث عن معلومة، وأبرز هذه العناوين لها علاقة بأغنية أو مقطع فكاهي من برنامج أو مسلسل، وهي منقولة على منصة "يوتيوب" أو موقع آخر، ويتسنى للجميع متابعتها في أي وقت دون جهد إضافي.

في السنوات الأخيرة، اعترفت معظم المحطات التلفزيونية العربية بأزمة حقيقية، أزمة قللت كثيراً من ميزانية الإنتاج التي كانت تُوزع على جزء كبير من البرامج الرابحة التي تنتظرها المحطة بدافع تحقيقها لأعلى نسبة إعلانات تجارية. وهذا ما دأب عليه الإعلام طوال السنوات التي سبقت ثورة الميديا البديلة.

بداية، لم يدخل الإعلام العربي منظومة المواقع الخاصة إلا بعد تلقف الجمهور للثورة الرقمية منذ عقد تقريبًا. ومع ذلك، قلل البعض إنتاج البرامج والمسلسلات التي لا تأتي بربح، أو تلك التي لم تعد تأتي بكلفتها المالية. وتحولت بعض الشاشات إلى مواكبة عصر الميديا، عبر البرامج ونشرات الأخبار، وخصصت من أجل ذلك تقارير ومحاور ضمن نشرات الأخبار، تنقل ما يجري على المواقع البديلة. وكما هو الحال في السياسة، أصبحت للمنوعات والغرائب مساحة أقوى ضمن النشرة، وجرى لاحقًا استثمار ذلك عبر برامج متخصصة، إيمانًا بقدرة هذه المواقع، كـ"فيسبوك" و"تويتر" وغيرها، على تسويق آخر للمحطة. حتى غلب الطابع النقدي على كل الإنتاجات التي تُعرض على معظم الشاشات العربية، وأضحت فقرات "سوشيال ميديا" قاعدة داخل أي برنامج أو حوار داخل المحطات نفسها.

تقدم اليوم معظم الشاشات العربية مجموعة من البرامج الحوارية النقدية الخفيفة. الاتجاه اليوم، مشابه لشفافية الإعلام الغربي الذي تبنى هذا النوع من البرنامج منذ نصف قرن، وأبقى عليه لأنه على تماس مباشر مع المشاهد، وبعيد كل البعد عن كليشيهات الاستقبال والوداع العربية. على العكس، بل هي مجرد حوار أو أمسية غنائية في البرنامج، لا تزيد مدته بالضرورة عن تسعين دقيقة.

في مصر، نجحت هذه البرامج التي اتجهت إلى نقل صورة عن الشارع بغض النظر عن رأي مقدميها، وكيفية رؤية هذا الذي يحصل في الشارع. لكن بعد سنة 2011، والانتفاضة الشعبية، تحولت معظم المنابر المصرية إلى طرف لمواجهة الأزمة. فوظف البعض أنفسهم كأبواق تحمي الأنظمة القمعية، وتطالب بالتالي بالانفتاح، بينما انقلب آخرون، وتحولوا إلى أبطال في الصراع العربي الجاري اليوم بين مؤيد ورافض.

أمّا في لبنان، فكانت المحاولات خجولة، على الرغم من شعبية كبيرة يحظى بها عادل كرم وهشام حداد، بعد سنوات من تقديم برنامجيهما "هيدا حكي" و"لهون وبس". تقليدٌ مستباحٌ على الهواء، لا تنقذه حقيقة سوى بعض الحركات البهلوانية التي يتقنها كرم وزميله حداد، القادمان من خلفية هزلية لمسرح "ستاند آب" كوميدي. محاولة، وعلى الرغم من ضعفها، لكنها تحقق أعلى نسبة متابعة من قبل اللبنانيين أنفسهم. وكذلك نجحت بعض البرامج السياسية أو الحوارية التي تعتمد على خلفية متمكنة في الإعداد، أو بما يُسمى بـ"كشف المستور" أو "حصريًا"، وغيرها من الطروحات التي يقدم عليها المعد للبرنامج، لكسب الجمهور اللبناني والعربي على حد سواء. ولا يوفر في ذلك نسخ بعض النكات أو المواقف الحاصلة والتي انتشرت بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، ويضيف إليها "الكوميديان" المطيبات الإضافية بنظره، كحركة اليدين والوجه، أو الخطاب مع الجمهور داخل الصالة، والاستعانة بعازفي الفرقة الموسيقية، أو حتى مدير المسرح أثناء التصوير، كل ذلك يولّد تقاربًا بين المقدم والجمهور، يشدُّ من عزيمة المتابعة والمشاهدة.

برامج "توك شو" السياسية وحتى الفنية، تدور في فلك مغلق، إذْ لم يحرز مقدمو هذا النوع أي تقدم يُذكر خلال النصف الأول من العقد الحالي. دائماً ما يأتي المقدم مستعرضاً عضلاته عبر إعداد ضعيف، ويتّجه إلى الحروب الكلامية التي تقع بين السياسيين أنفسهم والفنانين حتى، بعيداً عن أي معلومة سياسية أو فنية واحدة تكون مفيدة. "حوار الطرشان" الذي بدأ في الفترة السباقة تحوّل مع الوقت إلى معركة على الهواء وتبادل السباب والشتم وأكواب الماء وقطع البث وانسحاب طرف آخر ضد الآخر.
تأتي الدراما في المرتبة الثانية من حيث المتابعة، فعلى الرغم من الميزانيات المالية التي تُصرَف على إنتاج المسلسلات، لا تحقق الدراما العربية متابعة إلا في موسم رمضان. شهرٌ واحد تجده المحطات غير كاف لعائدات ربحية تمكنها من استثمار في هذه الصناعة كأولوية إنتاجية.



المساهمون