لن تكون المرّة الأولى التي يُعلن فيها السينمائي البريطاني كِنْ لوش (1936) موقفاً أخلاقياً سلبياً ضدّ إسرائيل. البيان الأخير الموقّع عليه من قبل 600 عامل بريطاني في المجالات الفنية، من بينهم لوش، المنشور في الموقع الإلكتروني للصحيفة البريطانية "الغارديان" والمنقول في صحف ومواقع إلكترونية غربية مختلفة، يقول صراحةً برفض هؤلاء تلبيةَ أية دعوة مهنية منها، وبرفض تمويل منظمات مرتبطة بحكومتها. هذا تأكيد لموقف مماثل، يُصدره أكاديميون بريطانيون وغربيون قبل أعوام عديدة، ما يؤدّي إلى اهتزاز الكيان الإسرائيلي، الساعي إلى مواجهة المقاطعة بمحاولات دؤوبة لـ "تلميع" صورة "ديمقراطية" لإسرائيل في العالم. لكن البيان المذكور ليس الخطوة الأولى للوش في المواجهة الثقافية للاحتلال الإسرائيلي. ففي صيف العام 2014، يعلن السينمائيّ ـ الذي توصفه المجلة الأسبوعية الفرنسية Les InRockuptibles بأنه "داعمٌ للقضية الفلسطينية منذ زمن بعيد" ـ "مقاطعة مطلقة للنشاطات الثقافية كلها، المدعومة من الحكومة الإسرائيلية". البيان الأخير يقرأه 23 ألف متابع لمواقع مختلفة للتواصل الاجتماعي التي تتداوله سريعاً، بُعيد نشره في "الغارديان".
كارثة فلسطينية
يقول البيان إن رفض الموقعين عليه تلبية الدعوات المهنية المقدّمة إليهم من إسرائيل، وعدم موافقتهم على تمويل منظمات مرتبطة بحكومتها، "سيستمرّان حتى تحترم الدولة (الإسرائيلية) القوانين الدولية والمبادئ العالمية لحقوق الإنسان"، مضيفاً أنه "منذ حرب غزّة في صيف العام الماضي (2014)، لم يستفد الفلسطينيون من أية استراحة من الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على أرضهم، وعلى سبل عيشهم، وعلى وجودهم السياسي". ويستشهد البيان بتعليق للمنظمة الإسرائيلية غير الحكومية B’Tselem، مفادها "أن العام 2014 يعتبر أحد أكثر الأعوام وحشيةً وقتلاً في تاريخ الاحتلال". وينتهي بالقول إن "الكارثة الفلسطينية مستمرّة".
العودة إلى موقف لوش وتوقيعه على البيان الأخير نابعة من أولوية التنبّه إلى حراكٍ ثقافي غربي يؤثّر في "معنى" وجود إسرائيل بالنسبة إلى هويتها وحضورها في العالم. يضاف إلى هذه العودة صدور كتاب باللغة الفرنسية بعنوان "التصدّي لنصّ أصحاب السلطات"، ويتضمّن خلاصة حوار طويل أجراه الكاتب والناشط الأميركي فرانك بارات معه، وفيه لحظات تأمّل بأحوال فلسطين وسينماها، علماً أن بارات نفسه يعدّ مناصراً للفلسطينيين أيضاً. كتاب/ حوار يروي فصولاً من سيرة السينمائيّ واحتكاكه المباشر مع سلطات نافذة في المجالات الحياتية والمهنية اليومية المتنوّعة. فالمخرج الملتزم قضايا الناس في بريطانيا وإيرلندا والعالم ينتبه إلى أن فيلماً يُراد له أن يكون "سياسياً"، بمعنى أن يكون قادراً على التحوّل إلى "أداة ووسيلة سياسيتين"، "عليه أن يتمتّع باتّساق بين حساسيته ومحتواه". هذا منسحب على معنى الفيلم النضالي إنسانياً، وليس سياسياً بالمغزى المباشر لمفردة "سياسي". هذا موجودٌ أصلاً في بعض أفلامه الـ "نضالية"، إن صحّ التعبير، إذ يتناول مواضيع الصراع الإيرلندي من أجل الاستقلال والحرية والعدالة من منظار إنساني لا يتحرّر كلّياً من جوانبه السياسية والثقافية والحياتية، بقدر ما يتوجّه إلى الجوانب هذه عبر صناعة فيلمية واضحة المعالم.
السينما كنضال إنساني
أمثلة قليلة تؤكّد توجهاً سينمائياً كهذا. في العام 1995، يحقق كِنْ لوش "أرض وحرية" ("سيزار" أفضل فيلم أجنبي في دورة العام 1996). انشغاله بالهمّ النضالي الإنساني دافع له إلى الذهاب إلى أعماق الحرب الإسبانية (1936) عبر بحث امرأة شابّة في ذاكرة جدّها الراحل، المناضل السابق ضد الديكتاتورية. الهمّ نفسه يقوده إلى نيكاراغوا في "أغنية كارلا" (1995): من غلاسغو العام 1987، يعاين المخرج أحوال ذاك البلد ومآسيه من خلال قصة حبّ بين سائق باص وامرأة من نيكاراغوا تحاول الانتحار، قبل أن تتفتّح ذاكرتها على أهوال الخراب هناك. إيرلندا حاضرةٌ في نتاجاته: "الريح التي تهزّ الشعير" (2006، "السعفة الذهبية" في الدورة الـ 59 لمهرجان "كانّ" السينمائيّ الدوليّ). النزاعات الإيرلندية الداخلية و"الحرب" ضد "الاحتلال البريطاني". أما اهتمامه الفنيّ بناس بلده، فمترجم إلى أفلام عديدة، منها: "الشعلة الوامضة" (1996)، و"خبز وورود" (2000)، و"الملاّحون" (2001)، و"مجرّد قبلة" (2003، "سيزار" أفضل فيلم في الاتحاد الأوروبي في العام 2005). الأول يروي حكاية الصراع بين الرأسمالية والعمّال، من خلال عملية طرد 500 عامل في الموانئ. والثاني عن تجربة الهجرة إلى أميركا، والتلاقي الإنساني بين شعوب وثقافات، وصراعات الفرد ضد وحشية الأنظمة المتحكّمة به. أما الثالث، فمتوغّل في أحوال عمّال السكك الحديدية، بينما يعكس الرابع شيئاً من الصدام بين طبقات اجتماعية متناقضة، عبر قصة حبّ بين شخصين يحول دون إتمامها انتماؤهما إلى حالتين اجتماعيتين مختلفتين.
لا بُدّ هنا من استعادة مشاركته في الفيلم الجماعي "11/ 9/ 01" (2002)، المتمحور حول تداعيات الاعتداء الإرهابي على الولايات المتحدة الأميركية (برجا "المركز العالمي للتجارة" ومبنى "بنتاغون") في 11 سبتمبر/ أيلول 2001. كِنْ لوش يختار حكاية مواطن من تشيلي مقيم في إنكلترا، يستعيد ـ غداة الاعتداء هذا ـ تجربة مريرة ودموية يشهدها بلده في 11 سبتمبر/ أيلول آخر: الانقلاب على الحكم الديمقراطي للرئيس سلفادرو الليندي في العام 1973، من قِبل الطاغية العسكريّ أوغستو بينوشيه، المدعوم من "وكالة الاستخبارات المركزية" الأميركية.
موقفٌ أخلاقيّ
موقف كِنْ لوش من إسرائيل أخلاقي مسحوب على المجال الثقافي العام. مدرك هو أهمية المقاطعة الثقافية، تماماً كإدراكه التأثير السلبي الكبير للمقاطعة الأكاديمية. لكن السينمائي البريطاني، المناضل من أجل سينما سياسية تحترم البعد الجمالي والفني والتقني للفيلم، لا يقف عند حدود كلام مكتوب في بيان، لأنه متيقن من ضرورة العمل الميداني في الإطار هذا، فإذا به يعمل جاهداً، في مناسبات متفرّقة، على التحريض على فهم آليات النظام العنصري الإسرائيلي المتحكّم بالفلسطينيين، وعلى تفكيك الصورة المخادعة التي تروّجها إسرائيل عن نفسها في العالم، وتقول إنها "دولة ديمقراطية شبيهة بالغرب". يُشاهد أفلاماً فلسطينية، ويدعو الجميع إلى مشاهدتها والتنبّه إلى إشاراتها ودلالاتها ومضامينها. يطالب بنزع القناع عن نظام لا يتردّد عن وصفه بأنه "نظام تمييز عنصريّ"، مشبهاً إياه بذاك المتحكّم سنين طويلة سابقة بدولة جنوب أفريقيا.
في العام 2006، ينضمّ إلى حملة "مقاطعة ـ تعرية ـ عقوبات"، الساعية إلى ممارسة ضغوط اقتصادية وأكاديمية وثقافية وسياسية على إسرائيل، لتحقيق 3 أهداف متكاملة، أولًا: إنهاء احتلال الأراضي العربية واستيطانها، وثانيًا: المساواة الكاملة للمواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل، وثالثًا: احترام حقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين. في 4 مارس/ آذار 2009، تبدأ "محكمة راسل من أجل فلسطين" أعمالها، فينخرط السينمائي فيها. تريد المحكمة تعبئة الرأي العام الدولي باتجاه الضغط على"منظّمة الأمم المتحدّة" والدول الأعضاء فيها وفي مجلس الأمن الدولي لاتّخاذ تدابير "لا غنى عنها" من أجل وضع حدّ للحصانة التي تتمتّع بها إسرائيل، ومن أجل "الوصول إلى حل عادل ودائم للنزاع الحاصل بين الفلسطينيين وإسرائيل".
ينطلق كِنْ لوش في هذا كلّه من قناعته بالالتحام الإنساني والأخلاقي بين السينما ونضال الشعوب من أجل حقّها في الحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية. يتوغل أحياناً في دهاليز البيئة البريطانية، اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، ولا يتغاضى عن أحد أقصى النزاعات المتمثّلة بالصراع الإيرلندي ـ الإنكليزي. يلتقط نبض الشارع منذ اللحظات الأولى لولادة نتاجه السينمائيّ: في "البقرة الفقيرة" (1967)، يتابع التفاصيل الدقيقة والهامشية واليومية لحياة امرأة شقراء في إحدى ضواحي لندن، مشتّتة بين زوج وابن وعشيق ورجال يمرّون عابرين بالقرب منها، أو عبرها أحياناً. محاولة للبحث في مآزق المدن المحيطة بالعاصمة البريطانية، وفي الأسئلة الإنسانية والأخلاقية للحياة ومتاهاتها وانشغالاتها. شيءٌ ما يُشبه المقاربة هذه، موجودٌ في Kes، أيضاً: في بقعة جغرافية (الشمال الشرقي لإنكلترا)، تُروى حكاية عائلة وبيئة من خلال عينيّ مراهق وأحاسيسه وانفعالاته. اهتمامه بالفرد المهمّش أو الفقير أو المنعزل في بيئة اجتماعية مناقضة له وطاغية عليه، حاضرٌ في أفلام عديدة له.
باختصار، يمزج السينمائيّ البريطانيّ بين حساسية السينما والمضمون الإنساني بتفاصيله الفردية الصغيرة، كي يرسم ملامح فنّ قادرٍ على الإبهار الجماليّ غالباً، عبر تناوله هموم أناس وبيئات.
(كاتب لبناني)
كارثة فلسطينية
يقول البيان إن رفض الموقعين عليه تلبية الدعوات المهنية المقدّمة إليهم من إسرائيل، وعدم موافقتهم على تمويل منظمات مرتبطة بحكومتها، "سيستمرّان حتى تحترم الدولة (الإسرائيلية) القوانين الدولية والمبادئ العالمية لحقوق الإنسان"، مضيفاً أنه "منذ حرب غزّة في صيف العام الماضي (2014)، لم يستفد الفلسطينيون من أية استراحة من الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على أرضهم، وعلى سبل عيشهم، وعلى وجودهم السياسي". ويستشهد البيان بتعليق للمنظمة الإسرائيلية غير الحكومية B’Tselem، مفادها "أن العام 2014 يعتبر أحد أكثر الأعوام وحشيةً وقتلاً في تاريخ الاحتلال". وينتهي بالقول إن "الكارثة الفلسطينية مستمرّة".
العودة إلى موقف لوش وتوقيعه على البيان الأخير نابعة من أولوية التنبّه إلى حراكٍ ثقافي غربي يؤثّر في "معنى" وجود إسرائيل بالنسبة إلى هويتها وحضورها في العالم. يضاف إلى هذه العودة صدور كتاب باللغة الفرنسية بعنوان "التصدّي لنصّ أصحاب السلطات"، ويتضمّن خلاصة حوار طويل أجراه الكاتب والناشط الأميركي فرانك بارات معه، وفيه لحظات تأمّل بأحوال فلسطين وسينماها، علماً أن بارات نفسه يعدّ مناصراً للفلسطينيين أيضاً. كتاب/ حوار يروي فصولاً من سيرة السينمائيّ واحتكاكه المباشر مع سلطات نافذة في المجالات الحياتية والمهنية اليومية المتنوّعة. فالمخرج الملتزم قضايا الناس في بريطانيا وإيرلندا والعالم ينتبه إلى أن فيلماً يُراد له أن يكون "سياسياً"، بمعنى أن يكون قادراً على التحوّل إلى "أداة ووسيلة سياسيتين"، "عليه أن يتمتّع باتّساق بين حساسيته ومحتواه". هذا منسحب على معنى الفيلم النضالي إنسانياً، وليس سياسياً بالمغزى المباشر لمفردة "سياسي". هذا موجودٌ أصلاً في بعض أفلامه الـ "نضالية"، إن صحّ التعبير، إذ يتناول مواضيع الصراع الإيرلندي من أجل الاستقلال والحرية والعدالة من منظار إنساني لا يتحرّر كلّياً من جوانبه السياسية والثقافية والحياتية، بقدر ما يتوجّه إلى الجوانب هذه عبر صناعة فيلمية واضحة المعالم.
السينما كنضال إنساني
أمثلة قليلة تؤكّد توجهاً سينمائياً كهذا. في العام 1995، يحقق كِنْ لوش "أرض وحرية" ("سيزار" أفضل فيلم أجنبي في دورة العام 1996). انشغاله بالهمّ النضالي الإنساني دافع له إلى الذهاب إلى أعماق الحرب الإسبانية (1936) عبر بحث امرأة شابّة في ذاكرة جدّها الراحل، المناضل السابق ضد الديكتاتورية. الهمّ نفسه يقوده إلى نيكاراغوا في "أغنية كارلا" (1995): من غلاسغو العام 1987، يعاين المخرج أحوال ذاك البلد ومآسيه من خلال قصة حبّ بين سائق باص وامرأة من نيكاراغوا تحاول الانتحار، قبل أن تتفتّح ذاكرتها على أهوال الخراب هناك. إيرلندا حاضرةٌ في نتاجاته: "الريح التي تهزّ الشعير" (2006، "السعفة الذهبية" في الدورة الـ 59 لمهرجان "كانّ" السينمائيّ الدوليّ). النزاعات الإيرلندية الداخلية و"الحرب" ضد "الاحتلال البريطاني". أما اهتمامه الفنيّ بناس بلده، فمترجم إلى أفلام عديدة، منها: "الشعلة الوامضة" (1996)، و"خبز وورود" (2000)، و"الملاّحون" (2001)، و"مجرّد قبلة" (2003، "سيزار" أفضل فيلم في الاتحاد الأوروبي في العام 2005). الأول يروي حكاية الصراع بين الرأسمالية والعمّال، من خلال عملية طرد 500 عامل في الموانئ. والثاني عن تجربة الهجرة إلى أميركا، والتلاقي الإنساني بين شعوب وثقافات، وصراعات الفرد ضد وحشية الأنظمة المتحكّمة به. أما الثالث، فمتوغّل في أحوال عمّال السكك الحديدية، بينما يعكس الرابع شيئاً من الصدام بين طبقات اجتماعية متناقضة، عبر قصة حبّ بين شخصين يحول دون إتمامها انتماؤهما إلى حالتين اجتماعيتين مختلفتين.
لا بُدّ هنا من استعادة مشاركته في الفيلم الجماعي "11/ 9/ 01" (2002)، المتمحور حول تداعيات الاعتداء الإرهابي على الولايات المتحدة الأميركية (برجا "المركز العالمي للتجارة" ومبنى "بنتاغون") في 11 سبتمبر/ أيلول 2001. كِنْ لوش يختار حكاية مواطن من تشيلي مقيم في إنكلترا، يستعيد ـ غداة الاعتداء هذا ـ تجربة مريرة ودموية يشهدها بلده في 11 سبتمبر/ أيلول آخر: الانقلاب على الحكم الديمقراطي للرئيس سلفادرو الليندي في العام 1973، من قِبل الطاغية العسكريّ أوغستو بينوشيه، المدعوم من "وكالة الاستخبارات المركزية" الأميركية.
موقفٌ أخلاقيّ
موقف كِنْ لوش من إسرائيل أخلاقي مسحوب على المجال الثقافي العام. مدرك هو أهمية المقاطعة الثقافية، تماماً كإدراكه التأثير السلبي الكبير للمقاطعة الأكاديمية. لكن السينمائي البريطاني، المناضل من أجل سينما سياسية تحترم البعد الجمالي والفني والتقني للفيلم، لا يقف عند حدود كلام مكتوب في بيان، لأنه متيقن من ضرورة العمل الميداني في الإطار هذا، فإذا به يعمل جاهداً، في مناسبات متفرّقة، على التحريض على فهم آليات النظام العنصري الإسرائيلي المتحكّم بالفلسطينيين، وعلى تفكيك الصورة المخادعة التي تروّجها إسرائيل عن نفسها في العالم، وتقول إنها "دولة ديمقراطية شبيهة بالغرب". يُشاهد أفلاماً فلسطينية، ويدعو الجميع إلى مشاهدتها والتنبّه إلى إشاراتها ودلالاتها ومضامينها. يطالب بنزع القناع عن نظام لا يتردّد عن وصفه بأنه "نظام تمييز عنصريّ"، مشبهاً إياه بذاك المتحكّم سنين طويلة سابقة بدولة جنوب أفريقيا.
في العام 2006، ينضمّ إلى حملة "مقاطعة ـ تعرية ـ عقوبات"، الساعية إلى ممارسة ضغوط اقتصادية وأكاديمية وثقافية وسياسية على إسرائيل، لتحقيق 3 أهداف متكاملة، أولًا: إنهاء احتلال الأراضي العربية واستيطانها، وثانيًا: المساواة الكاملة للمواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل، وثالثًا: احترام حقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين. في 4 مارس/ آذار 2009، تبدأ "محكمة راسل من أجل فلسطين" أعمالها، فينخرط السينمائي فيها. تريد المحكمة تعبئة الرأي العام الدولي باتجاه الضغط على"منظّمة الأمم المتحدّة" والدول الأعضاء فيها وفي مجلس الأمن الدولي لاتّخاذ تدابير "لا غنى عنها" من أجل وضع حدّ للحصانة التي تتمتّع بها إسرائيل، ومن أجل "الوصول إلى حل عادل ودائم للنزاع الحاصل بين الفلسطينيين وإسرائيل".
ينطلق كِنْ لوش في هذا كلّه من قناعته بالالتحام الإنساني والأخلاقي بين السينما ونضال الشعوب من أجل حقّها في الحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية. يتوغل أحياناً في دهاليز البيئة البريطانية، اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، ولا يتغاضى عن أحد أقصى النزاعات المتمثّلة بالصراع الإيرلندي ـ الإنكليزي. يلتقط نبض الشارع منذ اللحظات الأولى لولادة نتاجه السينمائيّ: في "البقرة الفقيرة" (1967)، يتابع التفاصيل الدقيقة والهامشية واليومية لحياة امرأة شقراء في إحدى ضواحي لندن، مشتّتة بين زوج وابن وعشيق ورجال يمرّون عابرين بالقرب منها، أو عبرها أحياناً. محاولة للبحث في مآزق المدن المحيطة بالعاصمة البريطانية، وفي الأسئلة الإنسانية والأخلاقية للحياة ومتاهاتها وانشغالاتها. شيءٌ ما يُشبه المقاربة هذه، موجودٌ في Kes، أيضاً: في بقعة جغرافية (الشمال الشرقي لإنكلترا)، تُروى حكاية عائلة وبيئة من خلال عينيّ مراهق وأحاسيسه وانفعالاته. اهتمامه بالفرد المهمّش أو الفقير أو المنعزل في بيئة اجتماعية مناقضة له وطاغية عليه، حاضرٌ في أفلام عديدة له.
باختصار، يمزج السينمائيّ البريطانيّ بين حساسية السينما والمضمون الإنساني بتفاصيله الفردية الصغيرة، كي يرسم ملامح فنّ قادرٍ على الإبهار الجماليّ غالباً، عبر تناوله هموم أناس وبيئات.
(كاتب لبناني)