السيسي يطلب السجن لمصر

26 اغسطس 2018
+ الخط -
تتماثل أنظمة الاستبداد وقواه، ليس فقط بطغيانها وبتجريم أي رأي مخالف وسحقه، بل تتماثل بسقوطها الأخلاقي، وبانعدام أية معايير أو منظومة قيم يمكن الركون إليها. ولئن تأسس نظام العصابة الأسدية خمسة عقود على هذا النهج، فاكتسب من الحنكة والعلاقات والدور الإقليمي الملائم للنظام العالمي، والمتكيّف مع تطوراته، ما أتاح له الاستمرار على الرغم من كل ارتكاباته وجرائمه ودمويته، فإن نظام عبد الفتاح السيسي الاستبدادي يمثل النموذج الكاريكاتوري المسخ، النموذج المفضوح الغايات، والمكشوف الأساليب، فهو واضح في أنه أداة رخيصة في تحالفاته الإقليمية وعلاقاته الدولية.
جاء انقلاب السيسي على ثورة يناير مفضوحا، مترافقا مع عملية واسعة لإذلال المصريين، وإفقارهم، ولطي صفحة الثورة من خلال نسف كل أهدافها وضرب كل شعاراتها والتخلص من كوادرها وشبابها وناشطيها، حتى الكهول منهم.
بالأمس، طالعتنا أخبار مصر، أن أجهزة أمن السيسي اعتقلت معصوم مرزوق ورائد سلامة ويحيى القزاز وعبد الفتاح سعيد ونرمين حسين وسامح سعودي، في حملة متزامنة، أي في غمرة احتفالات عيد الأضحى!
يفاجئك الخبر، لكن ليس غريبا على نظام السيسي الذي يعتقل رجلا في عقده الثامن، مثل الدكتور جمال عبد الفتاح، لمجرّد كونه معارضا. صحيح أنّ الدكتور عبد الفتاح معارض صلب، واجه نظام السيسي بقوة، سواء على مستوى خيانته الوطنية في بيع أرض مصرية (جزيرتي تيران وصنافير) أو على مستوى إفقار الشعب المصري وإذلاله، أو على مستوى سحق الدور والموقع والقيمة المعنوية لمصر وللمصريين في العلاقات الدولية، إضافة إلى مواجهته سياسة الاستبداد والقمع وإرهاب المعارضين التي تمارسها أجهزة نظام السيسي، الأمنية والقضائية والإعلامية، بعد أن باتت جميعها في قبضته.
وإذا أردنا البحث عن شباب ثورة يناير وناشطيها، سنجد غالبيتهم في المعتقلات، أو ضحايا الإخفاء القسري الذي غالبا ما ينتهي بالقتل، أو خارج مصر، وهم القلة التي نجت من سوط جلادي السيسي وأجهزته الأمنية والقضائية التي باتت في خدمته، وفي مواجهة أهداف وشعارات ثورة يناير الكبرى.
وإذا كان نظام الأسد قد أطلق مئات الجهاديين من معتقلاته، ليشكلوا ما بات يعرف الفصائل الجهادية وتنظيم داعش وجبهة النصرة (تنظيم القاعدة في بلاد الشام)، ليشكلوا حجة له في سحق الشعب السوري، ووسْم ثورته بالإرهاب، فإننا لم ننسَ بعد جريمة تفجير كنيسة القديسين في مصر وما كشفته ثورة يناير من وقوف وزير داخلية حسني مبارك، الحبيب العادلي، وراءها. وهذا يؤكد أنّ أجهزة الأمن المصرية التي لم يطرأ عليها أيّة إعادة هيكلة أو تأهيل أو تغيير، فهي ضليعة في صناعة الإرهاب ونشره، ليكون اليوم ذريعة بيد نظام السيسي للتخلص نهائيا من معارضيه ومن كابوس الثورة، عبر حربه المزعومة على الإرهاب.
تم اختطاف جمال عبد الفتاح في فبراير/ شباط الماضي، على أيدي أجهزة السيسي الأمنية، وتعرّض للإخفاء القسري كما كثيرين غيره، ليظهر بعد عدّة أيام معتقلا في سجن طرة. لم يتسح الدكتور عبد الفتاح يوما إلا بفكره وبقلمه، هو اليوم، ومنذ سبعة أشهر رهن الاعتقال التعسفي، محروما من العناية الطبية، على الرغم من معاناته من أمراض مزمنة، تستوجب علاجا دائما.
وهنا يتشارك نظام السيسي مع نظام الأسد، فالأخير أطلق الإرهابيين، واحتفظ بالناشطين السلميين وبناشطي الإغاثة والإعلام وقتلهم تحت التعذيب في معتقلاته، والسيسي لم يبخل أبدا في هذا المجال، ولو أنه أقل خبرة وأكثر فجورا.
وقد أضاف السيسي إلى أساليبه القمعية زج القضاء المصري في عملية التخلص من معارضيه، وهذا ما جعل ممكنا صدور أعداد متزايدة من أحكام الإعدام الجائرة بتهم زائفة، فهل يلاحظ الاعلاميون الذين يتوخّون المهنية في عملهم، عربيا وعالميا، هذا الصمت المدوي حيال ما يدور في مصر؟
0D763D6C-2C1E-437C-ABF7-2556ECA33B30
0D763D6C-2C1E-437C-ABF7-2556ECA33B30
أحمد عثمان (لبنان)
أحمد عثمان (لبنان)