لم يكن مفاجئاً قرار الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، باعتبار ميناء العريش ومنشآته ومرافقه، وكل ما يُحيطه من أراضٍ ومنشآت أخرى من أعمال المنفعة العامة، عدا المواقع العسكرية التي تُستغل في شؤون الدفاع عن الدولة؛ إذ يفتح القرار المجال واسعاً أمام مخطط تهجير المناطق السكانية والسياحية المحيطة بميناء العريش، على غرار ما حدث مع قرار بناء حرم مطار العريش قبل عامين، وما صاحبه من تجريف مئات الدونمات الزراعية والمصانع، من دون تقديم التعويضات اللازمة للمتضررين. ونصّ قرار السيسي على تولي الهيئة العامّة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس تمويل وتنفيذ تطوير وإدارة وتشغيل ميناء العريش، ووزارة الدفاع مهامّ إجراءات تأمين منطقة ميناء العريش، على أن يوقع بروتوكولاً بين الهيئة ووزارة الدفاع يتضمن الالتزامات الفنية والمالية والقانونية المتعلقة بإدارة الميناء.
ووفقاً للقوانين المصرية، فإن اعتبار مشروع معين من أعمال المنفعة العامة يُتيح للحكومة إزالة العقارات ونزع الملكية، وإعادة تخطيط المناطق التي يحتاج إليها إتمام هذا المشروع بأي وسيلة؛ ومن ثم يُتيح القرار الجمهوري نزع الملكيات والعقارات التي يتطلبها تنفيذ مشروع توسيع ميناء العريش، تحت إشراف الجيش والهيئة العامّة لمنطقة قناة السويس.
وفي فبراير/ شباط 2018، أصدر السيسي تعديلاً على قانون نزع الملكية للمنفعة العامة، أتاح له للمرة الأولى تفويض أحد وزرائه أو المحافظين، أو أي جهة أخرى، لإصدار قرار نزع الملكية من المواطنين للمنفعة العامة، بعدما كان الأمر مقتصراً على رئيس الجمهورية وحده، شريطة أن يرفق الأخير أو من يفوضه مذكرة ببيان المشروع المطلوب تنفيذه، ورسماً بالتخطيط الإجمالي للمشروع والعقارات اللازم هدمها. ويعتبر ميناء العريش أحد الموانئ المصرية التابعة للهيئة العامة لموانئ بورسعيد، وتأسس في عام 1996 بعد صدور قرار بتحويله من ميناء صيد إلى ميناء تجاري على ساحل البحر المتوسط، وذلك بهدف استقبال السفن التجارية.
ويحتوي الميناء الذي يقع على الساحل الشمالي للعريش على رصيف بطول 242 متراً، مخصص للسفن التجارية بغاطس من 7 إلى 8 أمتار، ورصيف آخر بطول 122 متراً يُستخدم للعائمات الصغيرة بعمق 3 إلى 4 أمتار؛ وكذلك على ساحات تخزينية مغطاة وغير مغطاة، حيث تتلخص أنشطته في تصدير خامات سيناء التعدينية إلى دول البحر المتوسط، والبحر الأسود، واستقبال سفن الصيد الصغيرة والبضائع.
من جهته، قال باحث متخصص في شؤون سيناء لـ"العربي الجديد"، إن "القرار الجمهوري الجديد يمثل غطاءً لمخطط تهجير أهالي شمال العريش خلال المرحلة المقبلة، استكمالاً لعمليات التهجير القسري للأهالي في مدن رفح والشيخ زويد والعريش، بعد أن جرى تهجير مناطق الجنوب بفعل بناء حرم المطار، إثر حادثة استهداف وزيري الدفاع والداخلية نهاية عام 2017".
وأضاف أن "المخطط بات أكثر وضوحاً؛ إذ يجري التحضير لتطوير مطار العريش بعد توسيع المنطقة المحيطة به، والآن توسيع ميناء العريش ليصبح ميناءً على قدرة لاستيعاب أعداد وكميات كبيرة من البضائع والبواخر، فضلاً عن عمليات مسح مدينة رفح عن الوجود بشكل كامل، إلى جانب مناطق واسعة في جنوب وشرق مدينة الشيخ زويد". وأشار إلى أن "موجات التهجير القسري للآلاف من السكان، وإجبار المواطنين على الهجرة منها، تتزامن مع ادعاء النظام أن كل هذه المشاريع لصالح تنمية سيناء؛ ما يُنذر بوجود مخطط ما لهذه المناطق، لن يُفصح عنه إلى حين تجهيز كافة المناطق المستهدف تطويرها في سيناء؛ وبالتالي فإن قطار التهجير سيستمر خلال الفترة المقبلة، حتى الوصول للهدف المنشود في الخطة الموضوعة لسيناء".
وكان "العربي الجديد" قد نقل في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مخاوف أهالي مدينة العريش من المخطط المتعلق بميناء العريش، وما يُخفيه من توجه لتهجير الآلاف من السكان، وتدمير منازلهم؛ إذ يستتبع توسيع الميناء تجريف المناطق السياحية في تلك المنطقة، على الرغم من أن الميناء مغلق منذ سنوات، ولا يستفيد منه أهالي سيناء بالشكل المطلوب، في ضوء الحالة الأمنية التي تشهدها محافظة شمال سيناء منذ انقلاب عام 2013.
وتجاهلت إدارة المحافظة، وكافة الجهات الحكومية المصرية، اقتراحات الأهالي حول مسار الميناء، والأماكن التي يجب التركيز عليها، أو التي يتوجب إزاحة مخطط الميناء عنها، لتخفيف الضرر على المواطنين، الذين عقدوا جلسات وورشات عمل من أجل ذلك؛ غير أن القرار الجمهوري الأخير من شأنه أن يعدم كل المبادرات الرامية إلى تخفيف الأضرار عن المواطنين.
وفي 11 مارس/ آذار 2018، كشف مقال نشره المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، بعض أنماط الحراك الأميركي المصري الإسرائيلي الذي يتواصل من وراء الكواليس لبحث سُبل التعاطي مع قطاع غزة، من خلال بناء مرافق البنى التحتية للقطاع على الأراضي المصرية، ارتباطاً بالخلاف الإسرائيلي الداخلي حول اقتراحات بناء ميناء ومطار داخل غزة.
وأشار المقال إلى أن الحماس الأميركي لتدشين البنى التحتية المهمة في شمال سيناء، قد يكون مرتبطاً بالتحوط لإمكانية فشل جهود واشنطن في تحقيق تسوية للصراع، بسبب رفض الفرقاء في الساحة الفلسطينية للأفكار الأميركية؛ ما يستلزم ظهور كيان سياسي فلسطيني في قطاع غزة، يمكن التعامل معه كدولة تستفيد من هذه البنى، الأمر الذي يُحقق هدف إسرائيل الاستراتيجي في تكريس الفصل السياسي بين القطاع والضفة الغربية.
أما صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية فقد ذكرت في 18 يونيو/ حزيران 2018 أن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تأمل أن تتمكن عبر جولة كل من غرينبلات، ومستشار الرئيس، جاريد كوشنر، في دول الخليج، من جمع نحو نصف مليار دولار لإطلاق مشاريع حيوية عدة في غزة، تهدف إلى منع انهيار الوضع في القطاع، وتمهد في الوقت ذاته إلى طرح ما يُعرف إعلامياً بـ"صفقة القرن" (الخطة الأميركية الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية).
وقالت الصحيفة آنذاك إن "الولايات المتحدة تأمل في نجاح اللقاءات التي سيجريها كوشنر وغرينبلات مع قادة قطر والسعودية ومصر والأردن وإسرائيل، لكي تُساهم مشاريع الإعمار المقترحة، وخاصة في مجالات الطاقة، في تهيئة الأوضاع في قطاع غزة، وتُنتج زخماً إيجابياً يُمكّن من طرح خطة ترامب"، مشيرة إلى أن من بين المشاريع المقترح تنفيذها بناء محطة لتوليد الطاقة، وميناء بحري، في شمال سيناء، لخدمة سكان القطاع.
وحسب الصحيفة، فإنه على الرغم من معارضة مصر لهذه الأفكار في حينه، إلا أنها عدلت أخيراً عن معارضتها، خصوصاً في حال نجاح الأميركيين بضمان تمويل من الخليج لهذه المشاريع، والتي تهدف إلى توفير أماكن عمل لآلاف الفلسطينيين من قطاع غزة، وتحسين الأوضاع الاقتصادية في القطاع، وتحسين الأوضاع الاقتصادية والأمنية شمالي سيناء أيضاً.
وأثار تجنب حديث المسؤولين في مصر حول مصادر تمويل المشاريع المقررة إقامتها التساؤلات بشأن هوية مموليها، والجهات التي تقف وراءها، ومدى ارتباطها بما يتداول حالياً عن بنود "صفقة القرن"، ومخطط تفريغ محافظة شمال سيناء من سكانها؛ لا سيما مع شن قوات مشتركة من الجيش والشرطة عملية عسكرية واسعة في شمال سيناء، منذ 9 فبراير/ شباط 2018، بذريعة "القضاء على المسلحين التابعين للتنظيمات التكفيرية".
وفي يناير/ كانون الثاني 2017، حصلت مصر على قرض سعودي لتنمية سيناء من الصندوق السعودي للتنمية بقيمة 1.5 مليار دولار، تحت مسمى "برنامج الملك سلمان بن عبد العزيز لتنمية شبه جزيرة سيناء"، والذي يهدف إلى تمويل "مشروع جامعة الملك سلمان بمدينة الطور، وطريق محور التنمية بطول 90 كيلومتراً، ومحور التنمية بالطريق الساحلي، فضلاً عن إنشاء 9 تجمعات سكنية".
تجدر الإشارة إلى موافقة البرلمان المصري، في 11 يوليو/ تموز الحالي، على تعديل مقدم من الحكومة على بعض أحكام قانون الإقامة ومنح الجنسية للأجانب، المعروف إعلامياً بـ"بيع الجنسية"، إثر رفض اقتراحات مقدمة من بعض النواب بعدم جواز بمنح الجنسية المصرية لمن يحمل الجنسية الإسرائيلية أو الفلسطينية، في إطار ما يتردد عن "صفقة القرن"، ومحاولات النظام إزاء منح الجنسية للفلسطينيين إيذاناً بتوطينهم في سيناء.
ونص تعديل القانون على أنه "يجوز لرئيس مجلس الوزراء منح الجنسية المصرية لكل أجنبي اشترى عقاراً مملوكاً للدولة، أو لغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، أو أنشأ مشروعاً استثمارياً وفقاً لأحكام قانون الاستثمار، أو بإيداع مبلغ مالي بالعملة الأجنبية كإيرادات مباشرة تؤول إلى الخزانة العامة للدولة، أو كوديعة في حساب خاص بالبنك المركزي، وذلك بعد أداء رسم قيمته عشرة آلاف دولار أميركي".