بضغط من الحراك الشعبي الغاضب على مدار الفترة الأخيرة، تراجع النظام المصري عن قرارات تقشفية كان اتخذها في إطار خطة الإصلاحات الاقتصادية التي ينفذها مع صندوق النقد الدولي وتستهدف الحد من الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها البلاد.
غير أن مراقبين أكّدوا لـ"العربي الجديد" أن الخطوات التي اتخذها نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بإعادة النظر في نحو مليوني مواطن تم استبعادهم من بطاقات التموين المدعم، وتجنب رفع سعر الوقود، والتلويح بتعديل وزاري يشمل الوزراء المغضوب عليهم شعبياً، مثل وزراء التموين والمالية والتضامن الاجتماعي، غير كافية لامتصاص سخط الشارع المتنامي في ظل تفاقم الأزمات المعيشية.
وكتب السيسي، يوم الأحد الماضي، على حسابه الرسمي في موقع "فيسبوك": "في إطار متابعتي لكل الإجراءات الخاصة بدعم محدودي الدخل، فإنني أتفهم موقف المواطنين الذين تأثروا سلباً ببعض إجراءات تنقية البطاقات التموينية، وحذف بعض المستحقين منها".
وبدورها، أعلنت وزارة التموين والتجارة الداخلية إعادة 1.8 مليون مستبعد إلى بطاقات صرف السلع التموينية، تنفيذاً لتوجيهات السيسي، الذي طاولته فضائح فساد ببناء قصور وفيلات تتكلف مليارات الجنيهات، بينما يعاني ملايين المصريين من الفقر الموجع.
ووجهت وزارة التموين المصرية، أول من أمس، جميع المديريات ومكاتب التموين في المحافظات بتيسير كافة الإجراءات الخاصة بتظلمات المستبعدين، من خلال تقديم بطاقة الرقم القومي، والمستند الدال على صحة بيانات التظلم فقط، إيذاناً بإعادة أي مواطن تثبت أحقيته في صرف التموين. وأعلنت الوزارة أنها بصدد دراسة كل التظلمات، وأضافت في بيان أنه جارٍ أيضاً تلقي التظلمات لأي مواطن يرى أحقيته للدعم من خلال مكاتب التموين في مختلف المحافظات.
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي، عبد النبي عبد المطلب، من القاهرة: "رغم أن خطوة إعادة نظر وزارة التموين في تظلمات من تم استبعادهم من بطاقات التموين قد تبدو جيدة من حيث مراعاة محدودي الدخل، إلا أنها في الواقع لا تقدم إلا جزءاً ضئيلاً جداً من الحماية لهم".
أضاف عبد المطلب في حديثه لـ"العربي الجديد" أن الفرد يحصل فقط على 50 جنيهاً (نحو 3 دولارات) كدعم تمويني شهرياً، بواقع أقل من جنيهين في اليوم، وهذا المبلغ لا يعوض المواطن عن موجة الغلاء الكبيرة التي أصابت جميع السلع والخدمات.
وتابع: "أعتقد أن توجيهات الرئيس المصري التي لم تتحول بعد إلى قرارات هي مجرد محاولات لامتصاص غضب الطبقات الفقيرة بعد الحديث عن إنفاق المليارات في بناء القصور".
وكان الفنان والمقاول محمد علي قد كشف عن بناء السيسي قصوراً رئاسية جديدة له ولزوجته، بالإضافة إلى إنشاء قصور أخرى وفندق لعدد من اللواءات في الجيش المصري، تكلفت مليارات الجنيهات، ما ساهم في إثارة احتجاجات شعبية ساخطة خلال الأسبوعين الماضيين، طالبت برحيل السيسي من الحكم، كانت ذروتها يوم الجمعة 20 سبتمبر/ أيلول الماضي.
وأوضح عبد المطلب أن ما قامت به وزارة التموين، خلال الفترة الأخيرة، أنها ربطت الرقم القومي للمستفيد من التموين بباقي بياناته، مثل فواتير موبايله أو الكهرباء، أو نوع السيارة التي يملكها، أو حتى الدرجة الوظيفية التي يشغلها.
إلا أن عدداً كبيراً ممن تم استبعادهم، وهم أكثر من 1.8 مليون شخص، تقدموا بتظلمات تفيد بعدم صحة بيانات استهلاكهم، لأن منهم موظفين يستخدمون الموبايل في شركاتهم، بحكم عملهم، ولا يمثل هذا استهلاكهم الحقيقي، وبعضهم أثبت أنه كان مديناً لشركات الكهرباء وأن قراءة العداد كانت استثنائية بسبب المتأخرات، حسب الخبير الاقتصادي.
وانتهج النظام الحالي سياسات تقشفية بهدف الحد من عجز الموازنة تحت ضغوط صندوق النقد الدولي، وقامت الحكومة بتعويم سعر العملة المحلية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 لتتراجع من 8.88 جنيهات مقابل الدولار إلى نحو 16.3 جنيهاً حالياً. كذلك ألغى السيسي الدعم الموجه إلى الفقراء في كثير من السلع والخدمات على مدار السنوات الست الماضية عقب الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013.
وفرض السيسي مزيداً من الضرائب، ما أنهك عشرات ملايين الأسر التي تقع تحت خط الفقر. ووفقاً لإحصائيات حديثة للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي)، تبلغ نسبة الفقر في مصر نحو 32.5% في المائة.
وتضاعفت أسعار الوقود على خلفية رفعها 5 مرات خلال السنوات الخمس الماضية، ثم تم تحريرها حسب أسعار النفط العالمية، إلا أن لجنة تسعير الوقود تتجه نحو تثبيت أو تخفيض الأسعار تجنباً لسخط الشارع المتزايد بسبب تفاقم الأزمات المعيشية، حسب مراقبين.
وكان مقرراً إصدار اللجنة القرار الخاص بسعر الوقود بداية الشهر الجاري، إلا أن اللجنة تأخرت في إصداره بضغط من الاحتجاجات الشعبية. وقال مصدر من وزارة البترول إن التقرير الجديد للجنة يأتي لتطبيق المعادلة الخاصة بالتسعير التلقائي على المنتجات البترولية، ليتم تحديد سعر المنتج لمدة ثلاثة أشهر قادمة تبدأ من الشهر الجاري، مرجّحاً الاتجاه نحو تثبيت أسعار الوقود لمدة ثلاثة أشهر مقبلة.
ومن جانبه، أكّد الخبير الاقتصادي مصطفى شاهين أن الحكومة لن تستطيع تحمل تكلفة قرارات اقتصادية حقيقية في صالح المواطن بسبب الأزمة المالية التي تعاني منها والزيادة القياسية للديون المحلية والخارجية.
وحسب شاهين فإن الخطوات الأخيرة تعكس مدى تأثر النظام بفيديوهات محمد علي الذي كشف عن إنفاق النظام مليارات، في الوقت الذي أرهق فيه الشعب بقرارات تقشفية صعبة، مؤكداً أن ما يحدث ليست له أية علاقة بالإصلاحات الاقتصادية لأن القرارات الأخيرة مسكنات وقتية تستهدف امتصاص غضب الشارع.
وتابع شاهين أن أكثر من 80% من الإيرادات تأكلها أقساط وفوائد الديون، وبالتالي فإن قدرة النظام على المناورة بإصدار قرارات جديدة تساهم في تخفيف الأعباء المعيشية محدودة جداً، مؤكداً أن سياسات السيسي كبّلت الاقتصاد المصري بأزمات المديونية وتعثر القطاعات الإنتاجية، ما يصعّب موقف حتى النظام المقبل في حالة رحيله من معالجة الأزمات المعيشية بشكل جذري.
وقال إن مستويات التعليم والصحة وجميع الخدمات متدهورة، ومخصصات الموازنة المصرية غير كافية لعلاج هذه المشاكل الضخمة.