وضع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، شرطاً ربما قد يكون اﻷغرب في تاريخ السياسة المصرية لرحيله، وينصّ على أنه سيرحل إذا "أراد جميع المصريين منه الرحيل عن السلطة، من دون النزول إلى الشوارع للتظاهر ضده". وجاء ذلك خلال حضور السيسي حفل ذكرى المولد النبوي، في قاعة مؤتمرات الأزهر، وتحدث فيه، كعادته، عن تجديد الخطاب الديني وسيطرة وزارة الأوقاف والأزهر على الخطاب كـ"سبيل لمحاربة الإرهاب والتطرف".
لكن الجديد لدى السيسي، كان تطرّقه صراحة إلى نداءات إحياء الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، بالنزول إلى الميادين والتظاهر ضد النظام الحالي. وتحدث السيسي بازدراء واستهانة عن هذه النداءات، متسائلاً: "لماذا تطالب مجموعة بثورة جديدة في 25 يناير؟ هل تريدون تضييع هذا البلد وتدمير الناس والعباد وأنتم لستم بحاجة لأن تنزلوا؟".
واستبق السيسي بكلماته ذكرى الثورة، مؤكداً ما مفاده أنه لن يرحل بالتظاهرات "التي تقوم بها نفس المجموعة"، قاصداً بذلك الحركات الشبابية والثورية وشباب جماعة "الإخوان المسلمين"، الذين كانوا نواة الثورة ضد نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك.
وقد حاول السيسي مراراً التودّد لشباب ثورة يناير، الذين شاركوا في تظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013، تارة بفتح قنوات سرية للحوار معهم، وتارة أخرى بقرارات العفو عن بعض المسجونين منهم، إلا أنه يُواجَه دائماً بالتصعيد ضده، من خلال صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. وما زال السيسي يأمل في تحييد هذه الفئة، بالإعداد لقرار عفو جديد، سيصدره قبل ذكرى الثورة بأيام، ويتضمن قائمتين، إحداهما لبعض السجناء السياسيين، والثانية لبعض السجناء الجنائيين.
اقرأ أيضاً السيسي: مبارك خرب البلد... وساخرون: "علشان كده اديته براءة"
ويبدو حديث السيسي بالأمس متراجعاً ومختلفاً عن أحاديث سابقة له عن استعداده لترك السلطة إذا نزل المصريون في الشارع ضده، كما حدث مع الرئيس المعزول محمد مرسي. بالتالي يتضح أن السيسي حسم أمره بمواجهة أي تظاهرات معارضة بحسم وقوة، وقد ظهرت بوادر هذه المواجهة الأمنية بإجرائين مهمين.
الإجراء الأول هو ما شهدته وزارة الداخلية منذ أيام بالإطاحة برئيس قطاع الأمن الوطني ونائبين له، وتصعيد نائب آخر رئيساً للقطاع، وكذلك تغيير مساعد وزير الداخلية للأمن. وهي مؤشرات صريحة لعدم رضا السيسي وأجهزة الاستخبارات عن أداء الشرطة في الآونة الأخيرة، على الرغم ممّا فيه من تضييق على الحريات واصطياد للنشطاء والمعارضين.
أما الإجراء الثاني فهو ميداني، إذ شهد ميدان التحرير والمناطق المحيطة به، بالإضافة إلى الشوارع الرئيسية بمحافظتي القاهرة والجيزة، تشديداً أمنياً استثنائياً منذ الأمس، تجلّى في تعدد الحواجز الأمنية وانتشار رجال الشرطة بملابس مدنية.
ويبدو أن السيسي يواجه مأزقاً داخلياً بانتهاء الهالة السياسية التي رسمها حول نفسه، وهو ما يعكس، وفقاً لوجهات نظر المحللين والسياسيين، وجود حالة من الانفراط وانعدام الرؤى في الشارع المصري. ووفقاً لتصريحات خاصة لخبير سياسي، لـ"العربي الجديد"، فإن "تصريحات السيسي تشير إلى شعور دفين باليأس، وأن الهالة الكبرى التي رسمها الإعلام له وبعض القوى السياسية، التي كانت في الأساس تتخوّف من توغل وسيادة جماعة الإخوان في حكم مصر. والمسألة لم تعد بمقاس الشماعة التي نصبها النظام لجماعة الإخوان المسلمين، بل تخطتها إلى حالة من التململ العام، انعكست في تصريحات سياسيين وبرلمانيين وحزبيين، عن عدم رضاهم عن الوضع المصري وإلى ما ستؤول إليه البلاد في ظل حكم الفرد". وانتقد الخبير "البرلمان المصري المصنوع من قبل الأجهزة الأمنية والمُنتخب بنسبة ضئيلة من الشعب".
ويعكس حديث السيسي قلق السلطة الاستثنائي هذا العام من ذكرى الثورة، في ظلّ استعداد قوى شبابية ووطنية عديدة، للتظاهر ضد النظام، خصوصاً بعدما تنوّعت الجهات التي يخاصمها النظام بسبب عودة توحّش الآلة الأمنية، وتكرار حالات تعذيب المواطنين في أقسام الشرطة، وسوء أوضاع المعتقلين في السجون، وتردّي الحالة الاقتصادية، واستمرار إرضاء النظام لطبقة رجال الأعمال، والفساد السياسي الذي تجلّى في انتخابات مجلس النواب الأخيرة بإدارة الملف بواسطة دوائر أمنية واستخباراتية.
اقرأ أيضاً مصر: تفكّك ائتلاف "دعم الدولة" قبل انعقاد البرلمان