السيسي.. سباق الزمن والتطبيع

25 سبتمبر 2017
+ الخط -
قبل أن تنتهي الفترة الرئاسية لحكم الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بعد أشهرٍ، يسود ترقّبٌ مشوبٌ بالحذر من أنّ مجلس الرئاسة يمهّد لتمديد الفترة الرئاسية بدلاً من إجراء انتخابات. ولهذا ازدادت وتيرة تحركات السيسي، ومحاولاته لفت الأنظار بمواقفه وتسجيلاته، ولم تسعفه الحكمة يوماً في التفريق ما بين الدعاية الشخصية داخلياً والرغبة في تصدّر المشهد السياسي خارجياً.
أحدث هذه المواقف نصحه الشعب الفلسطيني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أخيرا، بقبول التعايش مع الإسرائيليين، مستشهداً بتجربة مصر في السلام، ثم في هوجة حماسه، عمل على إلغاء المواطن الفلسطيني فجأة بقوله "أمن وسلامة المواطن الإسرائيلي جنباً إلى جنب مع أمن وسلامة المواطن الإسرائيلي".
أما ما سبق هذا الحدث من لقاء بين السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في نيويورك، فلم يكن بحاجة لترويجه ووصفه بالعلنية، لأنّه في علم الكافة إدراكٌ لا تشوبه ذرّة شك في مسارات العلاقة بينهما منذ بداياتها. فالسيسي منذ كان وزيراً للدفاع في عهد الرئيس المنتخب، محمد مرسي، كان يحرص على الحفاظ على علاقاتٍ سلمية مع إسرائيل، وأظهر موقف المؤسسة الأمنية العسكرية انقساماً على الحكومة بتصنيف البدو الجهاديين في سيناء،
وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) مهدّدين للأمن القومي المصري. ولما لم تتمكّن المؤسسة العسكرية من ترجمة هذه المواقف وغيرها إلى خطط سياسية، عملت على إطاحة الرئيس محمد مرسي الذي كان عقبة في وجه هذه التصنيفات. وعلى الرغم من التكتم على تفاصيل كثيرة، إلّا أنّ تأييد إسرائيل الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، كان ملفتاً للانتباه، خصوصا أنّه جاء بعد فتورٍ شهدته العلاقة بين إسرائيل ومصر خلال فترة الرئيس مرسي.
ولم يظل في طي الكتمان أيضاً لقاء نتنياهو بالسيسي في القاهرة، والذي تم في جُنح الدجى واستمر حتى ساعات الفجر الأولى في يونيو/ تموز الماضي، فقد كشفت عن الزيارة صحيفة هآرتس الإسرائيلية، وأوضحت أنّها جاءت في إطار التمهيد لمناقشة خطة لمبادرة سلام خاصة بالمنطقة، تتضمن الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، واستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين.
بادل السيسي إسرائيل تأييداً بتأييد، وما يُسمى الآن التوجه العلني مع إسرائيل هو علاقة هروبية من الأزمات التي صنعها حكمه في مصر، وأكبر هذه الأزمات الاقتصادية الخانقة يتمثل في استشراء الفقر وتضاعف المشكلات المعيشية وارتفاع معدلات البطالة. وبسبب سياساته الاقتصادية، تحولت مصر في عهده إلى دولةٍ تستجدي الإعانات بعلاقاتها الدولية.
أما أزمة الخصومة مع المعارضة، بشقيها الإسلامي والعلماني، وما تحمله من مواقف وأيديولوجيات واضحة، فيقابلها افتقار مؤيدي السيسي لأي مواقف فكرية، مما ساهم في إعادة تسويق العلاقات المصرية الإسرائيلية، باعتبارها ضرورةً بعد صناعة عدو إقليمي مشترك هو الإسلاميون.
هناك أيضاً الأزمة الإقليمية، مكافحة الإرهاب، وقد فرض تزايد وتيرة العنف في شبه جزيرة سيناء المشاركة الأمنية بين مصر وإسرائيل. ولم تقتصر العلاقات بينهما على الجانب الأمني والاستخباراتي، فقد سعى الطموح الدبلوماسي المصري إلى لعب دورٍ موازٍ، حيث زار وزير الخارجية المصري، سامح شكري، إسرائيل، والتقى نتنياهو في القدس المحتلة.
كما تبرز أزمة سد النهضة في إثيوبيا، ومهدّدات تناقص حصة مصر من مياه النيل، مقروءةً مع زيارة نتنياهو دول حوض النيل، خصوصا المعارضة منها لمطالبات مصر بحصة في مياه النيل، كإثيوبيا ورواندا وتنامي الدور الإسرائيلي، ما استدعى تطمين الرأي العام بأنّ مصر ما زالت تحافظ على مكانتها الأفريقية، وأنّها تعمل وفق وساطة إسرائيلية لحل أزمة مصر في مياه النيل.
وفي ضوء هذه الاعتبارات المتنافسة، لم تترك الأزمات للسيسي أي دعمٍ داخلي، فاتجه إلى الخارج القريب، وهو "مفاوضات السلام الإسرائيلية – الفلسطينية". يود السيسي المحافظة على علاقته مع إسرائيل لتعزيز سلطته العسكرية في مصر، وتعزيز نفوذ مصر في منطقة الشرق الأوسط، خصوصا بعد أن بدأ الغرب يختبر حرصه على السلطة، بعد انتهاء فترته
الرئاسية.
يسعى السيسي إلى تعويض الإسرائيليين عن "السلام البارد" الذي وصفوا به معاهدة السلام التي تم توقيعها بين مصر وإسرائيل في 1979، والتي نصت على أن تكون سيناء منطقة منزوعة السلاح. وعلى الرغم من أنّ نظام حسني مبارك كان أوثق حليف لإسرائيل في الحرب ضد حركة حماس في غزة، وفي الحدّ من محاولة إيران فرض هيمنتها الإقليمية، إلّا أنّ عدم فعالية مبارك وسيطا في عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين لم تكن مقلقة لإسرائيل، التي اعتادت التعامل مع النظم المستبدة في المنطقة. ووفقاً لذلك، تستبق إسرائيل الأحداث على أساس توقّع أسوأ السيناريوهات المحتملة، محرّكها الرئيسي هو الخوف الشديد من قيام الديمقراطية، وما يمكن أن تحمله من استجابة لصوت الشعب.
يدّعى السيسي قيادة مبادرة السلام التي أطلقها فى مايو/ أيار 2016، أملاً منه في أن تكون أكثر"حرارة" من سابقاتها، حيث تمنّى خلالها الأمل للفلسطينيين والأمن للإسرائيليين مأخوذاً بشعار نتنياهو "لن يكون هناك سلام إذا لم نضمن الأمن". ومع أنّ مصير هذه التحركات الفشل نسبة لمعيقات عديدة، تمنع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي من التوافق على صيغةٍ تسوية سلمية، إلّا أنّ السيسي يطمع في أن يبدو منافسا لأطرافٍ قامت من قبل بمبادرات سلام دولية لحل المشكلة الفلسطينية. ولن يضير السيسي من ذلك شيء، فقد وُصف ميكافيللي من قبل بأنّ الصالحين ينظرون إليه على أنه مخطىء، والأشرار على أنّه أكثر منهم شراً.
8615DCBC-E386-43F8-B75E-8FF0C27360A3
منى عبد الفتاح

كاتبة صحفية من السودان. حاصلة على الماجستير في العلوم السياسية. نالت دورات في الصحافة والإعلام من مراكز عربية وعالمية متخصصة. عملت في عدة صحف عربية. حائزة على جائزة الاتحاد الدولي للصحفيين عام 2010، وجائزة العنقاء للمرأة المتميزة عام 2014.