كشفت مصادر حكومية مصرية خاصة لـ "العربي الجديد" عن خطة رسميّة أعدّها المجلس التخصصي للتعليم التابع لرئاسة الجمهورية، الذي كان يترأسه وزير التعليم الحالي طارق شوقي، تتضمّن تحويل الخدمات الجامعية الحكومية إلى خدمات مدفوعة بنسبة لا تقلّ عن 75 في المائة، تدريجياً. ومن المتوقّع أن تبدأ الدولة بطرح مشاركة القطاع الخاص في إدارة الجامعات الحكومية خلال السنوات الأربع المقبلة، أي قبل انتهاء فترة الرئاسة الثانية المرتقبة للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.
ولفتت المصادر إلى أنّ هذه الخطة التي أُعدّت على درجة عالية من السرية، عُرضت خلال الشهرين الماضيين على عدد من الخبراء التربويين ورؤساء الجامعات السابقين والحاليين وأكاديميين من مختلف التخصصات، غير أنّ الذين اطّلعوا عليها عارضوها بمعظمهم وبطريقة قاطعة. يُذكر أنّ ثمّة إرادة عليا من قبل السيسي شخصياً لتطبيقها في أقرب وقت ممكن.
وأوضحت المصادر نفسها لـ "العربي الجديد" أنّ الخطة تتضمن التدرّج في تحويل بعض الجامعات الإقليمية إلى جامعات أهلية، فيتشارك القطاع الخاص مع الدولة في إدارتها، ليتحمّل المستثمرون جزءاً من الأعباء التي تتحملها الدولة حالياً، على أنّ تكون الأولوية للمستثمرين المتخصصين في مجال التعليم والثقافة، وبمعنى أدقّ إدارات الجامعات والمدارس والأكاديميات والمعاهد الخاصة الهادفة أصلاً إلى الربح.
أضافت المصادر أنّ العنوان العريض لموجة التحوّل الأولى هذه، سوف يكون "التوسّع في إنشاء جامعات أهلية غير هادفة للربح" على غرار مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا التي أنشئت رسمياً مطلع عام 2013، لكنّ الحقيقة هي أنّ هذه الجامعات الأهلية سوف تكون ستاراً لتغيير أسلوب تقديم الخدمة التعليمية. فالخطة تسمح بالتحاق الطلاب مجاناً بهذه الجامعات، غير أنّ الخدمات التي تقدَّم سوف تكون مدفوعة بنسبة 75 في المائة، سواء أكانت مطبوعات أو تعليماً مكثفاً أو تدريبات أو ممارسات عملية، وذلك بالنسبة إلى الدراسات العلمية والأدبية على حدّ سواء. وسوف توجّه الأرباح إلى الإنشاءات والوسائل التعليمية والأدوات وزيادة مرتبات الأكاديميين، تحت رقابة الجهاز المركزي للمحاسبات.
وتابعت المصادر أنّ التحوّل التدريجي إلى "الشكل الأهلي" يصحبه توسّع في إنشاء الجامعات الخاصة، مع السماح برفع أسعار الالتحاق بها والخدمات التعليمية فيها، بحجّة تعويض إدارات الجامعات الخاصة التي سوف تشارك الجامعات الحكومية في إنشاء الجامعات الأهلية أو التحوّل إليها.
أمّا جوهر هذه الخطة فهي بحسب المصادر نفسها، فكرة تقضي بجعل الالتحاق بالجامعات صعباً، حتى تخشى الأسر المصرية البسيطة الدفع بأبنائها إليها بسبب ما سوف تتكبده من مصاريف. وهو ما يؤدّي على المدى الطويل إلى توجّه الأسر إلى التعليم المهني أو المعاهد العليا الخاصة بدلاً من الجامعات، الأمر الذي يتصوّر واضعو الخطة أنّه سوف يؤدّي إلى تخفيض البطالة بين حملة المؤهلات العليا إذا نفّذت الخطة بجديّة لمدّة 10 سنوات كمرحلة أولى.
ويتضمن تطبيق الخطة كذلك نظاماً جديداً للترقي في الدراسة الجامعية بالجامعات الحكومية بشكلها الحالي أو بعد تحويلها إلى جامعات أهلية، فتُمنَح الخدمات التعليمية بأسعار متدرّجة للطلاب بحسب التقدير الدراسي. فإذا كان الطالب يحقق درجات أو تقديرات ضعيفة فهو سوف يتحمّل الخدمات التعليمية بنسبة قد تزيد على مائة في المائة نظير استمراره في الجامعة، مع تخفيض الحد الأقصى لعدد مرات الرسوب، بهدف زيادة أعداد المفصولين من التعليم الجامعي، فتحلّ الدولة من الإنفاق عليهم.
في السياق، أشارت المصادر إلى أنّ أمانة السياسات في الحزب الوطني المنحلّ في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، كانت قد وضعت مشروعاً في عام 2006 لتحويل الجامعات الحكومية إلى مؤسسات ربحية، لكنّها اكتفت بعرض خدمات تعليمية لقاء مقابل مالي منخفض بالمقارنة مع الجامعات الخاصة، وذلك مع استمرار تقديمها الخدمات المجانية لعموم الطلاب. فأنشأت أقساماً للغات في عدد من الكليات النظرية ومدارس علمية خاصة داخل بعض الكليات العلمية لتحقيق الربح. لكنّ النظام الجديد المزمع تطبيقه يجعل لكلّ خدمة تعليمية تقدّم في الجامعة الحكومية أو الجامعة الأهلية سعراً قريباً من الذي تتقاضاه الجامعات الخاصة، بمعنى القضاء على فكرة التعليم العالي المجاني عملياً.
وشددت المصادر على أنّ النظام الحالي يستهدف تعميم بعض بنود هذه الخطة على التعليم ما قبل الجامعي (التعليم الثانوي خصوصاً) إذا نجحت المرحلة الأولى في تحويل الجامعات وخدماتها من مجانية إلى مدفوعة. وقد حذّرت تقارير رقابية وسيادية من خطورته في ظل سوء الأوضاع الاقتصادية المتوقّع استمراره حتى عام 2025 على الأقلّ بحسب تقديرات مالية دولية ومحلية.