عبّر البيان المصري تعليقاً على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطته للصراع العربي الإسرائيلي، والمعروفة بـ"صفقة القرن"، عن انكفاء غير مسبوق للسياسة الخارجية المصرية وافتقار النظام الحاكم لأدوات الموازنة بين المصالح الخاصة والمحددات الأساسية للقضايا ذات الانعكاس المباشر على مصر استراتيجياً وسياسياً، في ظل تماهٍ غير مسبوق بين مواقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والخطط الإسرائيلية الأميركية بشأن القضية الفلسطينية، التي ظل السيسي يردد على مدار العام الماضي أنها "القضية الأساسية للعالم العربي"، محاولاً التملص من تورطه المبدئي في وضع التصورات الأساسية لخطة ترامب، بل وكونه أول من وصفها علناً بـ"صفقة القرن" خلال زيارته إلى البيت الأبيض في إبريل/ نيسان 2017.
وأعلنت القاهرة تقديرها لما وصفته بـ"الجهود المتواصلة التي تبذلها الإدارة الأميركية من أجل التوصل إلى سلام شامل وعادل للقضية الفلسطينية، بما يُساهم في دعم الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط، وينهي الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي". وأضافت أنها ترى "أهمية النظر لمبادرة الإدارة الأميركية من منطلق أهمية التوصل لتسوية القضية الفلسطينية بما يعيد للشعب الفلسطيني كامل حقوقه المشروعة من خلال إقامة دولته المستقلة ذات السيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفقاً للشرعية الدولية ومقرراتها"، داعية "الطرفين المعنيين"، في إشارة إلى انكفاء مصري، إلى "الدراسة المتأنية للرؤية الأميركية لتحقيق السلام، والوقوف على كافة أبعادها، وفتح قنوات الحوار لاستئناف المفاوضات برعاية أميركية".
وأضافت المصادر أن هناك سبيلين للتعامل مع الأزمة الحالية في أروقة النظام المصري بين دائرة السيسي الخاصة المخابراتية الرقابية، ووزارة الخارجية وباقي الأجهزة المعنية. السبيل الأول، وهو المعلن والذي تم التواصل بشأنه مع السفراء الغاضبين، الحاليين والسابقين، والشخصيات السياسية التي احتجت على ضعف الأداء المصري في القضية بشكل عام، حيث تم الاتفاق على إشاعة معلومات في الأوساط الرسمية المصرية مفادها أن السيسي غير راضٍ تماماً عن الخطة، وأنه يتوقع ذبولها وفشلها عملياً وعدم تمكّن إسرائيل والولايات المتحدة من البناء عليها، وبالتالي فهو يرى أن هناك ضرورة حالية للحفاظ على العلاقات الجيدة مع ترامب، خصوصاً بسبب رعاية الأخير لمباحثات سد النهضة، ما يقتضي "الانحناء لهذه العاصفة إلى حين مرورها من دون أن تترك أثراً"، حسب ذلك الزعم.
وبناء على هذه الرؤية التي يُروَّج لها في الأوساط الرسمية حالياً، تم اتخاذ قرار على مستوى جهاز المخابرات بوقف وصف خطة ترامب بأنها "صفقة القرن" في الإعلام الموالي للسلطة، وفتح نوافذ إعلامية لانتقاد الخطة ومحتواها والحديث عن ضرورة دعم الشعب الفلسطيني، ولكن من دون التعرض بالانتقاد للأداء المصري أو العربي الرسمي الضعيف إزاء إعلان ترامب.
ويتم هذا بالتوازي مع استمرار تشديد الرقابة الأمنية ووجود الشرطة حول الجامعات المصرية وفي الميادين الكبرى منذ بداية العام، إذ تخشى السلطات من اندلاع تظاهرات بشأن القضية الفلسطينية، على الرغم من أن الجامعات التي كانت تنطلق فيها شرارة التظاهرات المشابهة طوال عقود، أصبحت تفتقر لأبسط أنواع النشاط السياسي بعد حظر ممارسة العمل العام والسياسي فيها وقتل الأنشطة الطالبية والاكتفاء بانتخابات صورية كل عام لاتحاد الطلاب التابع للأجهزة الأمنية.
أما السبيل الثاني للتعامل مع القضية، فأوضحت المصادر أنه لا ينفصل عن رؤية السيسي المستمرة بضرورة التسليم بقوة الأمر الواقع والتنسيق مع إسرائيل استراتيجياً وعسكرياً وأمنياً وضرورة توسيع رقعة التعامل معها في المجال العربي. ولكن المشاكل التي يراها في الخطة تتعلق في الأساس بضبابية رؤية ترامب للواجبات التي يمكن لمصر القيام بها، وعدم معقولية عدد من المشاريع الاقتصادية والمساعدات التي تلتزم الخطة بدعم النظام المصري بها، حتى مع استبعاد مسألة التوطين وتبادل الأراضي.
وحسب المصادر، يرى السيسي أن الأولوية لإنجاح الخطة يجب أن تكون بتقديم إسرائيل خطوات ملموسة لتحسين علاقتها بمحيطها العربي، ويكون ذلك في شكل مساعدات لوجستية واقتصادية وفنية يمكن للإدارة الإسرائيلية أن تروج بها لفكرة المصالحة الشاملة التي يعتبر السيسي أنها ضرورية للغاية.
والمشكلة الثالثة هي الخاصة بطبيعة المشاريع التي تدخل ضمن "الحزمة التحفيزية لإنجاز الخطة"، إذ يرى السيسي ضرورة مراعاة حساسية وضع الجيش المصري في سيناء واستثناء بعض المناطق من احتمال ضمها لتلك المشاريع، فضلاً عن اعتباره أن بعض المقترحات الخاصة بالتمويل والقروض "تفتقد للموضوعية والسرعة المطلوبة" وعدم ربطها بشكل مباشر بضرورة دعم جهود مصر في تنمية سيناء مالياً، كمرحلة أولى، قبل التطرق لمثل هذه المشاريع طويلة الأمد.
وكان البيت الأبيض قد أعلن، الثلاثاء، تفاصيل خطة ترامب، متضمنة الخطة التمويلية الكاملة للدول العربية الثلاث (مصر والأردن ولبنان) وللشعب الفلسطيني، والتي جاءت مطابقة لما انفردت "العربي الجديد" بنشره في 24 يونيو/ حزيران الماضي عشية ورشة المنامة التي مثّل مصر فيها نائب وزير المالية.
وفقاً للخطة، ستحصل مصر على 9.167 مليارات دولار من قيمة المبالغ المالية، محتلة المركز الثاني بعد الأراضي الفلسطينية التي ستحصل على 27.8 مليار دولار، وقبل الأردن الذي سيحصل على 7.365 مليارات دولار، ولبنان الذي سيحصل على 6.325 مليارات دولار.
وسيتم تخصيص نصف مليار دولار لتطوير منشآت ومرافق الطاقة في سيناء وجعل مدنها قابلة للحياة وجاذبة للاستثمار، وتخصيص نصف مليار دولار لتطوير منشآت ومرافق المياه في سيناء لجذب مزيد من الاستثمار والأيدي العاملة المستدامة، وتخصيص نصف مليار دولار لإنشاء شبكة طرق متكاملة بين مدن سيناء لتدعيم البنية التحتية الجاذبة للاستثمار. كما تخصيص نصف مليار دولار لدعم المشاريع السياحية في جنوب سيناء على ساحل البحر الأحمر، وذلك بإجمالي 2 مليار دولار تُخصص بالكامل للنهوض بالأوضاع المعيشية في سيناء، وإنهاء حالة الفوضى والفقر والمعاناة التي تعاني منها المدن الكبرى والقرى، وتفاقمت بسبب المواجهة المسلحة منذ 2012 بين الجيش والمجموعات الإرهابية في شمال شرق شبه الجزيرة المصرية، على أن تستفيد الحكومة المصرية من هذه المخصصات خلال 8 سنوات.
كما سيتم تخصيص مليار و500 مليون دولار لدعم الجهود المصرية المشتركة مع الإسرائيليين لإنشاء مركز إقليمي كبير للغاز الطبيعي في مصر، وتوظيف الإنتاج الكبير من الحقول المصرية وتحسين جودة شبكات نقل الغاز والغاز المسال، وذلك على مدار 5 سنوات.
ومن المقترح تخصيص 125 مليون دولار تُوجَّه لفتح مجالات العمل أمام المشاريع الصغيرة والمتوسطة برعاية المؤسسة الأميركية للاستثمار الخاص عبر البحار بنظام القروض، على أن يتم توجيه النسبة الأكبر من هذه القروض إلى المشاريع الفلسطينية بمصر، وذلك على مدار عامين من الخطة.
ومن المقترح تخصيص 42 مليون دولار لتطوير وإصلاح خطوط النقل والمواصلات ونقل الطاقة بين مصر وقطاع غزة، على مدار 5 سنوات و3 مراحل، وتمكين الفلسطينيين من شراء الطاقة، بمختلف أنواعها، من مصر بأسعار منافسة، ودعم قدرة مصر على إنتاج الطاقة الكهربائية وتحسين جودة المنتج المورد إلى غزة والعمل على ديمومته. على أن يتم أيضاً تخصيص نصف مليار دولار لدعم الجهود المصرية لإنشاء وتطوير المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وزيادة المشاريع والمصانع والمناطق اللوجستية فيها، وتخصيص نسبة من العمالة فيها للفلسطينيين.
ورجحت المصادر الدبلوماسية أن يتم تمويل تلك القروض من دول الخليج، خصوصاً السعودية والإمارات، أما حجم المنح فيبلغ فقط نحو 10 في المائة، بينما النسبة الباقية ستكون من مساهمات القطاع الخاص، الخليجي والأميركي والمحلي والإسرائيلي.